شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ما فيش كورونا في اليمن"... الفايروس واللقاح "مؤامرة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 23 فبراير 202106:16 م
Read in English:

Yemen: "We Don’t Want Vaccines. There is No Corona Here. We Are Fine."

بعد مرحلة انتشار الوباء، نعيش حالياً مرحلة التلقيح وهي مرحلة اختبار آخر للدول الفاشلة أو المتعثرة كحال تجربة الحكم الذاتي في فلسطين والانقسام الدموي في اليمن.

"درج" و"رصيف22" قررا إنجاز عمل صحفي مشترك يتناول ظاهرة استعصاء اللقاح في كل من فلسطين واليمن في ضوء ما تعانيه كل منهما من انقسام في الإدارة ومن تعثر وفساد في أجهزتهما السياسية والصحية.

هنا الجزء الثاني من هذا العمل ويتناول الحالة اليمنيّة، في ظلّ غياب الإجراءات الاحترازيّة ورفض "أنصار الله" وصول اللقاح إلى مناطق سيطرتهم تحت ذريعة "المؤامرة"، في واحدة من أكثر الدول عرضة للخطر.

"بدأت حالته الصحية تتدهور وفقد وعيه نتيجة انخفاض نسبة الأوكسيجين في الدم، فاضطررت إلى نقله إلى مركز الأمل للعزل في مديرية البريقة غرب عدن، لكنه لم يكن في ذلك الوقت مجهّزاً لاستقبال المرضى، لا أجهزة تنفس صناعية ولا أطباء مختصون"، تحكي د. غزال المقطري، رئيسة قسم التدريب والتأهيل في مستشفى الجمهورية التعليمي في مدينة عدن، عن تجربة أخيها مع وباء "كورونا" قبل أشهر.

بدأت الأعراض بصورة مفاجئة وعنيفة لكنها لم تسعفه إلى المستشفى معتقدة أنّها أعراض الأمراض الموسمية. "بسبب كثرة الأوبئة المنتشرة في اليمن... اعتاد الناس على استعمال المضادات الحيوية، لكن بعد فترة عندما لم يستجب أخي للعلاج، اضطررت إلى نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة في مدينة عدن. وبعد تأكّد إصابته بفايروس كورونا، تعامل معه الأطباء بصورة غير لائقة، وبخوف شديد وصل حدّ النفور منه، حتى أنهم رفضوا بدايةً إدخاله، لكنني استطعت إدخاله كحالة إسعافية وتوليت بنفسي العناية به حتى شفي".

هل يصل اللقاح إلى اليمن؟

على رغم بدء حملات التطعيم ضدّ "كورونا" في دول عربية عدة، لم يتحدّد بعد موعد وصول اللقاحات إلى اليمن في ظلّ غياب الإجراءات الاحترازيّة وإنهاك القطاع الطبي في واحدة من أكثر الدول عرضة للخطر.

ففي ذروة الأزمة وضعف إمكانات الدولة اليمنيّة نتيجة سنوات الحرب الست، رفضت مستشفيات حكومية وبخاصة في مدينة عدن استقبال أي حالات مشتبه بإصابتها بالفايروس، بحجة النقص الشديد في وسائل الحماية للطاقم الطبّي. فبحسب أحد الأطباء في مستشفى الجمهورية التعليمي، رفض قرابة 400 من الطاقم الطبي مباشرة أعمالهم بسبب تخوفهم من العدوى وعدم توفر وسائل الحماية، ولم يتبقَ منهم سوى 14 طبيباً، إضافة إلى الطاقم التمريضي. ووفقاً لـ"مشروع التصدي لجائحة كورونا في اليمن" التابع للبنك الدولي، فإن أقل من 50 في المئة من المنشآت الصحية في جميع أنحاء اليمن تعمل بكامل طاقتها، الأمر الذي فاقم تفشّي الوباء، في ظلّ رفض كثيرين الاعتراف بإصابتهم خوفاً من "وصمة العار".

وأكّد علي الوليدي، وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الصحية الأولية، لفريق التحقيق، أنه ليس محدّداً حتى اللحظة موعد وصول اللقاح. "طلبنا أن يكون وصول اللقاح خلال الربع الأول إلى النصف الأول من العام الحالي، ونعمل مع منظمة الصحة واليونيسيف فيما يتعلق بالأمور اللوجستية والتدريبات والتوزيع". "اليمن عضو في حلف اللقاح العالمي GAVI، وبدأنا قبل أشهر تشكيل لجان بحسب البروتوكول المعمول به مع برنامج كوفاكس (آلية لشراء وتوزيع لقاحات كورونا)، ونعقد اجتماعات دورية تضم ممثلين من منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، وممثل من حلف اللقاح العالمي"، وفقاً لوليدي.

ووعد حلف اللقاح العالمي بتزويد اللقاح لـ20 في المئة من إجمالي سكان اليمن، سيتسلم 3-5 في المئة منها كدفعة أولى وتستهدف بداية الكادر الصحي وكبار السن ومن يعانون أمراضاً مزمنة. وسيغطّي اللقاح كل مناطق اليمن حتى تلك الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين" وسيتم التواصل معهم عبر منظمة الصحة واليونيسيف، وفقاً للوليدي. كما أن هناك تواصلاً مع "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية"، لتغطية ما تبقى من اللقاحات بموجب مقترح مقدم من منظمة الصحة العالمية.

وسيحصل اليمن على مليونين و316 ألف جرعة تستهدف مليون ومئة من سكانها (جرعتان للفرد)، وفقاً لخالد زين، المكلّف من قبل وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية بمتابعة استيراد لقاح فايروس "كورونا" في برنامج "كوفاكس" الذي أكّد أنّ الأخير مستعدّ لتوفير الشحنة المعلن عنها نهاية شباط/ فبراير. وسيتم تدريب الكادر الصحي على عمليّة التلقيح فور الانتهاء من الخطة الوطنية الخاصة بالحصول على اللقاحات، بحسب زين الذي أعلن أنه في حال رفض جماعة "أنصار الله" الموافقة على إدخال اللقاح إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها، ستستخدم اللقاحات الفائضة للمجموعات التي تلي الفئة الأولى.

وقال سالم الشبحي، رئيس لجنة الصحة والبيئة في الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي المشارك في الحكومة، في مقابلة مع فريق التحقيق، أنّ حكومة المناصفة هي المكلّفة = متابعة موضوع الوباء واللقاح ودور المجلس "مساند لها في حال طلبت"، مؤكّداً أنّ "قيادة وزارة الصحة تستدعينا إلى بعض اجتماعات الحكومة مع المنظمات الدولية في ما يخص موضوع اللقاحات". أمّا في تعز، فبحسب المسؤول الإعلامي في مكتب صحة في المحافظة، تيسير السامعي فلا معلومات حتى الآن بشأن نوع اللقاح ومصدره ومواعيد توزيعه.


اللقاح الأنسب لليمن

لا تقتصر التحديات في اليمن على نوع وكميّة اللقاح الذي ستحصل عليه الدولة، فالحسابات اليمنيّة تتعدّى ذلك بكثير وتشمل حسابات ماليّة وسياسيّة ومؤامراتيّة وحتى عمليّة. فتعتبر شريحة كبيرة من المجتمع اليمني الوباء ولقاحه مؤامرة وتأبى حتى هذه اللحظة تلقي اللقاح حتى في حال توفّره. 

ولكن تبقى إحدى أكبر المشكلات في التخزين في ظلّ انقطاع الكهرباء وغياب التقنيّات. فالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مثلاً، تشهد انقطاعاً تاماً للكهرباء منذ أكثر من أربع سنوات، كما تشهد أزمة كبيرة في المشتقات النفطية بدأت في آب/ أغسطس 2020 خصوصاً الديزل الذي يُعتمد عليه في تشغيل محطات الكهرباء والثلاجات المركزيّة.

ولذلك من المرجّح أن يتسلّم اليمن لقاح "أكسفورد - أسترازينيكا" الذي يعدّ الأنسب من نواح عدة، وذلك لسهولة تخزينه، فاللقاح يحتاج إلى درجات حرارة تتراوح بين 2 و9 ويمكن تخزينه في البرادات العادية. في حين أن اللقاحات الأخرى مثل "فايزر- بيونتيك" أو "موديرنا"، فيتطلب تخزينها بين 20 إلى 70 درجة تحت الصفر، ويفتقر اليمن إلى البنية التحتية التي تسمح بذلك.

أما من ناحية الكلفة، فإن سعر الجرعة الواحدة في حدّها الأعلى تصل إلى 8 دولارات بفارق 11 دولاراً عن لقاح "فايزر"، في حده الأدنى وهو ما يستطيع اليمن تحمّله بالتعاون مع جهات دوليّة أخرى.

محاذير التخزين

نظراً إلى البنية التحتية المتردّية في اليمن، يقلق عدد من الأطباء واختصاصيين مخبريين في مستشفى الجمهورية في عدن من ظروف تخزين اللقاحات. والتخزين يشمل وسيلة الشحن التي سيصل بها اللقاح إلى اليمن، وظروف التبريد خلال عملية النقل، وفي مستودعات وزارة الصحة. وعلى رغم أن سلسلة التبريد ستتكفل بها منظمة اليونيسيف، لم تتبدد شكوك الناس حول مدى سلامة التخزين. وفي هذا السياق، يقول فهد عبدالعزيز، مساعد مختص في المختبر المركزي في مستشفى الجمهورية، إنّه "حتى في حال لم يفسد اللقاح كليّاً فإنه سيفقد فعاليته عند تعرضه إلى أدنى تغيير في درجة الحرارة ما يؤدي إلى فقدان قدرته على الحماية من المرض". كما استرجع أكثر من طبيب حادثة اكتشاف فساد التطعيمات ضد شلل الأطفال قبل سنوات، التي سُحبت سريعاً من الأسواق بعدما شرعوا في التلقيح. 

على رغم بدء حملات التطعيم ضدّ كورونا في دول عربية عدة، لم يتحدّد بعد موعد وصول اللقاحات إلى اليمن في ظلّ غياب الإجراءات الاحترازيّة وإنهاك القطاع الطبي في واحدة من أكثر الدول عرضة للخطر

عدد الإصابات مجهول حتى اللحظة

في مناطق الحوثيين، رفضت الجهات الرسمية الكشف عن العدد الحقيقي للإصابات، وأقروا في البداية بأربع حالات، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي حالات إضافية منذ حزيران/ يونيو، على رغم نتائج إيجابية أظهرتها الفحوص المختبرية في بعض المراكز الطبية والمستشفيات. وفي مؤتمر صحافي عقده طه المتوكل وزير الصحة العامة والسكان في حكومة الإنقاذ "الحوثيّة" في صنعاء في 30 أيّار/ مايو 2020، أرجع سبب تكتّم الجماعة عن عدد الإصابات إلى فحوص تالفة أظهرت نتائج سلبية خاطئة، مضيفاً أنّ الإعلان عن الأرقام المرتبطة بـ"كورونا" يؤثر سلباً في الحالة المناعية والنفسية للمرضى والمجتمع.

فيما وصل انتشار وباء "كورونا" إلى ذروته خلال الفترة آذار/ مارس – آب/ أغسطس 2020، وصلت الوفيات في تلك الفترة إلى معدلات قياسية وكانت جميع الشواهد تدلّ أن تلك الوفيات ناتجة عن كورونا، لم تعلن السلطات في صنعاء، عدن أو تعز الإغلاق العام واتجهت بشكل غير معلن نحو مناعة القطيع لمواجهة الفايروس في غياب أي إجراءات وقائيّة، فزار معدّو التحقيق 4 محافظات: عدن، لحج، تعز وصنعاء ولاحظوا عدم التزام بقواعد الحجر والتباعد الاجتماعي.

أمّا في عدن، وبحسب إشراق السباعي، المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية العليا للطوارئ التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، فقد سجّلت اللجنة منذ بداية الجائحة أكثر من 2127 إصابة مؤكدة، و615 حالة وفاة، منها 298 إصابة في مدينة عدن و37 حالة وفاة حتى تاريخ 7 شباط/ فبراير، وأضافت "أن الحالات المعلن عنها بحسب الأرقام التي تصلهم من مراكز ومحاجر العزل في مناطق سيطرتهم فقط". 

وسجّلت تعز في الفترة بين 30 نيسان/ أبريل إلى 25 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1048 حالة اشتباه بـ"كورونا"، منها 303 حالات مؤكدة بفحص الـPCR فيما بلغ عدد الوفيات 82، وبنسبة 26.5 في المئة من الحالات المؤكدة. كما أصيب 92 عاملاً صحياً، توفي 12 منهم بنسبة 13 في المئة، وفق بيانات الرصد الوبائي في مناطق تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعيّة. ولم يتمكن فريق التحقيق من الحصول على بيانات الحالة الصحية في مناطق تعز الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. لكن الأرقام الرسمية عن حالات الإصابة والوفاة والتعافي لا تعكس الواقع الحقيقي لانتشار الوباء الذي ترجّح مصادر طبية أنّه أصاب عدداً مهولاً من السكان.

وبحسب معلومات غير رسمية وغير موثّقة ولكن من مصادر طبيّة مطّلعة، فإنّ منظّمة الصحة العالميّة تقوم بأخذ عيّنات عشوائيّة لقياس نسبة الإصابات في اليمن، ما يدلّ على شكوكها بدقّة الأرقام الرسميّة.

في مناطق الحوثيين، رفضت الجهات الرسمية الكشف عن العدد الحقيقي للإصابات، وأقروا في البداية بأربع حالات، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي حالات إضافية منذ حزيران/ يونيو

الحوثيّون يرفضون اللقاح

يرفض المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء نجيب القباطي الخوض في نقاش حول احتمال توفير اللقاحات من عدمه في مناطق سيطرة الحوثيين، أو بخصوص المنظمات الصحية العاملة فيها، والتي من المقرر أن تتولى عملية تقديم اللقاحات وتوزيعها في حال توفرها. فمنظّمة اليونيسيف لا تزال تحاول حتى اللحظة مع السلطات للوصول إلى اتفاق يقضي بالسماح لها بالحصول على هذه اللقاحات وتوزيعها.

تواصل فريق التحقيق مع الكثير من المصادر في وزارة الصحة والمنظمات الصحية في صنعاء، ولم نتلقَّ أي ردّ رسمي أو إجابات عن سبب رفض الحوثيين اللقاحات وعن الآلية المتبعة للتوزيع في حال الموافقة، أو عن الإجراءات والتدابير المتبعة في حال رفضت الجماعة إيصال اللقاحات.

في المقابل، رفض أي من مسؤولي اليونيسيف، التي تعدّ أكبر هيئة مسؤولة عن شراء اللقاحات في العالم، إجراء أي مقابلة صحافيّة أو الإدلاء بأي معلومات، وكانت أعلنت على موقعها الرسمي على الإنترنت أنها ستقود عمليات شراء وتوريد اللقاح لدعم 92 دولة من البلدان المنخفضة الدخل من ضمنها اليمن. إضافة إلى تأمين خدمات الشحن والتخزين للقاحات، كجزء من خطة التلقيح العالمية الخاصة بمنصّة "كوفاكس".

وجد البعض في عدم تفشي الوباء بشكل كلي ذريعة لتعزيز قناعاتهم لرفض اللقاح والتنديد بنزاهة منظّمة الصحة العالمية.

تعز بين حصارين

وتعز لا تختلف كثيراً عن المحافظات اليمنيّة الأخرى، فكانت ثالث المحافظات التي اقتحمها الوباء بعد حضرموت وعدن وتمّ اكتشاف الحالة الأولى فيها في أوّل أيار/ مايو 2020 لمواطن في عقده الرابع آتٍ من عدن وتوفي بعد يومين في مركز العزل في المستشفى الجمهوري التعليمي. ومنذ ذلك الحين انتشر الوباء في تعز بشكل كاسح وذلك لأنّها كبرى المحافظات اليمنيّة في عدد السكّان ( 12.16 في المئة  من إجمالي سكان البلاد البالغ حوالى 30 مليون نسمة) وتبلغ نسبة الفقراء فيها 59 في المئة من السكان. إلا أنّها لطالما كانت المدينة المهمّشة، فالدعم الحكومي لا يتناسب مع خصوصيّة المحافظة، وفقاً للسلطات المحلية.

والمفارقة أنّ تعز واقعة بين حصارين: الحصار الصحي من خلال تفشّي الأوبئة أبرزها الكوليرا والكورونا، والحصار العسكري مفروض عليها من قبل الحوثيّين منذ ربيع 2015 ما فاقم من معاناة المرضى، فيشتكي محمد (50 سنة)، القاطن في حي الحوبان الواقع تحت سيطرة الحوثيين: "كنا نصل إلى مستشفى الثورة في 10 دقائق أما الآن (في ظل الحصار) فنحتاج إلى ما بين 4 و5 ساعات سفر شاق قد يموت خلالها مريضك قبل أن تصل إلى المستشفى".

"نخشى رفض المواطنين اللّقاح" خصوصاً أنّه "مرض جديد ومثير للجدل"، وفقاً لمدير إدارة مكافحة الأمراض والترصّد الوبائي في محافظة تعز، ياسين عبدالملك الذي يقول إنّ الإحصاءات الرسمية بشأن الإصابات والوفيات لا تشمل إصابات ووفيات غير مجلة.

وتقرّ إيلان عبدالحق وكيلة محافظة تعز للشؤون الصحية بوجود تقصير كبير وتقاعس في التعاطي الرسمي مع الوباء: "وجّهنا الكثير من البرقيات العاجلة والتغذيات الراجعة والمذكرات الاستفسارية للجهات المعنية ولكنها لم تؤتِ ثمارها".

أمّا قرار تحديد حجم حصة تعز من اللقاح وطريقة توزيعه فمتروك لمنظمة الصحة واليونيسيف وسوف يقتصر دور الجانب اليمني على توفير الطواقم الطبية. "وفي حال حصلت تعز على كميات محدودة ستكون الاولوية للمناطق الاكثر تفشياً وتلك التي تستقبل النازحين" بحسب عبدالحق.

في 14 شباط/ فبراير وأثناء زيارة فريق التحقيق مستشفى الثورة في تعز، تبادلت حراسة المستشفى إطلاق النار مع مسلحين حاولوا مهاجمة بوابة المستشفى. وحتى عبدالملك وفريقه تعرضوا في وقت سابق من العام الماضي للخطف والاحتجاز في مديرية شرعب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. ما يسلّط الضوء على خطورة الوضع حتى على القطاع الطبي.

المفارقة أنّ تعز واقعة بين حصارين: الحصار الصحي من خلال تفشّي الأوبئة أبرزها الكوليرا والكورونا، والحصار العسكري مفروض عليها من قبل الحوثيّين منذ ربيع 2015 ما فاقم من معاناة المرضى،

تخوّف من تلقّي اللقاح

"لا نريد اللقاحات، نحن بخير، وما فيش كورونا في اليمن"، يقول أحمد الوشلي، (31 سنة)، المقيم في صنعاء، فالكثير ممن يقطنون في مناطق الحوثيين لا يعتقدون بوجود "كورونا"، لا بل يصفونه بـ" المؤامرة". فعوضاً عن المطالبة بالحصول على اللقاحات، ترفض قوات الحوثي استقبال أي جرعة مقدمة حتى اللحظة ويبقى الأمر طي الكتمان. ويرفض الوشلي الحصول على اللقاح في حال توفره وقال، "لم يصبنا شيء ولا يوجد كورونا لكي نحصل على اللقاح، بينما باقي الدول كان سكانها مسجونين في منازلهم وتعطلت أعمالهم، كنا نمارس الحياة بصورة طبيعية، ولم يحصل شيء".

أحد المشايخ وهو من الأئمة الوسطيين في اليمن أكّد أنّه سيتلقّى اللقاح، وسينشر الوعي بأهمية التطعيم بخاصة أن الدول العربية الأخرى قد جربته.

التقينا بـ53 شخصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي أغلبهم يحملون شهادات جامعية وموظفون في قطاعات حكومية وخاصة ومتوسط أعمارهم بين 27 و35، 19 منهم نساء، وتبين من خلال المقابلات أن 42 شخصاً من أصل 53 يرفضون الحصول على اللقاح في حال توفره، لعدم احتياجهم لذلك، على حدّ قولهم، فيما قال 17 شخصاً إن اللقاح قد يشكل خطراً على صحتهم وإنه عبارة عن "مؤامرة" قد تضرّ بهم، فيما أبدى 9 أشخاص فقط استعدادهم لتلقي اللقاح، سبعة منهم اشترطوا توفره بشكل مجاني، وعلّق شخصان بعدم علمهم بوجود لقاح ضد الفايروس. 

تقول سهام الريمي (27 سنة)، جامعية، إنّ الفايروس موجود ولكن ليس بالشكل الذي يصوره الإعلام، هي تعتقد أنها أصيبت وأفراد من عائلتها به، واستطاعوا التغلب عليه، وهي لا تمانع الحصول على اللقاح إذا وفرته الدولة او المنظمات بشكل مجاني، وأضافت "اليمن يعاني من ظروف اقتصادية "قاهرة" قد تمنع الغالبية من الحصول عليه إذا لم يكن مجانياً". 

ووجد البعض في عدم تفشي الوباء بشكل كلي ذريعة لتعزيز قناعاتهم لرفض اللقاح والتنديد بنزاهة منظّمة الصحة العالمية. ويقول طبيب في تعز، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه يؤيد ما جاء في بيان بارنغتون العظيم وهو نداء أطلقه آلاف العلماء في مجال الطب والصحة العامة وأكثر من 40 ألف ممارس لمهنة الطب من جنسيات مختلفة، عارضوا فيه سياسات الحجر التي تنفذها غالبية الحكومات وطالبوا بانتهاج استراتيجية مناعة القطيع. 

وعلى رغم انخفاض نسبة الأمية في تعز قياساً ببقية المحافظات، ولكن ممانعة التلقيح مرتفعة ولا تقتصر على المتدينين فقط، بل وتشمل أيضاً حاملي شهادات جامعية ولا دينيين فـ"كورونا" بالنسبة إلى المعلم الثانوي جميل (49 سنة) "مجرد وهم".

ولا يختلف الأمر كثيراً في عدن فالتخوّف من تلقّي اللقاح هو سيّد الموقف، ففي استطلاع للرأي قام به فريق التحقيق على عيّنة عشوائية مكوّنة من 121 شخص من سكان مدينة عدن، رفض أكثر من 84 في المئة منهم تلقي اللقاح والسبب يعود إما لعدم ثقتهم في الجهات المسؤولة عن استيراد اللقاح، أو تخوّفهم من ظروف تبريد وتخزين اللقاح. وصل التخوف من اللقاح ومستوى أمانه وآثاره الجانبية المحتملة إلى العاملين في المجال الصحي وهم الفئة الأكثر تعرّضاً لخطر الإصابة.

ويساهم الرأي الديني الأصولي بهذا الخوف والتردّد. إلا أنّ ليس هناك رأياً دينيّاً موحّداً بخصوص اللقاح. فأحد المشايخ وهو من الأئمة الوسطيين في اليمن أكّد لمعدّي التحقيق، أنّه سيتلقّى اللقاح، وسينشر الوعي بأهمية التطعيم بخاصة أن الدول العربية الأخرى قد جربته، فيما أجاب إمام آخر بالرفض لأنّه يعتبر أنّ "كورونا" هو "فايروس كأي فايروس يصيب الجهاز التنفسي، وأعطي أكثر من حجمه". في حين وصف الإمام الثالث الفايروس "بطاعون العصر"، الذي نتج عن "المخالفات والذنوب والمعاصي" ومن ثمّ لجأ إلى نظريّة المؤامرة للتشكيك باللقاح لأنّه صُنع في الغرب. 

https://lh5.googleusercontent.com/Ep4Cs2iQojtW2aSH6KgxPE3TUdFnGarNvW22Q17EzYS2Gy80MhUb7fNWBeILjRoyQfR-mD1tRrhmLNYdJHr0yxgqDIrliGERYhAv16-Zv1gHmOH5nMODucjVSaxfpJ062sg-5mzg 

حاجة ماسّة للّقاح

أكّد علي ضيف الله (42 سنة)، من محافظة أب (وسط اليمن) استعداده لتلقي لقاح "كورونا"، "حتى إذا اضطررت للسفر أو الدفع مقابل الحصول على اللقاح"، واصفاً إصابته بالفايروس بالمرعبة وكادت تقضي عليه في ظلّ انعدام التجهيزات الطبية في المحافظة "كنت أتمنى الموت بسبب الألم". ويرى أن الفايروس واقع على الجميع إدراك مخاطره، فتجاهله من جهة ورفض الحصول على اللقاح من جهة أخرى "سيزيدان الطين بله"، فوفقاً له، الكثير من أفراد عائلته وقريته أصابتهم أعراض الفايروس والبعض توفي بسببه، وتمنى أن تكون لديه الفرصة في الحصول على اللقاح في أقرب فرصة ممكنة... "لا أريد أن يصاب أحد بالفايروس ويكرر التجربة التي مررت بها".

تشير نتائج التلقيح اليوم أنّ اللقاح آمن ونسبة فاعليّته كبيرة وفي مقال لمدير عام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في مجلّة Foreign Policy بعنوان "قوميّة اللقاح تؤذي الجميع ولا تنقذ أحداً"، حذّر من التأخّر في توفير اللقاحات لجميع دول العالم لافتاً إلى أنّ "في الوقت الحالي، اشترت البلدان الغنية التي تضم 16 في المئة فقط من سكان العالم 60 في المئة من إمدادات اللقاحات في العالم. ويهدف الكثير من هذه البلدان إلى تلقيح 70 في المئة من البالغين". ورأى "أنّ السماح لغالبية سكان العالم برفض التلقيح لن يؤدي فقط إلى استمرار المرض والوفيات وآثار إجراءات الإغلاق المستمرة، بل سيؤدي أيضاً إلى ظهور طفرات جديدة مع استمرار انتشار الوباء بين السكان غير المحميين… ما يؤدي إلى ارتفاع حاد في الحالات. إنها حلقة مفرغة".

وفي الإطار عينه، قول عبدالملك محمد (اسم مستعار) طبيب في احأحددى المستشفيات الحكومية في صنعاء، "إننا في امس الحاجة للقاح" بسبب النقص الشديد في التجهيزات الطبيّة، ولذلك "يجب توفير اللقاحات وتوزيعها على الفئات الأكثر احتياجاً خصوصاً مع ظهور سلالات جديدة للفايروس تصعب السيطرة عليها".

في استطلاع للرأي قام به فريق التحقيق على عيّنة عشوائية مكوّنة من 121 شخص من سكان مدينة عدن، رفض أكثر من %84 منهم تلقي اللقاح والسبب يعود إما لعدم ثقتهم في الجهات المسؤولة عن استيراد اللقاح، أو تخوّفهم من ظروف تبريد وتخزين اللقاح

مركز العزل والعائق المالي

لم يستطع مركز العزل في مستشفى الجمهوريّة في عدن استيعاب الأعداد الكبيرة للمصابين بالوباء. فالإصابات جرّاء الموجة الأولى من الفايروس فاقت طاقة المركز الذي يستقبل الحالات الحرجة فقط، "كانت نسبة الوفيات عالية للغاية، وثلث المرضى تظهر نتيجة فحوصهم إيجابية"، بحسب محسن بن همام رئيس المركز الذي يعاني من نقص حادّ في الميزانيّة، إذ إنّ "هناك نقصاً في الأدوية وبخاصة أدوية الانعاش، والمختبر لم يكتمل تجهيزه بعد، وهنا الكثير من الأجهزة الأساسية التي لم نستطع شراءها، كان لدينا طاقم طبي تمكننا الاستعانة بهم في حالة الطوارئ، لكن تم تسريح الكثير منهم لعدم وجود ميزانية. ولم نجد من يموّلنا لهذا الغرض". 

اليمن الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم، ويعاني من انتشار الأوبئة والمجاعة والبطالة والحرمان من الخدمات الأساسيّة، هو بحاجة ماسّة اليوم إلى اللقاح المجّاني. فمتى يخرج الحوثيّون عن صمتهم بشأن اللقاح وهل سيصدرون أحكام "الفرج" ويسمحون لليمنيّين في مناطق سيطرتهم بالتلقيح؟
وهل سترحم السلطات اليمنيّة في مختلف المحافظات أهل اليمن وتسعى جاهدة إلى إدخال اللقاح والتوعية بشأنه حتى يتسنّى لليمنيين، ولو لمرّة واحدة، مواجهة شبح الموت الذي يلاحقهم من كل حدبٍ وصوب؟ أم ستحرمهم منه ويُقدّر عليهم دوماً أن يُتركوا لمصيرهم؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard