شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مدونة صوتية: أمي، ماذا كان سيحصل لو ذهبت مع زميلي إلى شاطىء البحر؟

مدونة صوتية: أمي، ماذا كان سيحصل لو ذهبت مع زميلي إلى شاطىء البحر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 22 يناير 202112:47 م


أذكر أنني كنت في الثانية عشرة من عمري عندما بدأت أمّي تراقب تصرفاتي لتتأكد أنها تُطابق القوالب الجندرية والضوابط السيكولوجية الّتي يُوافق عليها المجتمع.

فعلى البنت أن تبدأ منذ الصغر بإظهار نعومتها وبراءتها. عليها أيضاً أن تُخفض صوتها وتُغلق رجليها عندما تجلس. كذلك يجب أن تهتم بمظهرها فتُطيل شعرها كرسالة بأنها أصبحت جاهزة لاستقبال العرسان. وتُزيل أي آثارٍ "للخشونة" المتمثلة في مجتمعاتنا بشعر اليدين والرجلين والإبط.

فالخشونة والنعومة هما في الحقيقة قوالب جندرية فرضها أهلنا علينا منذ ولادتنا. إذ نضع نحن كمجتمعات أبوية، عربية كانت أو غير عربية، ضوابط نفسية لتصرفات أطفالنا وفقاً لمعاييرنا الجنسية المشوهة.

أذكر أن استاذ العلوم - في نفس السنة الّتي بدأت أمي فيها تراقب تصرفاتي- طلب منّا ذات يومٍ أن نبحث عن "كنوز" قد نجدها على شاطىء البحر، وكان يعني الصدف والأحجار الملوّنة وغيرها من الآثار الّتي يخلفها الموج والرمل والصخر.

الهدف من هذا البحث كان أن نُحضر ما وجدناه على الشاطىء إلى المدرسة في اليوم التالي بهدف عرضه والتحدث عنه أمام باقي التلاميذ. طلب منّا في هذا الإطار أن نشكّل فريقاً مكوّناً من شخصين للبحث عن هذه "الكنوز".

اكتشفت أننا في مجتمعاتنا ليس هناك ترسيخ لفكرة الصداقة بين الفتيان والبنات. هناك دائماً تفرقة بين من يملك قضيباً ومن تملك مهبلاً

صباح يوم السبت، جاء زميلي في المدرسة ففتحت له أمي الباب وفوجئت به كأنّه الشيطان الرجيم.

اخبرتها فوراً عن صف العلوم وما طلبه منّا الأستاذ، فصرخت: "عيب تروحي إنتِ وياه على شط البحر لوحدكم، شو بيقولوا الناس!"

طبعاً أنا كنت في الثانية عشرة من عمري ولم أفهم ردة فعل والدتي.

بدأت أشعر بالخجل والذنب. شعرت بأنني "ابنة عاطلة".

هل لأنّه صبي وأنا بنت؟ ماذا كان سيحصل لو ذهبت معه إلى شاطىء البحر؟

اكتشفت أننا في مجتمعاتنا ليس هناك ترسيخ لفكرة الصداقة بين الفتيان والبنات. هناك دائماً تفرقة بين من يملك قضيباً ومن تملك مهبلاً.

فبالنسبة لأهلنا هناك فقط جنسان يجب أن لا يلتقيا إلا في حالة الزواج.

أمّا مفهوم الجندرة والميول الجنسية فغائب تماماً عن مجتمعاتنا. ماذا لو كان زميلي في ذلك الوقت مثلي الجنس، أو عابراً جندرياً أو لاجنسياً؟ لماذا تتمحور كل علاقاتنا وصداقاتنا حول الجنس؟ لماذا يعتقد أهلنا أنهم بعزلنا عن الجنس الآخر يحموننا منه؟

والسؤال الأهم هو من هو الجنس الآخر؟

اكتشفت بعد أن غادرت لبنان أنّ أغلب الناس في مجتمعاتنا لا يميّزون بين الجنس والجندر، فالجنس هو مجموعة الخصائص البيولوجية والفسيولوجية الخاصة بكل من الذكر والأنثى، حسب منظمة الصحة العالمية.

والجنس يبيّن الاختلاف البيولوجي (الكروموسومات والهرمونات) الذي يُميز الذكر بالإخصاب، والأنثى بوجود الرحم، وما يترتب على ذلك من الحمل والولادة، وبالطبع اختلاف شكل الأعضاء التناسلية الخارجي.

أمّا النوع الاجتماعي أو "الجندر" فهو الأدوار والسلوكيات والأنشطة والصفات المحددة اجتماعياً، والتي يعتبرها مجتمع ما مناسبة للنساء أو الرجال.

يتم بناء الجندر من خلال التنشئة الاجتماعية الّتي تختلف من مجتمع إلى آخر حسب العادات والتقاليد ودرجة المساواة ﺑﻳن اﻟﺟنسين.

فالذكر ذكر والأنثى أنثى، وهذا قرار إلهي مُنزل. فمن أنا لأتحدّى الله في قوانينه؟ بعيداً عن الأديان والعادات والتقاليد، نرى اليوم بذور تغيير في العقليات، من الممكن أن تتحوّل لاحقاً إلى شتولٍ من الانفتاح والثقافة العلمية والتطوّر الفكري

فالأدوار التي يحددها المجتمع للمرأة والرجل، تُكتسب من خلال التنشئة الاجتماعية، وتتغير بمرور الزمن كما حصل في الغرب بفضل الحركات النسوية الّتي طالبت بالمساواة والعدالة وإزالة العديد من الفواصل بين الجنسين.

ولكن للأسف، لم تكن هذه الأدوار قد تغيّرت في مجتمعاتنا عندما كنت في سنّ المراهقة.

فالذكر ذكر والأنثى أنثى، وهذا قرار إلهي مُنزل. فمن أنا لأتحدّى الله في قوانينه؟ بعيداً عن الأديان والعادات والتقاليد، نرى اليوم بذور تغيير في العقليات، من الممكن أن تتحوّل لاحقاً إلى شتولٍ من الانفتاح والثقافة العلمية والتطوّر الفكري.

ولكن إلى أن يكبر هذا الزرع، يجب علينا العمل على تعزيز التنشئة الاجتماعية لنصل إلى المساواة المطلقة ﺑﻳن اﻟﺟنسين والعدالة في تكافؤ الفرص، وإدراك أن أدوار الجندرة الناتجة من ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟمجتمع ليست مُنزلة، وبالإمكان ﺗﻐﻳﻳرها إذا أردنا الوصول إلى مجتمع واعٍ يرغب بالتقدم بعيداً عن المفاهيم البالية الّتي لم يعد لها مكان في عصرنا هذا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard