شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ضد اللّقاح... مع الحقن

ضد اللّقاح... مع الحقن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 20 يناير 202111:26 ص

فيما لو سألت محركات البحث عن حركة المناهضة للّقاح (anti vax) ستعطيك نتائج عن حملة لمناهضة لقاح الحصبة، ظهرت عقب نشر ورقة بحث مغلوطة للدكتور الإنجليزي أندرو ويكفيلد، يربط فيها ما بين لقاح الحصبة، النكاف والحصبة الألمانية وبين مرض التوحّد لدى الأطفال. أدت الدراسة الى حالة من الرعب لدى الآباء وفقدان الثقة باللقاحات بشكل عام والامتناع عنها، ما أدى لعودة انتشار هذه الأمراض وغيرها، في كل من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة وإيرلندا.

تبين فيما بعد أن الدكتور ويكفيلد بورقته هذه، كان يمهّد لطرح لقاح جديد لمرض الحصبة، وكان قد تقدم بطلب للحصول على براءة اختراع تركيبته الجديدة. مع أن الدوافع باتت واضحة والغشّ مفضوح والورقة ألغيت ومُنع هذا الطبيب من ممارسة مهنته، إلا أن البلبلة التي بدأها عام 1998 مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، والأهالي مستمرون في الامتناع عن التلقيح.

عارض مشاهير عرب ليس لهم بالحريات ولا بالسياسة ولا الصحة، لهم فقط بالموضة وكل ما يتعلّق بها، أخذ لقاح كورونا حتى قبل أن يصل إليهم، وشككوا بأمانه، وتحدثوا عن المؤامرة المرافقة لكورونا ولقاحها

ولم يُزعزع حملة الأنتي فاكس ضد لقاح الحصبة من الواجهة، إلا حملة الأنتي فاكس الجديدة ضد لقاح الكوفيد-19، نتيجة تداول أخبار مفادها أن 6 وفيات حدثت بين المشاركين في تجربة لقاح فايزر- بيونتك. عدد كبير من الناس انتابته المخاوف والقلق تجاه اللقاح المبتكر، سادت حالة من الرفض وبدأت بعدها رحلة الأنتي فاكس الجديدة، مدعومة بكميات هائلة من المعلومات المزيفة والآراء المغلوطة لغير المختصين، على شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث.

إضافة لتذمّر الشعوب وفقدانهم الثقة بالحكومات وبكلّ ما تقدمه، بعد معاناتهم الصحية الاجتماعية والاقتصادية، وعدم رضاهم عن الإجراءات التي فُرضت في السنة الفائتة، من التباعد الاجتماعي، الحجر، العزل، تعطيل الأعمال، التكميم والماسكات وأخيراً اللقاح. السلطات الحاكمة تلعب دور القوة المتحكمة، والمحتجّون يحاولون خلق قوة مضادة لديها سلطة قادرة أيضاً، تتحكم بمصيرها وحرة في خياراتها.

المشاهير

بمجرد ظهور اللقاح رافقته موجة معارضته، وبات من الواضح أنه سيكون موضة طيلة فترة التداول، فالوباء وتوابعه أولوية بالنسبة للبشرية في الوقت الحالي. مشاهير من المنطقة العربية، ليس لهم بحركات المقاومة، لا بالحريات ولا بالسياسة ولا الصحة، لهم بالموضة وكل ما يتعلّق بها، بدأوا يدلون بدلائهم، فعارضوا أخذ اللقاح حتى قبل أن يصل إليهم، شككوا بأمانه، تحدثوا عن المؤامرة المرافقة لكورونا ولقاحها.

كيف لشخص حقن جسده بكافة مواد التجميل المالئة التخوّف من حقنة لقاح مهما كانت؟

وأفادوا على مواقعهم الاجتماعية بعدم قبولهم اللقاح، وقدموا تساؤلات من نوع أن "السرطان والإيدز أمراض تصيب البشر منذ سنوات عديدة، لم يستطيع العلم إيجاد لقاح شافٍ، كيف يُخترع لقاح ويُوزّع لوباء لم يُكمل العشرة أشهر بعد؟ ما هو اللقاح؟ هل أصبحنا فئران تجارب؟ وفاة ستة أشخاص تم تطعيمهم باللقاح هذا أوضح مثال على المؤامرة".

أسئلة مشروعة أُتبعت بنصائح وبدائل للّقاح، نصائح أورجانيك (عضوية) من حيث الطعام والشراب، ونمط حياة صحي تملؤه تمارين اليوغا وجلسات التنفس والاسترخاء، للسماح بمراكز الطاقة السبعة بأن تفتح ممرات بأجسامنا لنتصل بالمصدر، وبهذا نحصل على العافية والمناعة الكاملة. نصائح لا منطقية ولكن جميلة.

لستُ الشخص المناسب لمناقشة اللقاح بوجود مختصّين، فهو موضوع علمي، وميدانه المخابر الطبية. لكن مع كل هؤلاء المشاهير بأفكارهم الجميلة، تلحّ عليّ مجموعة أسئلة: كيف لشخص حقن جسده بكافة مواد التجميل المالئة التخوّف من حقنة لقاح مهما كانت؟ كيف لمن شفط الدهون من كافة أنحاء جسده وحقنها جميعاً في مركز طاقة القاعدة (شاكرة الجذر)، أن يحدّثنا عن جلسات التأمل والشاكرات وفتح مسارات الطاقة؟ كيف وهو من أعمى شاكرة العين الثالثة وشلّها بحقنة سم البوتيولينيوم (بوتوكس) لإيقاف الزمن؟

وفاة ستة أشخاص من المشاركين بتجربة لقاح الوباء الذي يقتل كل يوم خمسة آلاف مصاب، مخيف، لكن هذا العدد يبدو متواضعاً أمام ستين من حالات الموت بحقن وباء الجمال البلاستيكي، الجلطات الوريدية الرئوية والالتهابات القاتلة. كما الأم العراقية التي سافرت من دبي إلى بيروت لشفط دهون معدتها، عند وصولها أقنعها الجمال النادر والصعب بشفط دهون كامل الجسم بـ 50 ألف دولار فقط، ووافقت، وثقت بكامل سذاجة المرأة الباحثة عن الجمال النادر الصعب، وماتت أثناء العملية.

 متى سنرى تخوّف المشاهير على الملأ من هكذا حوادث؟ من نوع الحقن التي تحمل إمكانية تعريض الخاضعين لها لمخاطر فقدان البصر، مثل حقنة الفيللر في الأماكن الحساسة المحيطة بالعين، وحتى في الخدود. نريد سماع أخباركم التوعوية عن حالات العمى التي أصيبت بها نساء أثناء عملية قص الأجفان، تنبيهاتكم عن مخاطر التجميل وحملات التسويق المزيّفة لأمنها، عن خطر الالتهابات والندبات الدائمة والتشوهات وإيذاء الأعضاء الداخلية، عن نسب الموت المرتفعة المرافقة لعملية المؤخرة البرازيلية، التي يصل معدل الموت فيها إلى واحد من كل ثلاثة آلاف، معظمها بسبب التجلط الرئوي والانسداد الوريدي الذي يحصل أثناء أو بعد العملية مباشرة.

على قياس السوق

نموذج الجمال هذه الأيام متغير حسب موضة كل عام. متطلباتٌ غريبة، مثل الأسنان الأمامية الطويلة، فيسارع الجميع لكسر أسنانه الأمامية وتطويلها، الحنك العريض والذقن البارزة من معالم الجمال هذا العام، فيجري الجميع لحقن ذقنه وحنكه بالمواد المالئة، الشفاه الممتلئة، الخدود، العيون والأظافر، دائماً مطالب جديدة ودائماً النساء في سباق لمواكبة الموضة، وكأن جلدة الوجه قطعة قماش نفصّلها على قياس السوق.

كتبت الأكاديمية نعومي وولف: "النساء لا علاقة لهن بأسطورة الجمال، وكل العلاقة للذكورية وقوتها المؤسسية". من هنا نفهم أسباب تسليع المرأة لبيع أيّ منتج

كذلك المجتمع يجاهر بالمواصفات النموذجية التي تصيب من لا يمتلكها بالقهر والإحباط، كلها مواصفات جسدية، ما من ملامح أخلاقية أو نفسية أو حتى عقلية "لسكّان" هذه الأجساد، لمواصفات تكتفي بشعر طويل، صدر كبير، مؤخرة بارزة ومشدودة، خصر نحيل، خدود ممتلئة، وجه حسن، أنف صغير، صوت ناعم، أسنان بيضاء، رموش طويلة، بطن مقعر، صفات جسدية قلّما تجتمع بشخص واحد.

وفيما لو اجتمعت فهي تهيئ لصاحبها حياة مليئة بتسهيلات العمل، الحب، القبول الاجتماعي والخيارات الأفضل. زعم أحد أطباء التجميل بأنه يعالج النساء اللواتي يعانين الاكتئاب وعدم قبول ذواتهن بساعتين فقط، وبذلك يوفر عليهن خمس سنوات من الوقت، ومبالغ طائلة من المال كن سيدفعنها للمحللين والأطباء النفسيين للحصول على نفس النتائج.

 لكن مالم يخبرنا به هذا الطبيب هو ماذا سنفعل بعد أن تنتهي جرعة البهجة والرضا عن النفس الناتجة عن العملية الأولى؟ هل ينصح بزيارته لعملية ثانية لنعيد التصالح مع الذات، وثالثة لزيادة تغيير شكلنا الخارجي والحصول على بهجة التجديد؟ وماهي التكلفة بالتحديد؟ ما هي التكلفة العصبية والنفسية لكل هذه القسوة؟

في إحدى الدراسات كانت الملاحظة على ظاهرة الهوس بالشكل الخارجي والظهور، أنها نتيجة تضافر المتطلبات الاجتماعية والسوق لتوحيد شكل النساء. فكرة مضحكة لكنها مخيفة وحقيقية، شكل المرأة وكأنه يونيفورم بموديل وقياسات محددة، كل من يرتديه ويلتزم به ينال الاستحسان. في هذا السياق، كتبت الأكاديمية نعومي وولف: "النساء لا علاقة لهن بأسطورة الجمال، وكل العلاقة للذكورية وقوتها المؤسسية". من هنا نفهم ضرورة تسليع المرأة لبيع كل ما هو قابل للبيع وتعليقه عليها، ونحن، كنساء، ضائعات بين ما نريد وما يريد السوق.

 جرى نقاش مع طبيبة مصرية، عن سبب ارتفاع حالات كورونا في مصر، وعدم التزام الناس بالإجراءات الاحترازية، كان السؤال: كيف نستطيع إقناع الشارع المصري بالالتزام بالكمامات؟ أجابت الطبيبة بأن الحل بسيط، وهو أن نقنع الفنانين والمشاهير بارتداء الكمامات

ماذا بعد؟

البحث عن القبول في التجديد العنيف عن طريق تهشيم الأنف، قص الأجفان، حشي الأثداء والأرداف، كبس الخدود والشفاه بالمواد المالئة، معظمها تصرفاتٌ وحشية تقوم بها المرأة ضد نفسها، بقناعة أن إحساسها سيصبح أفضل، ولعدم اقتناع بأنها تستحق أفضل من هكذا تصرفات، لانعدام ثقتها بنفسها أمام متطلبات المجتمع المرّة، وإحساسها المفقود بوجودها الحقيقي.

 قبل عشر سنوات، هشّمتُ أنفي بعملية تجميل وصغّرته، رغبة مني بأن أكون ناعمة الوجه ومحبوبة، طبعاً حبيبي لم يحبني كما كنت آمل، بل علّق على صوت تنفسي المسموع المزعج الذي استجد بعد العملية، لم أستفد من العملية وبتُّ أكره نفسي، لم أشعر بالضرر الحقيقي إلى أن مرت سنة وأكثر من الوقت، اكتشفت بعدها أن الأجدر كان العمل على تكبير عقلي، شَغل نفسي بمواضيع قيّمة، زيادة ثقتي بنفسي وقبولي لشكلي.

هذا هو الفيروس الحقيقي الذي يجب أن نتخوّف منه ومن طريقته بالتسلل إلى بيوتنا وعقولنا، أليست هذه هي المؤامرة التي تحاك ضد جيل كامل، كيف يمكن لفاعل في المؤامرة الكونية ضد البشرية أن ينقضها؟ وهل يستطيع من يملك وجهاً بلاستيكياً، صدراً، أردافاً، رموشاً، أظافر، وحتى أفكاراً بلاستيكية، التشكيك في أي لقاح أو التلميح لأي مؤامرة؟ ما السبيل إلى لقاح يوقفهم عن تعزيز إحباط النساء الأخريات، بنمذجة الجمال البلاستيكي المزيف والترويج له، تحت ضغط كرههن لذواتهن؟

على إحدى المحطات التلفزيونية جرى نقاش مع طبيبة مصرية، عن سبب ارتفاع حالات كورونا في الشارع المصري، وعدم التزام الناس بالإجراءات الاحترازية، كان السؤال: كيف نستطيع إقناع الشارع المصري بالالتزام بالكمامات؟ أجابت الطبيبة بأن الحل بسيط، وهو أن نقنع الفنانين والمشاهير بارتداء الكمامات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard