شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل نسمي ذلك إلحاداً أم اغتراباً؟

هل نسمي ذلك إلحاداً أم اغتراباً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 16 مارس 202102:42 م

منذ الوهلة الأولى عند قراءة مصطلح "الاغتراب" إلى جانب "الدين"، نشعر بالتخبط. ثم نتساءل عن العلاقة الممكنة بينهما؟ هل يكون الاغتراب في الدين فقط؟ أم هو مجرد تساؤل لمحاولة الهجوم على الدين والعقيدة وثوابتها والنيل منها؟ كان علينا الإمعان في إبراز هذا المفهوم من خلال طرحه داخل أطره التاريخية. ففي إطار التاريخية تظهر الإجابة على تلك التساؤلات لكل المؤمنين بالأديان وغير المؤمنين.

فالاغتراب هو شعور ذاتي فردي بالنسبة للإنسان، يجعله غائباً عن الواقع، فيشعر بالغربة عنه. إلا انه عند التدقيق في مصطلح الاغتراب، نجده يمثل موضوعاً واقعياً يرتبط بالذات الفردية. فحينما يشعر الإنسان بغربته عن هذا الواقع، فإن هذا الشعور لا يعد منفصلاً أو معزولاً عن شكله السيكولوجي قط، بل هو حالة بائسة ناتجة عن تغيرات وتناقضات الواقع المتطور في صيرورته وسيرورته التاريخية، الأمر الذي يؤثر في الوعي الإنساني سواء بإدراكه أو تزييفه.
أما بالنسبة لتناول المفهوم الاجتماعي للاغتراب من الناحية الفلسفية، فقد تناوله الكثير من الفلاسفة، سيما فلاسفة عصر التنوير في القرن الثامن عشر الميلادي. إلا أن الاستخدام المنظم لمصطلح الاغتراب في الفلسفة الألمانية كان على يد هيجل، الذي تأثر في تناوله للمفهوم بكل من روسو وشيللر إلى حد كبير في مستهل القرن التاسع عشر. ثم اُدخل فهم ماركس للاغتراب في النظرية السوسيولوجية في منتصف ذلك القرن، عندما ركز ماركس في تفسيره للنسق الرأسمالي على مفهوم الاغتراب الذاتي.

الدين المؤسس على الميتافيزيقيات والإيمان الروحي، ما هو إلا انعكاس لتناقض واقع مجتمعي طبقي بين البشر

هذا يدفعنا إلى التساؤل الأهم حول العلاقة بين الاغتراب بمفهومه السوسيولوجي– السيكولوجي والدين؟ يجيبنا فيورباخ عند وصفه للدين وجوهر الإله وتحليل تلك العلاقة في إطارها الانثروبولوجي، حيث أن الله ما هو إلا انعكاس لصورة الإنسان في الطبيعة، مما يعني أنسنة الإله، وأن الدين هو وهم زائف يجعل الانسان مغترباً داخل جوهر كائن مفارق للطبيعة. لكن هذا الربط الذي أكده فيورباخ وتناوله في التحليل، قد جعل جدلية الأفكار أكثر تجريدية، معزولة عن المجتمع البشري. فالدين المؤسس على الميتافيزيقيات والإيمان الروحي، ما هو إلا انعكاس لتناقض واقع مجتمعي طبقي بين البشر. ولهذا، نجد أدق وصف للشعور الديني لدى المؤمنين بالأديان هو ما قاله ماركس: "إن الشقاء الديني لدى المؤمنين هو من جهة تعبير عن الشقاء الواقعي، ومن جهة أخر» احتجاج على ذلك الشقاء. الدين هو تنهيدة الكائن المقهور، قلب العالم عديم القلب، كما هو روح الأوضاع عديمة الروح، إنه افيون الشعوب".
من ثم فالواقع التاريخي العياني هو الذي أفرز بنيته وأشكاله الفوقية وأفكاره التي أثرت في تزييف الوعي الإنساني، ومن ضمنها الأديان. فمنذ انتقال المجتمع البشري من المشاعية إلى العبودية التي أدت إلى الطبقية، ظهر الاستغلال من الطبقة الممتلكة لوسائل الإنتاج وقوى الإنتاج تجاه الطبقة التي لا تمتلك، ومن ثم كانت الحاجة إلى تغييب وتزييف وعي الطبقة المُستغَلة. فإذا رجعنا تاريخياً لآلاف السنين منذ مراحل تكون الفكر الديني لدى البشر، سنجد أن الكهنة في المعابد هم أول من أسسوا للعلاقة بين الإله والإنسان؛ ادفع واذبح القرابين لتحصل على عفو ورضا الآلهة وتتقي شرها، وبالتالي امتلاء خزائن الكهنة بالأموال.

الكهنة في المعابد هم أول من أسسوا للعلاقة بين الإله والإنسان؛ ادفع واذبح القرابين لتحصل على عفو ورضا الآلهة وتتقي شرها، وبالتالي امتلاء خزائن الكهنة بالأموال

هذا ما تؤكده الآثار والشواهد التاريخية؛ إصرار كل الملوك في الدول والحضارات القديمة على إنشاء معابد للآلهة، مروراً بالتطور في أنماط الإنتاج في المجتمعات البشرية وظهور الملكية الخاصة، أثرت في ازدياد التناقضات والصراع الطبقي. ثم ظهرت الأديان السماوية والرسل والأنبياء والمعجزات والشرائع والفقه أو ما يسمى بالعلوم الدينية.
كلما زاد الاستغلال من الطبقة المالكة، دخل الانسان المُستغَل في اغتراب عن العالم الكائن. لذلك فإن نقد الأديان وعقائدها، بل ونقد الإله نفسه ليس هو المضمون والجوهر والهدف في حد ذاته، بل إن الأديان وُجدت في الأرض قبل السماء. تشكلت الأفكار اللاهوتية في رحم وأحشاء المجتمع البشري من خلال الصراع الاجتماعي على الأرض، قبل أن يظهر ما يسمى بالوحي والملائكة في إطار ميثولوجيا الأديان السماوية. لذلك، فإن مفهوم الاغتراب في الدين عند الفيلسوف الألماني فيورباخ يعد إهداراً للتاريخية وتجسيداً لفكرة أنسنة الإله بعيداً عن واقع المجتمع بصراعاته وتناقضاته.

الاغتراب الحقيقي ليس في الدين أو الإله نفسه، بل هو اغتراب عن العالم الواقعي الذي اصطبغ بمسحة دينية سطحية

إذن من الواجب علينا كطبقة مُستغَلة مسحوقة أن نعي أن الاغتراب الحقيقي ليس في الدين أو الإله نفسه، بل هو اغتراب عن العالم الواقعي الذي اصطبغ بمسحة دينية سطحية ساهمت في تأجيج صرعات طائفية و مذهبية وعقائدية وعنف، ساهمت في إذكائها الطبقة المالكة المُستغِلة بتحويل الصراع من ءساسه الطبقي إلى صراع أديان وملل ونحل ومذاهب.
فاعلم أنه ليس مهماً أن تلحد أو تكفر بالأديان، بل علينا إدراك الوعي بصلب قضية الاغتراب الحقيقية وهي اغتراب الذات عن الموضوع. إن سلب الحرية يُعد اغتراباً قاسياً، فالأديان بطبيعة تكوينها الغيبي قائمة على سلب حرية الإنسان. وهذا يعني بوضوح أن الدين منتج اجتماعي بشري تم نسبته إلى كائن وقوى غيبية مفارقة للطبيعة، من أجل احكام السيطرة على الكادحين. انطلاقاً من هذا البعد التاريخي، إذن، وجبت عملية التغيير للواقع وليس تغيير بعض النصوص الدينية أو ما يسمى بتجديد الخطاب الديني. إذا أردنا إدراك الوعي والبعد عن الاغتراب، فالحل ليس في إنكار الأديان ومحاربتها بل محاربة أسباب وجود تلك الأديان المنطوية على كثير من المتناقضات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard