شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
التغريبة السوريّة إلى أربيل... عمّ يبحث السوريون في هذه المدينة؟

التغريبة السوريّة إلى أربيل... عمّ يبحث السوريون في هذه المدينة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 مارس 202103:45 م

منذ أن بدأت الحرب في سوريا وصل السوريون إلى آخر بقاع الأرض هرباً منها، الفقير والغني ومتوسط الحال، سفر بشكل نظامي أو عن طريق التهريب وما بينهما، بالبحر والبر والجو. خرجوا من بيوتهم بحقيبة وقليل من الأغراض والأوراق المهمة، في مهمة ليست بالسهلة أبداً، وهم بكامل القناعة أنه ما من حل بديل للوضع الذي وصلت إليه البلاد.

وخلال السنوات العشر الماضية، كانت القارة الأوروبية الوجهة الأساسية لشريحة كبيرة ممن استطاعوا الوصول إليها، أما الشريحة غير المحظوظة كثيراً فكانت وجهتها إلى أحد بلاد الوطن العربي، وبعضها لم يكن ملائماً لحياة جديدة يتمناها إنسان هارب من حرب مجنونة، وفي الحالتين لم يكن الترحيب بالسوريين قوياً من الجميع.

لبنان، مصر، الأردن، العراق وغيرها من البلدان التي تستقبل كل يوم المزيد من العائلات السورية، لكن اسم المدينة الأكثر تداولاً منذ سنين والذي أصبح مكرراً بشكل يومي منذ أواخر العام الماضي هو أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، أو "هَوْلير" كما تلفظ باللغة الكردية.

كم مرة سمعتم في السنين الماضية عن عائلات سورية سافرت إلى أربيل؟ والسؤال الأهم حالياً، كم صديقاً ودعتم في الشهور الماضية لأنه قادم إلى هنا؟ نعم قادم إلى هنا لأني أنا أيضاً في أربيل، وأتيت إليها منذ أشهر بحثاً عن مستقبل أفضل.

آلاف الشباب السوريين اتجهوا إلى أربيل في الأشهر الماضية بحثاً عن مستقبل أفضل.


رحلات يومية

بعد مرور عام 2020 بصعوبة كبيرة على العالم كله، وعلى سوريا بشكل خاص، وتأجيل الكثير من أحلام السفر عند فئة الشباب، بسبب حال العالم في ظل جائحة كورونا وإغلاق الحدود، كان شباب سوريون كثر، بكامل جهوزيتهم، موضبين لحقائبهم وجوازات سفرهم لأول بلد يمكنهم الوصول إليه، ما شكل ازدحاماً كبيراً على حجوزات الطيران إلى أربيل، عند فتح الحدود في شهر تشرين الأول 2020، فهي من المدن القليلة جداً التي ما زالت تستقبل السوريين بشروط سهلة، إلى جانب بلدان أخرى منها السودان، جزر القمر، الموزمبيق والصومال.

ونتيجة هذا الازدحام، أعلنت شركة الطيران السورية "أجنحة الشام" انتقالها من رحلتين في الأسبوع بين دمشق وأربيل إلى رحلات يومية، وأعلنت شركات أخرى، مثل فلاي بغداد، عن تسيير رحلات من سوريا إلى أربيل بسبب الإقبال الشديد.

بحساب بسيط للأرقام حيث تتسع الطائرة الواحدة لأكثر من 150 شخصاً، نستطيع القول إن آلاف الشباب السوريين يصلون شهرياً إلى أربيل التي فتحت أبوابها لهم، على عكس أغلب مدن العالم.


مجرد محطة

حازم (29 عاماً)، خريج إدارة أعمال في دمشق، انتقل مؤخراً إلى أربيل. يقول لرصيف22: "كان وضعي جيداً في سوريا، أو أستطيع القول بأن حالي كان أفضل من غيري فقط، ولكني أسعى للسفر إلى أوروبا، فقررت المجيء إلى أربيل كمرحلة انتقالية، فهي منفتحة على العالم حالياً أكثر من دمشق، ويمكنني فيها التواصل مع السفارات بطريقة أفضل، وأيضاً العمل وادخار بعض المال للمستقبل".

هذه المحطة لم تقتصر فقط على الشباب، بل كانت ملاذاً لأعداد لا يستهان بها من العائلات السورية الآتية لتقديم اللجوء إلى كندا وأستراليا وغيرها، لتأمين حياة كريمة لأبنائها، بعيداً عن أزمات لا تنتهي في سوريا، ولتحقيق إحدى شروط تقديم اللجوء وهي أن تكون خارج بلدك، فوجدوا في أربيل مكاناً يمكنهم العيش فيه واختيار الاستقرار، أو الانتظار بأريحية أكبر من العاصمة اللبنانية بيروت، التي كانت خياراً لهم في أول سنوات الحرب، لكن أحوال الحياة فيها لم تعد سهلة أيضاً منذ أكثر من عام.

أعلنت شركة الطيران السورية "أجنحة الشام" انتقالها من رحلتين في الأسبوع بين دمشق وأربيل إلى رحلات يومية، وأعلنت شركات أخرى، مثل فلاي بغداد، عن تسيير رحلات من سوريا إلى أربيل بسبب الإقبال الشديد


الخدمة العسكرية

ومن أسباب قدوم الشباب السوريين بكثرة إلى أربيل الهرب من الخدمة العسكرية التي باتت عبئاً ثقيلاً وواجباً غير محدود المدة، خاصة أن أربيل من المدن القليلة التي ما زالت تعطي السوري تأشيرة دخول بشكل سهل ومباشر وغير مكلف نسبياً مقارنةً بغيرها، إذ يمكن الاستعانة بمكاتب السفر أو محامين للحصول على التأشيرة، وبتكلفة تبلغ 250 دولاراً، فأصبحت الوجهة الأولى للشباب بين العشرينيات إلى الثلاثينيات.

الياس سيوفي، شاب سوري تخرج من كلية طب الأسنان. يقول في حديث لرصيف22: "سافرت بآخر عام 2018 بسبب الخدمة العسكرية، والسبب الثاني الوضع السيء في البلد. كان أمامي خياران فقط، إما لبنان أو أربيل، فاخترت الثانية".

لم يعرف الياس أنه سيبقى فترة طويلة دون عمل بسبب قلة الفرص خاصة في مجاله نتيجة صعوبة تعديل الشهادة، ما يضطر بعض الأطباء السوريين للجوء إلى الريف، أو للعمل بأي فرصة تتاح لهم حتى لو كانت بعيدة عن طموحهم. يكمل الشاب: "أفكر بالسفر مستقبلاً فالوضع غير مستقر، ومن الممكن أن يتخلوا عني في العمل بأية لحظة، لكن من المؤكد أن وضعي هنا أفضل من سوريا، وما أستطيع تأمينه هنا لا يمكنني تأمينه في دمشق".


إحدى الرحلات المتجهة من دمشق إلى أربيل ومعظم المسافرين من الشباب - تصوير جعفر المرعي

وبشكل عام ينقسم الشباب السوري في أربيل إلى قديم مستقر منذ سنين وثابت بعمله براتب جيد جداً، وجديد يعمل بأجر زهيد لا يكفي بدل إيجار منزل. وعندما تزور المقاهي والمحلات التجارية حتماً ستلتقي بشباب سوريين يعملون فيها، وهم هاربون من حمل السلاح في بلدهم. منهم من يخطط لجمع بدل الخدمة العسكرية والعودة إلى سوريا، ومنهم من ينوي جمع نفس المبلغ والانطلاق نحو بلد أجنبي يعطيه إذن دخول، وإذا ما اضطرته الأحوال يلجأ إلى التهريب.


للسوريات فصل مهم في الحكاية

لا تقتصر الرحلات من سوريا إلى أربيل على الرجال، فنسبة كبيرة من الشابات السوريات والأمهات أيضاً يأتين بحثاً عن فرص عمل جديدة ووضع معيشي مريح ومستقر لهن ولعائلاتهن.

رنيم شموط، شابة سوريّة طموحة ونشيطة، تعمل في مجال الإخراج التلفزيوني والتسويق، تحدثت لرصيف22 عن تجربتها وسبب قدومها إلى أربيل: "قررت الانتقال إلى هنا لأنه لا يوجد وجهة أخرى يمكنني الذهاب إليها، كما أن سكانها يحبون السوريين. أعمل كمديرة تسويق لسلسلة مطاعم، وأطمح للعمل على مشروعي الخاص، فالفرص كثيرة هنا ويوجد انفتاح على الأفكار الجديدة دائماً".

تكثر الأحاديث عن المقارنة بين دمشق وأربيل، بين مدينة يربطهم بها حب ودفء الماضي مع ألم الحاضر، ومدينة جديدة احتضنتهم وقدمت لهم مساحة جديدة للبدايات مع صعوبات لا يمكن غضّ النظر عنها

في كل شركة ومنظمة ومؤسسة أو مركز تجميل يوجد على الأقل امرأة سورية، والكثير منهن عازبات قررن الإقدام على خطوة نحو الاستقلال مجتمعياً ومادياً، واستطعن تحقيق نجاحات مميزة رغم صعوبات هذه الرحلة البعيدة عن وطنهن وأصدقائهن وأحبائهن أحياناً، ولكن وجود الكثير من السوريات ساعد على بناء مجتمع "سوريات في أربيل" الذي صنعوه لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، يبحثن فيه عن سكن مشترك للفتيات، عن فرصة عمل، عن صديقة أو عن نصيحة ما.

تتابع رنيم في الحديث عن الوجود السوري الكبير في المدينة: "يوجد الكثير من السوريين هنا وأعرف أغلبهم، نصفهم هنا بشكل مؤقت لتقديم ملفاتهم إلى السفارات، ومنهم هنا من عدة سنين بوظائف مرموقة، أو لديهم مشاريع خاصة. كوضع اقتصادي في الشكل العام لا يوجد سوري يعمل ويعيش تحت مستوى الوسط، والجميع يمكنه تأمين كل احتياجاته بشكل طبيعي".

تكثر الأحاديث الجانبية عن المقارنة بين دمشق وأربيل، بين مدينة يربطهم بها حب ودفء الماضي مع ألم الحاضر، ومدينة جديدة احتضنتهم وقدمت لهم مساحة جديدة للبدايات مع صعوبات لا يمكن غضّ النظر عنها. بالرغم من حبها الكبير للشام، مدينتها الأم، أي دمشق كما يطلق عليها السوريون، تؤكد رنيم بأن أربيل بالنسبة إليها أفضل بكثير للعيش حالياً من دمشق.


العائلة والحياة الاجتماعية

عُرفت سوريا سابقاً بمجتمعها اليافع وتشكيل الشباب النسبة الأكبر من شعبها، وكان من العادي جداً البدء بتأسيس العائلة بعد الانتهاء من الجامعة فوراً، فرغم الصعوبات التي من الممكن أن يواجها شاب وشابة في مقتبل العمر من أمور مادية لفتح منزل وتكوين أسرة، لم يكن ذلك مستحيلاً، على عكس ما وصلت إليه الأمور الآن بظل تدهور الاقتصاد.

نصف السوريين موجودون الآن في أربيل بشكل مؤقت لتقديم ملفاتهم إلى السفارات.

شام السمان، خريجة كلية الفنون بجامعة دمشق، وصلت أربيل منذ عدة أشهر هي وزوجها وابنهما الصغير. وصفت تجربتها بالسفر بأنها الحل الأفضل، وقالت لرصيف22: "قررنا السفر بعد أن جربنا كل الاحتمالات الممكنة بالبقاء، لكن للأسف لم نجد الحل، فاتخذنا من أربيل وجهة لأنها الأسهل والأقرب إلى سوريا في حال أردنا زيارة عائلاتنا أو العودة".

وعن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أكملت بقولها إن العمل في أربيل جيد ومنظم بشكل عام، ولكن لا يوجد حياة اجتماعية كتلك الموجودة في دمشق: "نحن كعائلة نفقد هنا لجمعاتنا التي اعتدنا عليها في سوريا كل أسبوع، وحتى بالنسبة لابننا، كان لديه أصدقاء من عمره يلعب معهم، ولكن هنا لا يوجد هذا الشيء، علماً بأننا نعرف أكثر من ثلاثين سورياً في أربيل، لكن الوضع الاجتماعي لا يشبه حياتنا التي نحب هناك".


"هنا دمشق"

يرى السوريون في أربيل دمشق أخرى، أو يحبون أن يروها كذلك، فتجدهم يشبّهون سوق قلعة أربيل بسوق الحميدية، وشوارعها القديمة بشوارع دمشق القديمة، والمقاهي فيها بمقاهي الشام وجلساتهم فيها، وهكذا يهونون على أنفسهم ما خسروه من تفاصيل أحبوها هناك، ويكسبون فيها ما لا يمكنهم امتلاكه هناك أيضاً، علّهم يعودون يوماً لاستكمال قصتهم التي حلموا بكتابتها في بيوت الطفولة بين جدران غرفهم و"لمّة العيلة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard