"الحرب للرجال كما الأمومة للنساء"، يقول موسوليني، وبرغم أن القائل تزعّم دولة فاشية تشاركت مع النازية في أكثر الحروب دموية، إلا أن النظرة هذه ليست "نادرة" وليس السؤال: هل تحب النساء الحرب؟ سؤالاً بسيطاً وذا إجابة بديهية.

المرأة في السلطة

يعتقد العديد من الناس أن وصول المرأة إلى السلطة يعني حروباً أقلّ بالتأكيد، وثمة العديد من التعليقات والمواقف على مواقع التواصل الاجتماعي التي تربط بين السلام العالمي ووصول المرأة إلى مواقع القرار.

وتبرر ذلك بأن طبيعة المرأة تميل بشكل غريزي إلى "منح الحياة" لا سلبها، حمايتها وليس استهدافها، وفي بعض الأحيان تعمل المواقف بطريقة أكثر استفزازية، حيث تربط بين "اهتمامات المرأة" الجمالية أو "سخف رؤيتها للحياة" كما "طبيعتها المداورة والمحتالة"، ما يمنعها عن القيام بحروب تتطلب المواجهة كـ "الرجال"، ورغم أن الخطاب في ظاهره يدين ميل الرجال عموماً إلى حلّ القضايا التي تواجههم بالعنف والعدوانية، إلا أنه أيضاً يحمل توجهاً تحقيرياً للمرأة، التي هي رجل من الدرجة الخامسة.

"الحرب للرجال كما الأمومة للنساء"، يقول موسوليني، وبرغم أن القائل تزعّم دولة فاشية تشاركت مع النازية في أكثر الحروب دموية، إلا أن النظرة هذه ليست "نادرة" وليس السؤال: هل تحب النساء الحرب؟ سؤالاً بسيطاً وذا إجابة بديهية

والتبريرات هنا تتراوح بين السخيف والبيولوجي، من أن المرأة ستكون غالباً مشغولة بعدم تكسّر أظافرها الملونة وعدم تخريب تسريحة شعرها، إلى أن المرأة بالعموم أقل قوة وأقصر من الرجل، وتمتلك حجم دماغ أصغر.

بالعموم، تم تقديم النسوة العنيفات أو المحاربات كاستثناءات هامشية وأيضاً كحالات مرضية، إذ كن غالباً، غائبات عن السرد الذي يظهر أدوار البطولة للرجال ويخفي دورهن الحربي عبر العصور، بالرغم من أنهن شاركن في الحروب وقمن بحمل السيوف وقطعن رؤوس أعدائهن بقسوة مماثلة لقسوة الرجال، وساهمن بصعود امبراطوريات وقمن بقيادتها عبر التاريخ، وشكلن عنصراً أشدّ "تطرفاً" في بعض الأحيان، خصوصاً في مجموعات المقاومة ضد النازية التي ظهرت في الحرب العالمية الثانية، كما في المنظمات اليسارية المتطرفة الأخرى، كالألوية الحمراء، بادرماينهوف والجيش الأحمر الياباني.

احتراف الحرب واحتراف السلم

وفقاً للكتاب الذي أعدته أناليزا كاسيني وموريلي آن، من إصدارات جامعة بروكسل، بعنوان "هل تحب النساء الحرب" وهو مخصص لتحليل هذا الموضوع ويحتوي العديد من المشاركات، وأغلب المشاركات تظهر أن موضوع الإعجاب أو عدم الإعجاب بالحرب لا يمكن استخدامه لتحليل وضع النساء عموماً في قضايا النزاعات المسلحة، وإن هذه القضية في الواقع واحدة من أعقد القضايا التي يقترحها الفكر النسوي.

الافتراض الشائع لدى أغلب المشاركين هو ببساطة: لا، النساء لسن مسالمات بطبيعتهن، إذ إنه برغم الدلائل الحفرية العديدة التي تدل على وجود محاربات شديدات البأس في العصور القديمة، إلا أن الاتجاه العام للحياة الطبيعية يفترض أن المرأة "بيولوجياً" أقل بأساً ونزوعاً إلى الدموية من الرجال.

يعتقد الكثيرون أن وصول المرأة إلى السلطة يعني حروباً أقلّ ويبرّرون ذلك بأن طبيعة المرأة تميل بشكل غريزي إلى منح الحياة لا سلبها... فهل هل تكره النساء الحرب؟

إن مسألة مسالمة المرأة هي اتجاه تاريخي ثقيل بالرغم من مشاركتها الفعلية في عدة مرات، ولكن هذه المشاركة ناتج اجتماعي مرتبط بأدوار الجنسين، والتي تربط بين العداء للعنف والقالب النمطي للأنوثة من حيث الخضوع التلقائي للقوة، وتقديم الذات كضحية والخوف على الأحباء والميل لقيم الحياة الحميمة والذكية بدلاً من المصالح السياسية.

تطرح أيضاً فكرة أخرى معضلة أشد ضراوة: هل المجتمعات الأكثر مساواة هي أكثر سلاماً؟ أو، باتجاه عكسي، هل الحرب نتاج النظام الأبوي، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن للمرأة أن تدعم الحرب بروح مناهضة النظام الأبوي؟

كجزء من المساهمة في تفكيك هذا السؤال قامت الكاتبتان بالعديد من المقابلات مع نساء منخرطات في نزاعات حربية في أماكن عدة من العالم، يهمنا منها ما يخصّ العالم العربي، النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي والنزاع في سوريا.

فيما يخصّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقول الكتاب إن هناك فجوة عميقة بين الوضع الاجتماعي للنساء في الطرفين المتنازعين، حيث تجبر الإسرائيليات على المشاركة في الحرب، أو ينغمسن فيها برغبة "وطنية" مدفوعات بالهوس القومي لإنشاء وحماية وتقوية إسرائيل، في إطار جيش "تحرري" و"أبوي" بذات الوقت، إنهن يقبضن على ذواتهن في اللحظة التي يتخلين بها عنها، بينما لا تشارك النسوة الفلسطينيات في النزاع إلا من خلال الدور الاجتماعي الذي تفرضه البيئة: تنشئة جيل يعي موقعه وموقفه، في استسلام كلي للوظيفة الإنجابية فحسب.

بالعموم، تم تقديم النسوة العنيفات أو المحاربات كاستثناءات هامشية وتم إخفاء دورهن الحربي عبر العصور، بالرغم من أنهن شاركن في الحروب وقمن بحمل السيوف وقطعن رؤوس أعدائهن وساهمن بصعود امبراطوريات وقمن بقيادتها عبر التاريخ

إن دوافع النساء في هذا الصراع متباينة: من جهة هناك صراع، عنفي، مسلح تفضل بعضهن الانخراط به بشكل مباشر ويقمن، أحياناً، بأفعال أشدّ قسوة من أفعال الذكور، بطريقة براغماتية يسعين من خلالها لتحسين أوضاعهن على أساس يومي، والنتيجة هي ممارسة شبيهة بممارسات الأنظمة الأبوية في مؤسسة ذكورية الطابع، تفقد النساء تمايزهن وتصهرهن في قالب ذكوري عنيف، ومن جهة أخرى هناك نوع من الدفاع عن الثقافة الفلسطينية أو الشكل الذكوري للثقافة الفلسطينية الذي يُخضع المرأة لسياق ثابت، جانبي، هامشي، ولا يجرؤن على الخروج عنه.

في سوريا لا يختلف الأمر كثيراً، ثلاث مجموعات من النساء ينخرطن في الصراع الدائر، المقاتلات الكرديات، الجهاديات و"لبوات الأسد" التابعات للدفاع الوطني. تقود المقاتلات الكرديات حرباً على جانبين، الحرب اليومية ضد المجموعات التي تحاربها، جنباً إلى جنب مع الرجال، والحرب الأخرى ضد النظام الأبوي الذي يضعهن في مرتبة أقل من الذكور، ولايزال يحكم مجتمعات الأكراد، وغالباً ما يعطى للنساء الدور الأقل أهمية في الحرب الدائرة: أعمال الإغاثة، الاعتناء بالجرحى والأطفال، الجانب الدعائي الذي يناسب نظرة الغرب لهذه المجموعات لضمان الدعم الأميركي المستمر، لكن في جوهره هو تمثيل تشارك به النساء ويدفعن ثمناً غالياً لأجله، حيث لا زال مفهوم "الشرف" سائداً والتحكم بجسد المرأة والزواج المبكر والعديد من المشكلات الخاصة بوضع المرأة بشكل عام.

الجهاديات في داعش وغيرها من المجموعات المقاتلة إسلامية الطابع يرتضين بالدور الذي "أوجده الله" اقتداء بأمهات المؤمنين: دعم الرجال الشجعان الذين يفرضون شرع الله، الالتزام بما تمليه الشريعة البطريركية وهناك القوات الشرطية الخاصة بالمجموعات الجهادية التي تتولى مهاماً "خاصة" بالنساء الأسيرات مثلاً، كالتفتيش والتعذيب والحراسة، في استسلام كلي للدور الوظيفي للنساء في الشرع الإسلامي.

المجموعات النسائية التي أنشأها النظام وتضمنت نسوة يدن بالولاء للنظام، انتشرت في وقت كان عدد الذكور قليلاً ضمن الحرب المستمرة من عشرة أعوام، والهدف كان واضحاً: إظهار جيش النظام كمؤسسة تحررية تؤمن بالمساواة والاستفادة من النقص الحاصل في مرحلة ما في جيش النظام، وأيضاً ساهم الانهيار الاقتصادي بدفع بعض أولئك النسوة للانخراط في التجمعات العسكرية شبه الرسمية، وأوليت لهن مهام ليست ذات أهمية قصوى، مثل تفتيش السيارات على الحواجز وإظهار الولاء الأبدي.

آخر معاقل الذكورية

بالمعيار الرجولي التقليدي الغربي حتى، يحجم الرجل عن "ضرب" المرأة، وفي الشرع الإسلامي يسمح له بضربها "ضرباً ليّناً" على أماكن محددة لا تتضمن الوجه، ضمن هاتين النظرتين اللتين تتضمنان احتقاراً مبنياً على النوع يفرض على الرجل الرجل ألا يردّ على ضربة المرأة بضربة مشابهة، لأن "ضربتها" أصلاً ضعيفة، غير مؤلمة وغير ذات أثر، كضربة طفل لجدار، وإذا أحب الرجل أن "يؤدب" امرأته فيسمح له بضربها على الإلية مثلاً، بحيث لا يعطب "دورها" ولا يوقفه عن الاستمرار، ورغم ذلك تتباهى الجيوش بتواجد العنصر النسائي في عديدها، رغم الاعتراف بعدم قدرتها على "خوض الحروب" وتعطى الأدوار الجانبية التي تدعم "صمود" الرجال في الحرب.

الغريب أنه ورغم انخراط النساء في العديد من الحروب إلا أنه، وعند صنع السلم، يُبعدن جانباً، وبالكاد يمنحن مقعداً في مفاوضات المصالحة

أدت سلسلة من التغيرات في وضع المرأة بالعموم إلى "اجتياحها" بعض الوظائف التي كانت حكراً على الرجال، وكان آخرها الجيش، وعندما تولت بعض النساء مهام عسكرية أبدين عن مهارة وحنكة وقسوة كما ينبغي لصانع حرب أن يكون، لكن أي تعميم في الإجابة على هذا السؤال:

هل تحب النساء الحرب سيكون غير منصف بالتأكيد، إذ تنخرط بعض النساء في الحرب وتطالب بها بصوت عال، ونستطيع أن نتذكر مارغريت تاتشر وغولدا مائير، اللتين انخرطتا بحروب يعجز عنها قساة الرجال، وبالتأكيد تدافع نسوة أخريات عن النزعة السلمية، وهناك العديد من التجمعات التي تهدف لإنهاء حالة الحروب المستعرة، لكن الغريب في الأمر أنه ورغم انخراط النساء في العديد من الحروب إلا أنه، وعند صنع السلم، يُبعدن جانباً، وبالكاد يمنحن مقعداً في مفاوضات المصالحة.