شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما تجبرك الحرب على بيع جلدك

عندما تجبرك الحرب على بيع جلدك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 19 مارس 202101:10 م

في ثاني أفلامها الروائية الطويلة، "الرجل الذي باع ظهره"، والذي عُرض بمهرجان "الجونة السينمائي" في دورته الرابعة، بعد عرضه الأول في مهرجان "فينيسيا السينيمائي"، والذي اختارته أكاديمية علوم الصورة المتحركة وفنونها ليدخل ضمن القائمة القصيرة للأوسكار عام 2021، تعرض المخرجة التونسية كوثر بن هنية قصة شاب سوري؛ سام علي أو "يحيى مهايني" في كوميديا سوداء. خرجت كوثر من نفسها تماماً لتقدم قصة بعيدة عن حياتها؛ عن شاب سوري. سام شاب يحب فتاة جميلة ويحلم بالزواج منها، لكن ككل من ولدوا في المنطقة الأقل حظاً من العالم، سيتحول بعد الثورة السورية إلى لاجئ، بعد هروبه إلى لبنان بدون أوراق، لأنه كان معرضاً للسجن. وعلى إثر ذلك، تركته حبيبته عبير أو "ديا ليان"، وهاجرت مع زوجها، الذي تزوجته لكي تهرب من هذه البلاد المجنونة إلى بلجيكا. وفي لبنان، مسكنه الجديد، يتردد سام على المعارض، ليس ليشبع ميوله الفنية، بل ليتناول الطعام والشراب الذي يقدَّم مجاناً في المعارض. تكتشف أمره منسقة المعرض الشقراء ثريا، التي قامت بدورها مونيكا بيلوتشي، في أول أدوارها في العالم العربي، وتخبره أنه ليس ضمن قائمة المدعوين. وهناك يعرض عليه فنان أمريكي معاصر صفقة غريبة من نوعها، هي أن يتحول إلى لوحة فنية أو أن يبيع له ظهره.

يبدو أن الفيلم، المبهر بصرياً، مستوحى من "الرجل الموشوم"، الذي عُرض كعمل فني في المعارض للفنان البلجيكي ويم ديفو. تبدأ أحداث "الرجل الذي باع ظهره" في عام 2011 بعد انداع الثورة السورية، وحيث الحب والأحلام. سام شاب من مدينة الرقة التي استولت عليها داعش بعد الثورة. يعرض الفنان على سام أن يتحول إلى عمل فني حي؛ أن يرسم له وشماً على ظهره، وأن يمكث في المتاحف كقطعه فنية، ينظر إليها الناس ويلتقطون لها الصور. تتجمع مجموعة من الفتيات الصغيرة ومرشدتهم حول ظهر سام في صالة المعرض. فيزا "شنغن" رُسمت كوشم على ظهره، وهي جواز دخول لعدة دول أوروبية، جواز المرور من بلاد الحرب والجحيم، إلى المكان "الصحيح" في العالم.

فيزا "شنغن" رُسمت كوشم على ظهره، وهي جواز دخول لعدة دول أوروبية، جواز المرور من بلاد الحرب والجحيم، إلى المكان "الصحيح" في العالم

 تقول صاحبة "على كف عفريت" إنها كانت مهتمة بهذين العالمين المختلفين تماماً؛ عالم اللجوء وعالم الفن. فالفن الآن تجاوز فكرة الفن، والمعارض أصبحت مكاناً يذهب إليه المستثمرون. وهي مهتمة كذلك بمصير اللاجئين في أوروبا، فأرادت تقديم عمل يقوم على هذا الخلط بين العالمين؛ ماذا لو أصبح اللاجئ جزءًا من عالم الفن.

ما معنى أن يتحول شخص إلى قطعة فنية؟ يطرح الفن المعاصر أسئلة حول ما هو الفن، فأي شيء من الممكن أي يكون في وقت ما فناً، فيقدَّم كقطعة فنية، سواء كان قشرة موز أو مرحاض، وقد يكون كائناً حياً، مثل البكتيريا، وهو ما يُسمى بالفن الحيوي. لكن المختلف هنا هو أن يتحول الإنسان إلى لوحة فنية. قد يتمنى أي شخص أن يتحول إلى قصيدة أو عمل فني، لكن ما حدث هو أن سام اختُزل في صورة يسخر منها البعض، وتباع في المزاد، ويتكالب عليها جامعو القطع الفنية، بعد أن باع روحه للشيطان. لكنه في الأقل لم يُفقَد عبر البحر بعد محاولة هروب، أو يفقد طرفاً من أطرافه مثل أمه القابعة في سوريا.

وفي أحد المشاهد يتقدّم ممثل جمعية من سام ليخبره أنه يخضع لعملية استغلال، وأنهم لن يسمحوا باستغلال السوريين من خلال عرضهم في الساحات كالقرود. فلا يعييره انتباهاً، فما يهم سام أنه يمكث في فندق فئة الخمسة نجوم.

ما معنى أن يتحول شخص إلى قطعة فنية؟ يطرح الفن المعاصر أسئلة حول ما هو الفن، فأي شيء من الممكن أي يكون في وقت ما فناً

جاءت شخصية هذا الفيلم المحورية ذكورية، على عكس فيلمها السابق "على كف عفريت"، الذي قامت ببطولته التونسية مريم الفرجاني. وعن ذلك تقول كوثر لمهرجان البحر الأحمر: "عندما تكتب سيناريو، تسنح لك الفرصة لكي تخرج من جنسك ومظهرك. كل شخصية أكتبها فيها شيء قريب مني. بالنسبة لسام، أنا لست ذكراً ولست سورية ولست لاجئة، إنما شعرت بهوس تجاه رحلته العاطفية؛ في داخل الشخصية السينمائية سام شخص حر، يعيش في عالم قمعي وديكتاتوري. وأنا كذلك عشتُ في ظل الدكتاتورية في فترة ما قبل الثورة. لا يستطيع سام التعبير عن نفسه لأنه ولد في هذا الجانب من العالم، ولا يمكنه السفر بحرية أينما يريد. وأنا كذلك، لا أستطيع تلبية جميع الدعوات التي تصلني للمشاركة في المهرجانات السينمائية بسبب التأشيرة. وذلك أمر سخيف، لأنني لست أقل من أي شخص ولد في الجانب المناسب من العالم".

وعلى الرغم من أن المخرجة كانت قدّمت أفلاماً وثائقية في السابق مثل زينب تكره الثلج (2016) وشلاط تونس(2013) وبطيخ الشيخ (2018)، إلا أنها لم تنشغل هذه المرة بإبراز الأحداث السياسية الكابوسية في سوريا، بقدر ما انشغلت في تصوير آثارها، وما آلت إليه الأمور، التي جعلت الناس يبيعون جلودهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard