شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أبوكم حجر عثرة في حياتنا"… نساء في غزة مع آباء وأزواج "سيكوباتيين"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 يناير 202104:17 م

يعيش بعض الرجال في المجتمع الفلسطيني في غزة حالة من الهيمنة الأبوية الذكورية، تسودها أنماط من التسلط ضد المرأة تشمل جميع نواحي الحياة، ففي الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط اقتصادية واجتماعية تحول دون التجرؤ على المطالبة بحقوقها، يرون في ضعفها دافعاً لممارسة ذكوريتهم المزعومة.

أم محمد (38 عاماً) هي واحدة من اللاتي يتعرضن لهذا التسلط، تقول: "أنا جامعية بينما زوجي ذو تعليم بسيط، ويعمل سباكاً، لذا لم يجمعنا يوماً أي توافق عقلي، كما أنه متطبع بعقلية ذكورية شائعة في بعض أبناء المخيم، الذين يعتقدون أن ضرب المرأة، وتعنيفها دليل على الرجولة، ومع ذلك حاولت استيعاب الأمر مرات كثيرة إلى أن طفح الكيل".

صمتت لحظات وتابعت: "هربت من ظلمه مع أولادي إلى بيت أهلي، وبعدها حاول رجال الإصلاح إنهاء الخلافات بيننا، فعدت مرة أخرى إلى بيته، ولأنه كان خالياً من الأثاث اشتريت بعضاً من لوازمه من راتبي بعدما حصلت على فرصة عمل حكومية بعقد مؤقت".

"يلي بجرب المجرب بيكون عقلو مخرب".

وأضافت باستنكار: "كل هذه التضحية لم تشفع لي يوماً عنده، ولم تفلح في تعليمه احترامي، والكف عن توجيه الإهانات اللفظية لي على أهون الأسباب، لذا تكرر الأمر مرة أخرى وذهبت عند أهلي. بعد شهور عدة جاء بعض أفراد عائلته ليردّوني، قلت لهم "يلي بجرب المجرب بيكون عقلو مخرب" ، قالوا لا تفشلينا، هذه المرة على ضمانتنا، ولو ارتكب شيئاً فسنحجّمه نحن، أجبتهم "فش وحدة بتحب خربان بيتها، توكلوا على الله".

بعد أن ذهبت أم محمد مع عائلة زوجها، وعادت لبيتها فوجئت بأن زوجها باع كل أثاثه، فعادت لأهلها مع أولادها، ورفعت قضية نفقة على زوجها، ولكنه، بحسب روايتها، "فضل السجن على الإنفاق على أبنائه".

"دائماً ما تقول أمي: والله أبوكم حجر عثرة في حياتنا، لو الله ياخدو لتفرج علينا"

"رغم أن أهلي غير مقصرين معنا، وأمي تردد دائماً رزقنا ورزقكم على الله، أشعر بأني عبء على من حولي"، تنهي أم محمد حديثها.

بلغة مشبعة بالمفردات الفقهية، يعلق د.صلاح فرج، أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة والقانون الجامعة الإسلامية في غزة، لرصيف22: "إن ممارسة العنف الأسري، والسلوك العدواني، واستعمال القوة بغير حق من قبل الزوج ضد زوجته، أو أولاده بدافع حب التسلط، والشعور بالأنا، والتشفي، والانتقام محرم شرعاً، ويتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو إلى الرفق، والسماحة، والرحمة، بل قد يكون العنف الأسري من أكبر الكبائر إذا ترتب عليه ارتكاب جريمة من الجرائم المحرمة شرعاً".

"أبوكم حجر عثرة"

يرفض والد هبة (31 عاماً) الإنفاق عليها، على الرغم من كونه موظفاً بمرتب ثابت، تقول لرصيف22: "عندما تطلب أمي منه المال لشراء أي شيء لا يقوم سوى بالاعتداء عليها، وضربها، وكذلك الحال بالنسبة لنا".

وتستطرد: "تقدمنا لمؤسسات وجمعيات إغاثة لمساعدتنا على العيش إلا أن طلبنا في كل مرة يقابل بالرفض، والمبرر أن الأب موظف ولا يستحق".

وتضيف: "دائماً ما تقول أمي: والله أبوكم حجر عثرة في حياتنا، لو الله ياخدو لتفرج علينا".

وتكمل هبة: "كنت أتمنى أن تجمعني بأبي علاقة سوية كأي أب مع ابنته، والله لو كان طلب عينيّ لم أكن لأتأخر عنه؛ لكن مع الأسف، لم يجمعني به سوى الإهانة، والضرب، والكراهية".

وتتابع: "اليوم تجاوزنا أنا وأخواتي سن الـ30 عاماً، وبسبب سمعة والدي لم يتقدم أحد لخطبتنا، ونحن بنظر والدي كاسرات ظهره، وبنظر المجتمع عوانس، لكننا من الداخل محطمات، نحمل وزر رجل لم يتق الله فينا يوماً".

إشباع التقلبات المزاجية

يكشف أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى، الدكتور درداح الشاعر، عن نفسية الرجال المتسلطين، يقول لرصيف 22: "الرجل الذكوري، والمتسلط العنيف، يصنَّف علمياً كسيكوباتي، مريض نفسي يخفي عدوانيته، وعنفه، وتسلطه خلف قناع الإنسان السوي، غير أنه يشبع اضطراباته النفسية، وتقلباته المزاجية بإيذاء الأضعف منه كزوجته، وأبنائه، وتعنيفهم إلى الحد الذي قد يتسبب أحياناً في موت أحدهم".

وعن تأثير هذا التسلط الذكوري على نفسية الأبناء، يرى الشاعر أنه "يؤثر على صحتهم النفسية، فيصل بهم إلى حالتين، لا ثالثة لهما، الأولى إما زرع روح العنف، والتسلط، والذكورية في نفوسهم، أو زرع روح الخضوع، والذل، والضعف بداخلهم، إلى جانب شعورهم المطلق بالضعف، وفقدان الثقة بالنفس".

ويلفت الشاعر إلى أن هذه الصفات الذكورية، والمتسلطة لحد العنف منشؤها أنه "جاهلي، فهي عادات قديمة متأصلة في نفس الذكور منذ أن كانت ولادة البنات تمثل عاراً، وانتسابهن للرجال بمثابة العيب، وهو ما أحط من مكانة المرأة، وبقيت حتى ساعتنا هذه تعاني من هذا الوضع رغم تعاقب الأديان، والثقافات، وتشعب المجتمعات".

"زوجي ضعيف خارج البيت"

ربما كان حال أم كاظم (40 عاماً) ليس بأفضل من سابقتها، فزوجها ضعيف الشخصية خارج البيت، لكنه كثيراً ما يعنفها أمام أمه، وإخوانه معتقداً بذلك أنه يبرهن على رجولته وقوته.

لكن "المرة الأصعب" على حد قولها، عندما قررت حماتها ترك سلفها المختل عقلياً ذي السلوك العدواني لها لتتولى أموره، بعدما سكنت في بيت جديد.

وتتابع أم كاظم: "لما رفضت صار زوجي يضربني بمنتهى القوة مما أدى إلى كسر ذراعي، والتسبب بجروح في وجهي، فهربت منه، ولجأت لحماية الشرطة التي اعتقلته، ولكن للأسف مع ضغط أهلي، وأهله اضطرتت للتنازل عن الشكوى الموجهة ضده".

"لما رفضت صار زوجي يضربني بمنتهى القوة مما أدى إلى كسر ذراعي".

وتضيف: "أضاع أهلي كرامتي في كل مرة يرددون فيها: ظل رجل ولا ظل حيطة، ولما رجعت إلى بيتي من جديد، استقبلني زوجي قائلاً: بتلفي تلفي، وترجعي لي يا قليلة القيمة".

وتكمل: "أهل زوجي يصفونني بالمتمردة كلما اشتكيت لهم منه، كما أن أهلي عندما ألجأ إليهم يقولون لي: عيشي، واسكتي ما بدنا شمتا".

وتزيد: "ما بقي أمامي خيار سوى وضع أبنائي في معهد الأمل للأيتام، فهو أضمن على أرواحهم، وكفيل أن يعوضهم غياب الأب".

تقبُّل تسلُّط الرجل

في الإطار نفسه، تقول الناشطة النسوية أمل الشتوي لرصيف22: "نشأة المرأة العربية في مثل هذا المجتمع ذي الطباع الشرقية التي تدني من قيمة المرأة أثرت عليها فكرياً، فجعلتها تحط من قدر مكانتها، وثقتها بنفسها، وتتقبل الإهانة الذكورية، وتسلط الرجال عليها، وكأنه أمر طبيعي".

وتتابع: "المرأة لها دور أيضاً في تعرضها لمثل هذه المعاملة المهينة، فصمتها الدائم على تجاوزات الرجل، وإهانته لها أعطاه رخصة للتجاوز في التقليل من شأنها، وتعنيفها بمزيد من الاعتداءات الوحشية، والهمجية".

"كنت أتمنى أن تجمعني بأبي علاقة سوية كأي أب مع ابنته، والله لو كان طلب عينيّ لم أكن لأتأخر عنه؛ لكن مع الأسف، لم يجمعني به سوى الإهانة، والضرب، والكراهية"

كما تشدد على أن الأعراف والتقاليد المجتمعية لعبت دورها الكبير في "غسل دماغ المرأة، وإقناعها بأنها رقم اثنين، ولا ترتقي لمقارنتها بالرجل، فباتت الأمهات يربين بناتهن على أساس كونهن يحتللن المنزلة الثانية، فالأولى دائماً للذكور".

وتشير الإحصاءات إلى أن 29% من النساء اللاتي سبق لهن الزواج، أو متزوجات يعانين من العنف، أي ثلث النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، أما النسبة الإجمالية فهي 37%، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وعلى الرغم من وجود أكثر من 20 مؤسسة نسوية تعنى بحقوق المرأة في غزة، فإن الكثيرات معرضات لتسلط الرجال، والعنف الذكوري بنوعيه النفسي والجسدي، وهو ما يحتاج إلى وقفة حاسمة من الحكومة، والمؤسسات القضائية لسن القوانين التي تحمي المرأة من مثل هذه الأوضاع المهينة، إلى جانب ضرورة العمل على توعية الرجال بضرورة احترام المرأة، وكذلك توعية السيدات بسمو شأنهن، وآليات الدفاع عن أنفسهن عند تعرضهن للعنف الذكوري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard