شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بيدو" أو "جي بي أس الصيني"... ماذا تعني موافقة بكين على استخدام إيران له؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 16 فبراير 202101:09 م

مؤخراً، أفاد مسؤولون إيرانيون بأن الصين ستسمح لطهران باستخدام نظام تحديد المواقع "بيدو"، ما يمنح طهران دفعة قوية تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً. فإذا سمحت بكين لطهران باستخدامه لأغراض عسكرية، على غرار باكستان، سيعني ذلك أن صواريخها ستصير أكثر دقة في التوجيه، وستتنامى قدرتها على تتبع حركة خصومها في محيطها الجغرافي.

وبالفعل، وردت إشارات من كتاب سعوديين، تُظهر وجود قلق من التعاون الصيني-الإيراني في هذا المجال، في وقت تُعتبَر الرياض وتل أبيب العاصمتين الأكثر قلقاً من تنامي قدرات إيران الصاروخية.

ما هو نظام "بيدو"؟

يوازي "بيدو" BeiDou الصيني، المعروف بالإنكليزية أيضاً باسم "كومباس"، نظام "جي بي أس" GPS الأمريكي، الذي يُستخدم في الملاحة، وتحديد المواقع والأماكن.

يعمل النظام الصيني بواسطة شبكة من 35 قمراً صناعياً، بقيمة عشرة مليارات دولار، توفّر تغطية ملاحية عالمية.

ومعه، صار للصين نظام خاص تماماً، ومستقل بشكل كامل عن أنظمة "جي بي أس" الأمريكي و"غاليليو" Galileo الأوروبي و"غولانس" GLONASS الروسي.

وتُدار الأنظمة الصيني والأمريكي والروسي، من قبل وزارات الدفاع، أما غاليليو الأوروبي فإدارته مدنية.

وتطوَّر برنامج الفضاء الصيني بسرعة خلال الأعوام العشرين الماضية، إذ قدّمت بكين تمويلاً كبيراً لتطوير أنظمة التكنولوجيا الفائقة في البلاد، وبَنَت محطة فضائية تجريبية وأرسلت مركبتين إلى القمر.

ويُنظَر إلى هذه التحركات على أنها تحضير لإنشاء محطة فضائية دائمة، ولإجراء رحلة مأهولة إلى القمر، ومحاولة أولى محتملة لإرسال مركبة مدارية ومركبة إلى المريخ. ومن شأن ذلك أن يجعل الصين منافساً جاداً لأمريكا في مجال استكشاف الفضاء.

من الناحية التجارية، بدأ النظام يُستخدَم في أكثر من 70% من الهواتف الذكية الصينية، وآلاف السفن والسيارات في الصين. ولا يُعرَف ما إذا كانت الصين ستحمّله على هواتفها المباعة في الشرق الأوسط.

وفي المجال العسكري، دُمج نظام "بيدو" بنظام القيادة الحديث لجيش التحرير الشعبي الصيني.

إيران والصين

صاغت إيران والصين في السنوات الأخيرة اتفاقية اقتصادية وأمنية شاملة من شأنها السماح لبكين بتولى إدارة تطوير "شريكها" في كافة القطاعات: الزراعية والصناعية والبنية التحتية والبنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية. وفي المقابل، ستحصل الصين على إمداد منتظم من النفط، بسعر مخفض للغاية، على مدى 25 عاماً.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يتضمن الاتفاق تعميق التعاون العسكري، إذ ينص على إجراء تدريبات وتمارين وأبحاث مشتركة، وتطوير أسلحة، وتبادل المعلومات الاستخبارية.

إذا سمحت الصين لإيران باستخدامه لأغراض عسكرية، على غرار باكستان، سيعني ذلك أن صواريخ طهران ستصير أكثر دقة في التوجيه، وستتنامى قدرتها على تتبع حركة خصومها في محيطها الجغرافي

في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن سفير إيران في بكين محمد كيشافارز زاده أن الصين ستمنح إيران إمكانية الوصول إلى "بيدو 3"، وهو أحدث نسخة من نظام الملاحة الصيني عبر الأقمار الصناعية، مضيفاً أن "طهران ستعمل مع بكين لبناء بنية تحتية للإنترنت من الجيل الخامس في بلاده".

وكانت الدولتان قد وقّعتا، عام 2015، مذكرة تفاهم لاستخدام "بيدو"، في وقت تسعى إيران لتوسيع استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية بهدف تغطية المزيد من المناطق النائية في جنوب وشرق البلاد، والتي غالباً ما لا تغطيها الخدمات العادية. علاوة على ذلك، من المعروف أن الولايات المتحدة غالباً ما تحدّ من خدمات "جي بي أس" أو توقفها لأسباب عسكرية وأمنية.

ونشر موقع "ذا ديبلومات" المختص في الشؤون الآسيوية، في حزيران/ يونيو الماضي، تقريراً ذكر فيه أن خدمات النظام دقيقة للغاية، وتصل دقته إلى عشرة سنتيمترات، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مقارنةً بجي بي أس الأمريكي البالغة دقته 30 سنتيمتراً.

وعن استخدامه في المجال العسكري، قال التقرير إن الجيش الصيني يستخدمه في الذخيرة التقليدية الموجَّهة، مشيراً إلى أن بكين بدأت بتصدير أنظمة أسلحة تستخدم "بيدو" إلى باكستان.

وكشف التقرير أن قوات باكستان المسلحة تستخدم النسخة الدقيقة من "بيدو"، أي تلك التي يستخدمها الجيش الصيني، إذ تعمل الطائرة المقاتلة JF-17 التابعة لسلاح الجو الباكستاني بواسطة هذا النظام، كما يُستخدَم في توجيه صاروخ كروز الباكستاني "رعد -2".

وحذّر التقرير من احتمال أن يكون هذا النظام المستخدَم من قبل الجيش الصيني وسيلة تجسس واختراق للخصوصية، وتتبع لحركة الأفراد، خصوصاً بعدما أظهرت الصين قدرا كبيراً من عدم الشفافية في أزمة كورونا.

قلق إقليمي

أشار التقرير السابق إلى أن الصين قد تسعى إلى تسويق نظامها عالمياً، لأنه يحقق لها مكاسب اقتصادية بعشرات مليارات الدولارات، وذلك ضمن استراتيجية طريق الحرير، لكن هنالك قلقاً من احتمال أن يؤدي إلى نشر الحروب والصراعات.

النظام الصيني الجديد سيوفّر فرصة لإيران لزيادة دقة صواريخها، وهو ما سيفرض مزيداً من الأعباء الاستراتيجية على الدول المحيطة بها، والتي تحاول اليوم تعزيز منظومات دفاعاتها الجوية في وجه الصواريخ الباليستية

عام 2020، أثار الكاتب السعودي حمدان الشهري، في مقال في صحيفة "عرب نيوز" الممولة من الرياض، مسألة الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين، وضمنها استخدام نظام "بيدو"، وقال: "ستنظر واشنطن والمنطقة بقلق إلى توسيع المساعدات والتدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إيران".

لفهم أسباب هذا القلق، قال الأكاديمي العراقي والباحث المختص في الشأن الإيراني فراس إلياس إن تصريحات السفير الإيراني التي أعلن فيها عن سماح الصين لإيران باستخدام "بيدو 3" ستنهي الهيمنة الأمريكية في هذه التكنولوجيا.

وبرأيه، يبدو أن سماح الصين لإيران باستخدام هذا النظام الجديد يأتي في إطار سعيها للترويج له، في محاولة لخلق مواجهة استراتيجية مع الولايات المتحدة في هذا المجال، وكذلك دفع مزيد من الدول للاستفادة من التجربة الصينية.

وقال إلياس لرصيف22: "تعاني إيران من فجوات كبيرة في منظومات القيادة والسيطرة، فضلاً عن قصور كبير في قوتها السيبرانية، إذ لم تنجح حتى اللحظة في رصد طبيعة الهجمات التي تتعرض لها مفاعلاتها النووية، كما أنها لا تمتلك رؤية واضحة حول طبيعة الانتشار العسكري الأمريكي في الجغرافيا المحيطة بها، والنظام الصيني سيساعد إيران في ذلك وفي الوصول بسهولة إلى مناطق حساسة داخل دول المنطقة، عبر تشخيص المواقع والإحداثيات، وهي أمور لم تكن ممكنة عبر نظام جي بي أس".

ويلفت إلياس إلى أن الدول الإقليمية تنظر إلى "حالة التخادم الاستراتيجي بين إيران والصين" على أنها إحدى التعقيدات الاستراتيجية أمام كبح جماح إيران، وتحديداً في مجال الصواريخ الباليستية، فالنظام الصيني الجديد سيوفّر فرصة لإيران لزيادة دقة صواريخها، وهو ما سيفرض مزيداً من الأعباء الاستراتيجية على الدول المحيطة بها، والتي تحاول اليوم تعزيز منظومات دفاعاتها الجوية في وجه الصواريخ الباليستية.

واعتبر إلياس أن المستهدَف الأول من الصواريخ الباليستية الإيرانية هو السعودية واسرائيل، ورأى أن نقل إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط قد يشكل بداية عملية لإعادة هيكلة منظومة الدفاع الجوي في المنطقة، بحيث تبدأ من إسرائيل وتنتهي في أبعد منطقة في الخليج العربي، مقدّراً أن الولايات المتحدة قد تدفع نحو فرض مزيدٍ من الضغوط على الصين للعدول عن التعاون مع إيران.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard