شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
التعب من الكتابة والصور... تطبيقٌ خاص للمحادثات الصوتية

التعب من الكتابة والصور... تطبيقٌ خاص للمحادثات الصوتية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 13 فبراير 202111:21 ص

تُفزعني آخرَ الليل فكرةٌ قديمة تفترض أن الأصوات لا تنتهي، تظلُّ هائمةً في الهواء ثم تجتمع في زاوية من الكون، في مكان بعيدٍ مُعتمٍ بين المجرات... يفزعني أننا، بداعي الفضول، سنبحث عن ذلك المكان ونجده، وأننا، بداعي الفضول، سنجلس ساعاتٍ مستمعين إلى كُلِّ ما فاتنا من أصوات.

قبل أن تكملوا القراءة فكرّوا معي... هل تملكون وقتاً كافياً لتقرأوا المقال هذا كاملاً؟ ثمانمئة كلمة مكتوبة بحروف صغيرة نسبياً في يومٍ كهذا، أقصد يوم ككل الأيام، فيه عملٌ ومشاكل شخصية والتزاماتٌ أخرى... ربما تفضّلون الاستماع بدل القراءة، جالسين في الباص أو واقفين أمام المجلى أثناء غسل للصحون.

****

عام 2019، وضعت Spotify استراتيجية تحاول من خلالها أن تكون المنصة الأولى في عالم البودكاست، واستثمرت في ذلك حوالي المليار دولار في سوق التدوينات الصوتية. المختصون في أسواق المال اعتبروا الاستثمار مبالغاً فيه وكانوا قلقين من الآثار الاقتصادية السلبية المحتملة على الشركة. عام 2020، ارتفعت أسهم Spotify حوالي 100%. لن نستطيع الجزم، هل كان الاستثمار ذكياً أم أن الربح من بركات الوباء.

****

في الثلث الثالث من فترة الحمل، تبدأ الأجنة في تمييز الأصوات. صوتُ الأم أكثر ما ينبّه الجنين. لا تفسير مطلقاً حتى الآن لهذه الحالة، لكن قلب الجنين داخل الرحم يدقُّ بتسارع أعلى حين سماع صوت الأم.

"تفزعني آخر الليل فكرة قديمة تفترض أن الأصوات لا تنتهي. تظلّ هائمةً في الهواء ثم تجتمع في زاوية من الكون، في مكان بعيد معتم بين المجرات... يفزعني أننا، بداعي الفضول، سنبحث عن ذلك المكان ونجده"

مع الوقت نعتاد الأصوات، نتذكرها، ونشتاق إليها ثم ننساها. الأصوات التي لم نعد نسمعها، وقبل أن نجد تلك الزاوية المُعتمة بين المجرات، مهددة بالانقراض...

مُصمم "متحف الأصوات المعرّضة للانقراض" كبر، مثل كثيرين منّا، على أصواتٍ شكّلتْ حياته... بحنين يشبه علاقتنا ببرامج الأطفال يجمع الأصوات هذه كي لا تُنسى.

****

تُظهر الأرقامُ أن أكثر من 155 مليون شخص حوال العالم يستمعون إلى برامج المدونات الصوتية، البودكاست، مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. أعداد برامج البودكاست تقترب من المليون برنامج مع مجموع حلقات قريب من 30 مليون حلقة.

"تفزعني آخر الليل فكرة قديمة تفترض أن الأصوات لا تنتهي. تظلّ هائمةً في الهواء ثم تجتمع في زاوية من الكون، في مكان بعيد معتم بين المجرات... يفزعني أننا، بداعي الفضول، سنبحث عن ذلك المكان ونجده"

يقدم موقع البودكاست العربي بعض الإحصاءات من السياق العربي. عدد البرامج العربية تجاوز مؤخراً الألف برنامج، أغلبها عن مواضيع اجتماعية أو ثقافية عامة..

****

الصورة تأطيرٌ للخيال، فيها حُكمٌ مُطلق، فيها يقينٌ كان ضرورياً لأجيال عاشتْ في عالمٍ شحيح بالمعلومات. الانتقال الحديث إلى عالم فيه وفرةٌ في المعلومات، وفائضٌ من الصور، يُحتّم ارتداداً إلى السرد، ارتداداً إلى سياقاتٍ روائية نستوعب من خلالها العالم ومكاننا فيه، فالعقل البشري ينجذبُ بالعموم نحو معالجة القصص كطريقةٍ للفهم بدل الاقتناع بالحقائق الجاهزة... ثم أنَّ الاستماع المستمر سهلٌ في عالمٍ سريع. الأصواتُ في متناول اليد. في تنسيقٍ مُناسبٌ لحياتنا المزدحمة يجمعُ بين الترفيه والمعرفة.

****

في آذار/ مارس 2020، أطلق الصديقان بول وروهان نسخةً تجريبية من تطبيق Clubhouse. يقدّمُ الموقع الرسمي التطبيق على أنّه منصةٌ للتواصل الاجتماعي مُخصصة للصوت فقط. عند فتح التطبيق تستطيع الاختيار بين غرفِ مُحادثة مُختلفة، في كُلٍّ منها عددٌ من المشتركين، مُقسمةً حسب المواضيع. المديرُ في كُل غرفة يعطي الكلمة لمَن يرغب، تستطيع أن تنشئ غرفةً تكون مُديرها، وتظلُّ فيها تخطب في المستمعين طوال النهار.

مؤخراً، تجاوز عدد المشتركين في التطبيق المليوني مُشترك. لشرحِ أسباب هذه الشعبية الطارئة يتكررُ تفسيران: الأول متعلقٌ بالمشاهير الذين استعملوا التطبيق، فحين أجرى إيلون ماسك محادثةً مفتوحة عبر Clubhouse تضاعف عدد مستخدمي التطبيق في ثوانٍ؛ التفسير الثاني مرتبط بكون التطبيق يتطلب دعوةً خاصةً من مشتركٍ سابق، التسجيل ليس مفتوحاً للجميع، على غير عادةِ تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى. الانغلاقُ هذا يغذي فضولاً مشتعلاً بالأساس، والشعور العام هو أن هناك مَن يقول شيئاً مُهماً لكنّي محرومٌ من سماعه.

يقدّم الموقع الرسمي تطبيق Clubhouse على أنّه منصة للتواصل الاجتماعي مخصصة للصوت فقط. تستطيع الاختيار بين غرف محادثة مختلفة مقسمةً حسب المواضيع. تستطيع أن تنشئ غرفةً تكون مديرها، وتظلّ فيها تخطب في المستمعين طوال النهار

القائمون على التطبيق قالوا إنهم يسعون إلى فتح باب التسجيل لكل مَن يرغب، لكن ذلك ليس مُتاحاً بعد.

القائمون قالوا أيضاً إنهم يسعون إلى تطوير التطبيق وحل مشاكله المرتبطة بازدياد عدد المستخدمين. واحدةٌ من المشاكل مُتعلقةٌ بالإزعاج الذي قد يصدر من بعض المتحدثين على التطبيق، إساءات عنصرية أو جنسية أو غيرها. حالياً لا يسجل التطبيق أي محادثاتٍ بقصد رصد الانتهاكات، لكن الفكرة ليست مستبعَدة بالمطلق. الأصواتُ لا تنتهي، تجتمع في زاوية مُعتمة بين المجرات أو في تطبيق أمريكي للهاتف.

****

أنشأتْ أحلام الطاهر مدونة صوتية على ساوندكلاود بعنوان "النائم" سألتْ فيها بعض الأصدقاء أن يحكوا عن مناماتهم وقت الحجر بكلامٍ بسيط ودون محاولة البحث العميق عن معانٍ أو تفاسير. تقول أحلام إن المدونة تجربةٌ تفترضُ أنَّ الاضطراب المُرافق للوباء ربما وصل إلى الفضاء الأكثر حميمية عندنا، إلى اللاوعي.

الفكرةُ فاتنة للمستمع، أن ننطلق من حلم شخصٍ لا نعرفه كي نرسم صورة كاملة لصاحبه.

توقفنا طويلاً، حين تحدثنا لاحقاً عمّا سمعناه في المدونة، عن فكرةٍ نعيد تكرارها في السياق العربي: أنَّ المتحدث حتى في لحظة الحكي التي تفترضُ الخفة يظلُّ مُرتدياً قناعه. الكاتب حين يحكي حُلمه في مُدونة النائم، يحكي ككاتب، ويحكي حُلم الكاتب. والشاعر الحزين يضعُ في خلفية حلمه لحناً للكمنجات.

****

عام 1977، أُرفِقَ فونوغراف مع المركبة الأمريكية Voyager المتجهة إلى الفضاء الخارجي.

الفونوغراف كان مصنوعاً من الذهب ويضم أصواتاً من الأرض، كمحاولة وديّة متفائلة لتعريف كائنات الفضاء الخارجي بالبشر.

من بين الأصوات أوركسترا الربيع لسترافينسكي وسلاماتٌ بلغاتٍ أرضية مُختلفة، السلامُ العربي يقول: "تحياتُنا للأصدقاء في النجوم. يا ليت الزمان يجمعُنا".

****

نتذكرُ آخر الليلِ ما كتبه أنسي الحاج:

حدّقي في الظلام، أمرُّ وأغمرُ صَوتكِ

صوتُكِ الطالع من حنجرتي كالزبيب

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard