شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
خلعتُ حجابي عندما شعرت بالحرية خارج وطني

خلعتُ حجابي عندما شعرت بالحرية خارج وطني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 8 يناير 202112:16 م
Read in English:

Headscarfs Are Off – Freedom in Foreign Lands

لم أزل أتذكر برودة الإطار المعدني لباب البلكون وأنا أدوسه، كذلك برودة الأرضية. ترددت كثيراً قبل أن أخطو إلى بلكون غرفتي، كنت قد فرغت لتوي من حمام الصباح وغسلت شعري؛ وقفت قبالة المرآة ارتديت ملابسي كاملة وأمسكت بغطاء رأسي وقبل أن أكمل ارتداءه توقفت للحظة، وجريت نحو البلكون.

في السابعة من صباح أحد أيام ربيع أيار/ مايو كان المشهد أمامي ملوناً بالأبيض والأزرق والأخضر؛ يداعب المشهد نسيماً ندياً وسحباً بيضاء يبدأ في التلاشي على استحياء، راسماً خلفية ناعمة وأرضية خضراء تكسو جبال برمانا اللبنانية ويتخللها بعض المنازل ذات الطابق أو الطابقين على الأكثر، لا تعكر صفو المشهد بل تضفي عليه كلاسيكية محببة وتشعر وكأن من الطبيعي أن تكون هنا لتجمله.

اقتربت من الباب الزجاجي للبلكون وفتحته برفق لألمس ندى الصباح الخفيف وشمس لطيفة تداعب بشرتي برقة وتغطي برفق ما تيسر وظهر من جلدي، ترددت وأنا أدفع جسمي للبلكون... أنا الآن محجبة هل سيراني أحد بشعري؟ هل سأقع تحت طائلة ذنب ما إذا خرجت للبلكون غير مرتدية للحجاب؟ هل سيعاقبني الله؟ والأسئلة الأهم التي دارت برأسي المكشوف ذلك كانت: هل سيراني الناس؟ سيضايقونني وربما يضحكون علي؟ لكن ربما سيسامحني الله لأن شعري لم ير الشمس والهواء منذ 14 عاماً، ارتديت خلالها الحجاب في كل الأوقات حتى النوم، كمحاولة للتعود الشديد وكنت أقنع نفسي بقيدي بحجج مختلفة، إني "منكوشة" أو هكذا جيد لأن شهري مبلل أو لأني أشعر بالبرد وغيرها من الحجج.

لكن الآن أنا خارج مصر، دارت برأسي كل تلك الأسئلة للمرة الأولى، وأنا أناقش عقلي كأني أضعه إنساناً أمامي، وليس شخصاً آخر يناظرني ويدعو الله لي بالتثبيت على فضيلة الحجاب وألا يوسوس لي الشيطان لخلعه، أنا الآن حرة من كل هؤلاء بدون ضغوط وأريد تجربة أن أُخطئ، وسعيدة بذلك.

 أنا الآن خارج مصر، دارت برأسي كل تلك الأسئلة للمرة الأولى، وأنا أناقش عقلي كأني أضعه إنساناً أمامي، وليس شخصاً آخر يناظرني ويدعو الله لي بالتثبيت على فضيلة الحجاب وألا يوسوس لي الشيطان لخلعه، أنا الآن حرة من كل هؤلاء بدون ضغوط وأريد تجربة أن أُخطئ، وسعيدة بذلك

دفعت رأسي خارج البلكون ليسبق جسدي بسنتيمترات قليلة، في منتصف البلكون، وصلت أشعة الشمس إلى رأسي، وقد شعرت بالقشعريرة، أو ربما شعرت بلدغة تشبه الكهرباء الخفيفة برأسي انتقلت منه لباقي جسمي، الآن أشعر بعضو كنت نسيته تماما منذ 14 عاماً، نسيت شعري وأنه جزء مهم من جسدي حتى فقدت الإحساس به، وصارت تلك المنطقة من جسمي تحصيل حاصل.

كان ترددي منبعه الخوف من النظرات الغاضبة التي تجعل أي شخص يتدخل في الاختيارات الشخصية للأفراد الآخرين وتعاقبهم عليها مثلما كان يحدث معي بمصر، فربما يعاقبني أحد المارة لأن خصلة من شعري ظاهرة للعلن من أسفل الحجاب أو فتاة تدعي اللطف تمسك حجابي لتغطي ما ظهر من شعري معتقدة بذلك أنها تسدي إلي معروفاً، لكن العجيب فيما فعلت ذلك اليوم أن أحداً لم ينظر إلي. لحظة حرية لم أشعر بها منذ سنوات… فقد تواصلت بها مع الطبيعة – الشمس، النور، الهواء، الأرض - دون محاسبة أو أذى، وكأن إحساس الحرية نفسه شيء جديد ومختلف، رأتني جارة عجوز كان تشاهد ترددي وكما لو أرادت تحيتي فابتسمت لي بحنان فبادلتها بالابتسامة ذاتها. 

صرت أتحسس المناطق التي تصلها الشمس من جسدي وأداعب خصلات شعري وأمرر الهواء والشمس داخلها وكلما فعلت ذلك زادت الكهرباء وانتشرت سعادة داخلية غامضة بي.

تلك المرة جعلتني أفكر جدياً في جدوى الحجاب، وكلما تناقشت مع أحدهم أخرج الدين من الموضوع وأتحدث بشكل حقوقي، "من حقي... أنا حرة... أريد ذلك"، وغيرها من العبارات التي أتمسك بها بحقي الطبيعي في امتلاك جسدي وأنه ليس ملك المارة والجيران والعائلة وكل "من هب ودب" ليحاسبني به، بت متأكدة مما قالته د. نوال السعداوي إن للملابس وظيفة تتعلق بالطقس فقط وليست معياراً للأخلاق أو التدين. 

بعد ذلك المشهد بعامين، كنت في رحلة استغرقت حوالى يوم 9 أيام كاملة إلى فلسطين عبر معبر الكرامة بالأردن، إلى الضفة الغربية بدعوة من نقابة الصحافيين الفلسطينيين. خرجت من القاهرة وأنا أرتدي حجابي كاملاً، وحينما وصلت عمّان الأردنية فككته وجعلته ملتفاً حول رقبتي، وحينما وصلت استراحة أريحا نزعته تماماً. شيء ما في هذه البلد شجعني على تلك الخطوة ومنذ اليوم الأول من جولتي الصحافية بفلسطين لم أرتدِ الحجاب.

فكرت جدياً في جدوى الحجاب، وكلما تناقشت مع أحدهم أُخرج الدين من الموضوع وأتحدث بشكل حقوقي، "من حقي... أنا حرة... أريد ذلك"، وغيرها من العبارات التي أتمسك بها بحقي الطبيعي في امتلاك جسدي وأنه ليس ملك المارة والجيران والعائلة وكل "من هب ودب" ليحاسبني به

تجولت داخل مدن متفرقة (رام الله، بيت لحم، نابلس وحتى القدس). لم يكن صعباً علي أن أعيش تجربة لعدة أيام بدون حجاب، شعرت كما لو أنني على هذه الحال منذ ولدت ولم أرتد الحجاب يوماً، هكذا أحسست أنني حرة، أنا وحدي التي تمتلك جسدها. استمرت إقامتي في فلسطين حوالى تسعة أيام، لم أتعرض خلالها لمضايقة جنسية أو جسدية واحدة، ولم يوقفني أحد في الشارع ليدعو الله لي بالهداية أو يناقشني لماذا أنا غير محجبة.

"الوطن ليس شرطاً أن يكون أرضاً كبيرةً، فقد يكون مساحةً صغيرةً جداً حدودها كتفين" وهي مقولة لغسان كنفاني الذي كان يرى أن الحرية شيء أساسي لا بد أن ينتزعها الإنسان بذراعيه وكفيه وأصابعه.

وحينما عدت إلى القاهرة كانت أولى المقولات التي صدمت عيني، واحدة لإحسان عبد القدوس في افتتاحية فيلم "أنا حرة" الذي كان محاولة بائسة منه لإقناع فتيات ذلك الجيل أن الحرية شيء مضر بصحتهن، لكن افتتاحيته كانت تقول "ليس هناك شيء يسمى الحرية وأكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التي يؤمن بها، وللغرض الذي يسعى إليه. إننا نطالب بالحرية لنضعها في خدمة أغراضنا، وقبل أن تطالب بحريتك اسأل نفسك لأي غرض ستهبها؟!".

إذ ذاك قررت أنني لن أعود إلى أرتداء الحجاب مرة أخرى، فإذا كنت حرة أن أخلع حجابي خارج بلدي علي أيضاً أن أكون بنفس الحرية وأنا في وطني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard