شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الفلسطيني الوحيد المُحترف... أحمد حرارة ورحلة الملاكمة من غزة إلى مباريات عالمية

الفلسطيني الوحيد المُحترف... أحمد حرارة ورحلة الملاكمة من غزة إلى مباريات عالمية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 23 يناير 202112:22 م

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فاز الملاكم الفلسطيني أحمد حرارة (29 عاماً) بست مبارياتٍ متتالية في العاصمة المصرية القاهرة، ضمن مباريات الجمعية المصرية لملاكمة المحترفين والكيك بوكس، منها ثلاث مباريات بالضربة القاضية.

لفت حرارة الأنظار بشكل غير عادي، حتى أن منظم المباريات النيجيري ريتشارد نوبا داخل الجمعية المصرية قال إنه أفضل الملاكمين الموجودين.

وُلد حرارة في حي الشجاعية، وهو من أكبر أحياء قطاع غزة، وترعرع في منطقة تل المنطار المرتفعة والتي اعتاد سكانها التعايش مع القصف الإسرائيلي أكثر من غيرهم في القطاع، لكنه لم يكن رياضياً عادياً، إذ لم يُبال أمام القصف بالخروج لأجل التدرّب، حتى لو كان الدمار الذي يُحدِثه الإسرائيليون على بعد عشرات الأمتار فقط عن منزله، وذلك حتى أصبح الملاكم الفلسطيني المُحترف الوحيد.

عاش حرارة في منزل عائلة متوسطة الحال أحبّت الرياضة، فوالده مطر حرارة كان يلعب في نادي "اتحاد الشجاعية لكرة القدم"، وشقيقه الأكبر زاهر (33 عاماً) كان يلعب الكونغ فو قبل أن يُصاب عام 2012 بشظايا في صدره ورأسه أوقفته عن ممارسة الرياضة.

الحرب حرمته من أول بطولة

لعب حرارة رياضة الكونغ فو والننشاكو، والتحق بفريق منتخب فلسطين للننشاكو عام 2009، لكن الحرب الإسرائيلية الأولى دمرت طموحاته بالمشاركة في بطولة العالم للننشاكو في الولايات المتحدة الأمريكية.

في ذلك العام، التحق بكلية الرياضة في "جامعة الأقصى" في غزة. وإلى جانب دراسته، كان يعمل كهربائياً ليساعد والده الذي كان قد عارض أن يلعب الملاكمة وهو في المرحلة الثانوية.


في السنة الجامعية الأولى له، رآه الأكاديمي طارق أبو الجديان فشجعه على العودة إلى الملاكمة بعد أن شاهد أداءه، فانضم لـ"نادي غزة الرياضي" عام 2010 كملاكم، وكثّف جهوده في التدرب ليقنع والده والجميع بمهاراته، حتى شارك في بطولة قطاع غزة للملاكمة لوزن 69 كيلو، وكانت المفاجأة أنه حصل على المركز الأول.

في عام 2011، ترشح حرارة للعب في بطولة قارة آسيا للملاكمة في كوريا الجنوبية، لكنه لم يسافر نظراً لعدم وجود ميزانية كافية، وكانت هذه أولى الصدمات التي تبعتها مواقف كثيرة محبطة ومحاولات عدة لإقناعه بترك هذه اللعبة. 

فاز الملاكم الفلسطيني أحمد حرارة بست مبارياتٍ متتالية في القاهرة، منها ثلاث مباريات بالضربة القاضية، فلفت الأنظار بشكل غير عادي، حتى قيل إنه أفضل الملاكمين الموجودين... قصة مُلاكم عايش القصف والدمار في غزة وأصرّ على الاحتراف رغم مواقف محبطة كثيرة

جاءت الصدمة الثانية عام 2012، عندما رُشّح للمشاركة في الدورة العربية للألعاب الرياضية في قطر، لكن خلافات حصلت بشأن تقسيم اللاعبين بين قطاع غزة والضفة الغربية، حرمته من المشاركة.

وفي عام 2013، ترشح للمشاركة في بطولة قارة آسيا للملاكمة في العاصمة الأردنية عمان، لكنه تعرض للإصابة أثناء الإحماء ما حرمه من المشاركة، فعاد وانضم في نفس العام لبطولة قطاع غزة للملاكمة وحصل على المركز الأول.

التدرّب وسط أنقاض القصف

لم يكن عام 2014 عادياً على حرارة كما على جميع الغزيين، لأن الحرب تصدرت المشهد في القطاع.

في ذلك الوقت، كان الملاكم الغزي ضمن البعثة الفلسطينية للملاكمة والتي يُفترض أن تشارك في بطولة دورة الألعاب الأولمبية الآسيوية في كوريا الجنوبية، لكن الحرب أتت لتهدد كذلك هذه المشاركة.

يقول حرارة: "أصريت على التدرب وسط الحرب، عيني على البطولة، كنت أخرج للجري بجانب البيوت المدمرة، وبينما تدوي أصوات القصف، كنت أتابع وأسمع من يقول عني مجنون، اتجهت للتدريب في نادي العربي لوحدي رغم الحرب، والدي كان يحاول الضغط عليّ لأنني أخاطر بحياتي، حتى قُصف الطابق الثالث من منزلنا وكنا آخر عائلة تنزح من حي الشجاعية خلال المجزرة".

"أصريت على التدرب وسط الحرب، عيني على البطولة، كنت أخرج للجري بجانب البيوت المدمرة، وبينما تدوي أصوات القصف، كنت أتابع وأسمع من يقول عني مجنون".

عندما نزح حرارة وأسرته لم يُبالِ بنقل أغراضه بقدر حرصه على حماية الزي الرياضي وقفازات الملاكمة.

عن ذلك يُخبر: "أخذت أغراض الملاكمة قبل أي شيء حتى أتدرب في أي مكان متاح، خرجنا مشي مسافة 2 كيلومتر، عثرنا على شقة للإيجار خلال الحرب غربي مدينة غزة. في اليوم التالي من الإقامة بالشقة خرجت أتمرن، والكل قال لي إنني مجنون".

في منتصف الحرب الإسرائيلية على غزة، حصل حرارة على الفيزا، فزاد حماسه، لكن بعد انتهاء الحرب وحلول يوم البطولة لم يتمكن من دخول معبر رفح، رغم أنه أجرى اتصالات مع عدد من المسؤولين.

أُحبط حرارة كثيراً لكنه عاد في نفس اليوم للتدرب، بينما كان بصيص أمل المشاركة في بطولة محمد السادس الدولية للملاكمة حاضراً بالنسبة له.

راسل حرارة أحد أعضاء الاتحاد المغربي للملاكمة للمشاركة في البطولة عام 2014، وتم منحه خمس تذاكر سفر والإقامة في المغرب على حساب الاتحاد، كونه يمثل حالة خاصة لرياضي نجا من حرب ومجزرة إسرائيلية، وانضم للمشاركة مع أقوى ملاكمين في العالم، لكن رحلة السفر كانت صعبة، حيث انتظر ثلاثة أيام في مطار القاهرة، كان يتدرب فيها رغم اعتراض الأمن في بعض الأوقات.

"ظروف فلسطين كانت سبباً في جعلي أنطلق للاحتراف، فأن تكون ملاكماً فلسطينياً محترفاً ليس بالأمر السهل، حيث لا زلت على مدار خمسة أشهر أبحث عن ممول حتى ألعب مباريات دولية على حلبات عالمية"... قصة الملاكم الفلسطيني المُحترف الوحيد 

المشاركة في البطولة كانت مفاجأة، فقد حصل حرارة على أول ميدالية دولية لفلسطين، وحصل على ميدالية برونزية في البطولة، وعاد لغزة حاملاً الميدالية، لكنه كان ينظر للمعبر وإغلاقه كعائق أمام حلمه.

"قررتُ حينها السفر خارج قطاع غزة لمتابعة مشواري في الملاكمة، وكذلك الالتحاق بالدراسات العليا في الجامعات المصرية".

مُعوّقات كادت تُدمر مسيرته

سافر حرارة ووالده عام 2015 إلى القاهرة، وقرّر دراسة الماجستير حتى يحصل على الإقامة ويتنقل قانونياً، لكن في نفس العام تم رفع اسمه من المشاركة في بطولة آسيا للملاكمة في تايلاند. اعترض حرارة حينها واتصل برئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني جبريل الرجوب، ليتمكن من تغيير القرار، لكن الفيزا وصلت متأخرة فلم يستطع الالتحاق بالبطولة.

بعد ذلك، لم يقطع الملاكم التواصل مع الاتحاد الفلسطيني للملاكمة، فشارك مع ألعاب التضامن الإسلامي في أذربيجان عام 2017، لكنه أصيب بخلع في كتفه الأيمن أثناء التمرين، فنصحه الطبيب بعدم المشاركة لأن الإصابة صعبة، لكنه أصر على مواجهة بطل عالمي أوزبكي أوقعته القرعة معه، ورغم الخسارة إلا أنه تلقى إشادة في أدائه.

في تموز/ يوليو عام 2019، شارك حرارة في معسكر تدريبي في تايلاند للتحضير لبطولة العالم للملاكمة في روسيا، لكن مشاركته في البطولة لم تكن مؤكدة لعدم وجود ميزانية داخل الاتحاد الفلسطيني للملاكمة، بينما أُبلغ بقرار المشاركة قبل 10 أيام فقط من بدء البطولة، وكان يتحتم عليه الوصول لوزن 63 كيلوغراماً فيما كان وزنه 69 كيلوغراماً، ولعب مع بطل الصين، لكن عامل الوزن كان عائقاً أمامه.

الإنطلاقة للاحتراف

ما تعرّض له حرارة من إحباط ومعوقات في مسيرته، لخّصه في رسالة الماجستير التي حصل عليها عام 2018 من جامعة حلوان في تخصص التربية الرياضية، وكانت بعنوان "المشاكل التي يواجهها الملاكمون الفلسطينية وسبب عدم حصولهم على ميداليات"، مكملاً دراسته للحصول على درجة الدكتوراه حالياً في التربية الرياضية في نفس الجامعة.

يقول حرارة إن خسارته في بطولة العالم، جعلته يقرر الدخول في عالم الاحتراف أواخر عام 2019، مع الجمعية المصرية لملاكمة المحترفين والكيك بوكس. ومنذ ذلك الحين، خاض العديد من المباريات والتدريبات القاسية، وواجه أبطالاً مصريين يحصلون على برنامج رياضي مكثف على عكس ما يحصل عليه، فأنهى عام 2020 بستة انتصارات متتالية، فاز في ثلاثة منها بالضربة القاضية، ضد ملاكمين مصريين محترفين، وأصبح أول فلسطيني محترف في رياضة الملاكمة في الاتحاد الدولي الملاكمين.

تصنيف حرارة اليوم هو 796 على 2417 ملاكم محترف في العالم، لكنه حصل على أفضل ملاكم في الجمعية في مصر، وكان عُرضة للاعتزال كما ينوه عام 2015 و2017، إلى جانب أن الكثيرين حاولوا إحباطه لاعتبار الملاكمة رياضة لا تُدِر دخلاً عليه، ومع ذلك يصر على أنه يسعى للحصول على ميدالية عالمية ورفع العلم الفلسطيني.

يقول: "ظروف فلسطين كانت سبباً في جعلي أنطلق للاحتراف، فأن تكون ملاكماً فلسطينياً محترفاً ليس بالأمر السهل، حيث لا زلت على مدار خمسة أشهر أبحث عن ممول حتى ألعب مباريات دولية على حلبات عالمية"، معلقاً بأن "كل الملاكمين البارزين في العالم لديهم داعم مالي من رجال أعمال وشركات دعايات، لكنني لن أحبط، ففي عام 2021 أسعى للمنافسة على حزام عالمي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard