شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأرض 2... عن الثري الذي يشتري الوهم رخيصاً ثم يعيد بيعه

الأرض 2... عن الثري الذي يشتري الوهم رخيصاً ثم يعيد بيعه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 29 يناير 202112:06 م

لا يجوز تأويل النص التالي بأي شكل من الأشكال على أنه تشجيع للاستثمار في المواقع أو الشركات المذكورة.

الأرض 2:

يشرح موقع earth2.io في صفحته الرئيسية فكرة اللعبة: مفهومٌ مستقبلي قائم على خارطة افتراضية للأرض تُطابق الأرض الحقيقية بالتقسيمات الجغرافية والمباني المشهورة والأسماء الحقيقية نفسها. يمكن للمستخدمين شراء مساحات من الأراضي على هذه الخارطة وإعادة بيعها. عمليات شراء الأراضي تتم عن طريق تحويلات نقدية إلى حساب الموقع. لاحقاً يستطيع المستخدمون متابعة ارتفاع أو انخفاض أسعار الأراضي التي اشتروها.

يمكن للراغب مثلاً شراء مساحة افتراضية على شاطئ وادي قنديل في اللاذقية، أو قسماً من مطار مهجور وسط برلين أو شارعاً في بوينوس أيريس. المناطق الأكثر شعبية في دمشق وبيروت مُباعةٌ بالكامل. شارعُ الحمرا البيروتي مثلاً مُغطى بأعلام أمريكية وكندية وأسترالية مع بعض الإيطاليين واللبنانين الذين اشتروا زوايا من الشارع، افتراضياً طبعاً.

يتأمل المستثمرون هؤلاء، وإن كُنّا لا نعرفهم كأشخاص، بأن يجذب الموقع مستخدمين أكثر، وأن يحاول المستخدمون اللاحقون إعادة شراء هذه الأراضي بأسعار أعلى، مستفيدين بذلك من زيادة الطلب ومحدودية مساحة الأرض الافتراضية، للربح. تشتري على الأرض الافتراضية جسراً في بغداد بعشرة دولارات تدفعها للموقع ثم يأتي لاحقاً مستخدم جديد تغريه الفكرة ويحب جسور بغداد فيعيد شراء الجسر منك بعشرين دولاراً وهكذا.

ربما يجدر التنويه هنا إلى أن المبيعات والمشتريات التي تتم على الموقع ليس لها أيّة قيمة على الأرض الحقيقية. تملكك لقطعة أرض على earth2 هو تملكٌ لقطعة أرض على earth2 فقط لا غير.

Gamestop:

في شهر كانون الثاني/ يناير 2021، ارتفع سهم شركة Gamestop الأمريكية بقيمة 1500% حتى لحظة الكتابة. المستثمرون الذي اشتروا قبل أربع أسابيع من الآن أسهماً في الشركة بقيمة 1000 دولار يملكون الآن ما قيمته 16000 دولار.

الشركة قائمة منذ عام 1994، ومشروعها الأساسي كان وما زال تأجير ألعاب الفيديو عن طريق محلات مخصصة لهذا الغرض منتشرة في أماكن مختلفة من العالم. في السنوات العشر الأخيرة ومع ازدياد استعمال وشراء المنتجات والألعاب عن طريق الإنترنت كان سهم الشركة ينخفض بشكل تدريجي ومستمر منذ عام 2004.

"المناطق الأكثر شعبية في دمشق وبيروت مُباعةٌ بالكامل. شارعُ الحمرا البيروتي مثلاً مُغطى بأعلام أمريكية وكندية وأسترالية مع بعض الإيطاليين واللبنانين الذين اشتروا زوايا من الشارع، افتراضياً طبعاً"

في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قررت مجموعة من محبي ألعاب الفيديو على موقع Reddit محاولة رفع أسعار أسهم الشركة، رداً على المُضاربين في البورصة. الحملة على صفحات التواصل الاجتماعي أعطت مفعولاً مباشراً وسحرياً أدى إلى ارتفاع الأسهم بطريقة جنونية، محققاً مكاسب بالملايين للشباب الناشطين الذين دعموا أسهم الشركة، ومسبباً خسائر بالملايين للمُضاربين في البورصة.

في واقع الحال، لم يتغير شيء فعلي في Gamestop. لم تطور الشركة أفكارها القديمة بعد، وما زالت أغلب محلاتها خالية تقريباً من الزبائن. الصعود في قيمة الأسهم هو في البورصة فقط ولا يوجد ما يدعمه في طبيعة عمل الشركة أو نتائج مبيعاتها. لا شيء حقيقياً في السياق كُلّه إلا الأرقام في أسواق المال.

وهم في أسواق المال

المثالان السابقان امتدادٌ لحالات مشابهة تحوّل فيها وهمٌ بدأ في أسواق المال أو على شبكات الإنترنت إلى ربحٍ حقيقي للبعض. تظلُّ تجربة Bitcoin المثال الأشهر في هذا السياق: عُملةٌ افتراضية تُنتج بأعدادٍ مُحددة، تؤدي نُدرةُ توافرها وكثرة الحديث عنها إلى زيادة الطلب عليها وتؤدي لاحقاً إلى اكتساب العملة قيمةً حقيقية هائلة.

الفكرة الرئيسية بسيطة وواضحة: الربح السهل مُغرٍ. وبالإضافة إلى فكرة الربح السهل، يلعب القائمون على المثالين السابقين، وأمثلة أخرى، على عواطف وغرائز المشاركين، كإغراء أن تملك مدرستك الابتدائية، ولو افتراضياً، في المثال الأول، أو إغراء أن تكون جزءاً من شباب مُتمدنين ثائرين يقفون في وجه مُضاربي أسواق المال في المثال الثاني.

"المغامرون، في غالبهم، الذين يشترون مساحاتٍ على الأرض الافتراضية أو أسهماً في شركة الألعاب يملكون رفاهية التصرف بقسم من مدخرتاهم. الجرأةُ على استثمارات كهذه تتناسب طرداً مع اتساع هامش الخسارة التي يمكن تحملها عند المستثمرين"

أذكر هُنا حالةً أخرى جرت منذ سنوات: موقعٌ على الإنترنت يبيع نجوماً في السماء، تشتري النجمة فيرسلون لك ورقةً فيها اسمك واسماً تختاره للنجمة التي اشتريت. لا قيمة حقيقية للورقة، وبالطبع لن تملك أي نجمة. رغم هذا، أتذكر عُشاقاً شبه مفلسين دفعوا كُلَّ ما يمكلون ليشتروا لحبيباتهم نجماتٍ في السماء. عواطفٌ مثل هذه مع التكرار المستمر على وسائل الإعلام تُقرب وهم الربح من الحقيقة. هذا دون أن ندخل في إشكالات تعريف الوهم وتعريف الحقيقة.

أن تتجرّأ على المغامرة

للاستثمار في ما سبق، يتحتم وجود رأس مال حرّ يمكن التصرف فيه -تجوز الإحالة هُنا إلى ما أسماه كارل ماركس رأس المال الوهمي الذي يضاعف نفسه مع الوقت- رأس المال الفائض والزائد عن الحاجة لا يملكه ما نصطلح على تسميتهم "فقراء" أو "أصحاب الدخل المحدود".

المغامرون، في غالبهم، الذين يشترون مساحاتٍ على الأرض الافتراضية أو أسهماً في شركة الألعاب يملكون رفاهية التصرف بقسم من مدخرتاهم. الجرأةُ على استثمارات كهذه تتناسب طرداً مع اتساع هامش الخسارة التي يمكن تحملها عند المستثمرين، وهذا بالذات هو القسم الأكثر جاذبيةً في فكرة أن تكون غنياً، أن تتجرأ على أن تغامر واثقاً من أنك تملك هامشاً مُريحاً تستطيع فيه التجريب وربما الفشل أحياناً دون عواقب كارثية.

والفكرة الأخيرة تحيل أيضاً إلى جدل آخر يتمحور أساساً حول قيمة ما يملكه "الأغنياء" في الواقع، فالنقود التي يستعملها هؤلاء في مغامراتهم هي غالباً نقود موجودة في حساب مصرفي يُعبّر عنه بأرقام على الشاشات الرقمية. قيمة النقود أساساً رقمٌ وهمي دون مُرادفٍ مادي غالباً. ودون أن أبحث في الأدلة على ما أكتب، أخمّنُ أن خسارة رقم على شاشة الهاتف أقلّ وقعاً من خسارة نقود كالتي كانت جدتي تخبئها تحت المخدة.

قيمة الأراضي في المنطقة التي أسكن فيها ارتفعت اليوم بما نسبته 17% على الأرض الافتراضية، وبعد ساعتين من الآن تفتح أسواق المال الأمريكية مع احتمالات مفتوحة باستمرار صعود سهم Gamestop أو انهياره.

من النافذة أرى الثلج ينهمر في الخارج. أرتدي جوارب سميكة وأمضي مُقتنعاً بالوهم الجميل بأن العالم ما زال مكاناً دافئاً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard