شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رأس الرجاء الصالح أهم وأجمل من رأس السنة

رأس الرجاء الصالح أهم وأجمل من رأس السنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 28 ديسمبر 202012:35 م

حين كنت صغيراً، كانت السعادة تغمرني ليلة رأس السنة لأنني سأحظى بالكثير من الطعام اللذيذ والحلويات والمتعة في إشعال المفرقعات والسهر كما يحلو لي دون أن يلزمني أبي بالنوم في ساعة مبكرة.

في العشرينات من عمري، تغيّر الأمر، وأصبح رأس الرجاء الصالح في المحيط الأطلسي أجمل وأهم من رأس السنة، وحين تجاوزت الثلاثين أصبحتُ أكره هذا اليوم، وبعد تفكير وتحليل طويلين، اكتشفتُ أن سبب كرهي له مرتبط بعيد ميلادي الذي يأتي بعده بحوالي ثلاثة أسابيع تقريباً... وأنا لا أحب عيد ميلادي، ولا أحتفل به، وحدث أن نسيته مرتين، وأخفيته على فيسبوك كي لا يظهر للآخرين ويتمنوا لي عيداً سعيداً.

مسكين رأس السنة لأني أكرهه، مع أنه لم يقترف أي خطأ بحقي سوى أنه يذكرني باقتراب عيد ميلادي الذي أكرهه أيضاً لأنه يذكرني بأنّي كبرتُ عاماً إضافياً، واقتربت أكثر من الموت...

يقول دوستويفسكي: "لا تَكبر إنه فخ". حين قرأت هذه العبارة في بداية الشباب أحسست أنها عبارة لطيفة لا أكثر ولا أقل، ولم تترك أي شعور في داخلي. منذ عامين وأثناء مشاهدتي لأحد الأفلام السينمائية وردت هذه العبارة على لسان بطل الفيلم، ثم أتبعَها بعبارة أخرى لتولستوي تقول: "إن أكبر مفاجأة في حياة الرجل هي الشيخوخة". أحسست بالدهشة والعمق والألم في نفس الوقت، ولكن بطل الفيلم خفّف من ألمي حين قال: "الشيخوخة ليست للجبناء".

سأغادر عامي الثالث والأربعين بوزن واحد وستين كيلوغراماً، وطول 173 سنتيمتراً، ولحية مشى الشيب فيها آلاف الخطوات دون أن يصدر همسةً واحدةً، وحرب لم تنتهِ في بلادي حتى الآن...

سأغادره ورغبتي العارمة في الزواج لا زالت كما هي منذ سبع سنوات: أفرح حين أفكر بأنّي سأنجب ثلاث بنات وصبيين، أو أربعة بنات وثلاثة صبيان، طبعاً إذا وافقت زوجتي على ذلك... وسيرافقني في عامي الجديد حلمي بأن أشتري سيارة هوندا أكورد أو هيونداي سوناتا.

بعد عدة أسابيع، سأدخل بقدمي اليسرى عامي الرابع والأربعين، ولن يتغير شيء، وسأكبر عاماً إضافياً وأقترب أكثر من الموت. حتى أمي العجوز ستعيد بين الحين والآخر الكلام ذاته بخصوص زواجي: "أيمت رح تتزوج؟"، "لازم تتزوج"، "كل شباب الضيعة الأصغر منك صار عندهن ولاد"، "شفلك شي بنت وتزوجها والله أنا ما بقى بقدر أطبخلك وأغسلك". وسأجيبها ضاحكاً: "أنا لا أريد أن يطبخ لي أحد لأني أعرف القليل عن فن الطبخ، ولدي غسالة أوتوماتيك، وبالنسبة إلى الفتاة فقد وجدتُ مَن تحبني وأحبها ولكنها ليست من طائفتنا". ستهز برأسها وتقول: "البنات بطائفتنا أكتر من زهر الليمون وكل هالسنين ما عرفت تتجوز وحدي منهن؟!". وبعد نقاش طويل وشرح حول لماذا لم أتزوج من طائفتنا تقول لي: "أنت حرّ بأن تتزوج بمَن تريد، حتى لو كانت رقاصة من فرنسا... المهم بالنسبة إليّ أن تتزوج ولكن الأفضل أن تكون من طائفتنا"... فأضحك ونعود للنقاش مرةً أخرى.

"حالياً أحضّر نفسي لبطولة مستر أولمبيا، وبما أن اسمي رامي وبطل مستر أولمبيا لهذا العام كان لقبه ‘بيغ رامي’، سأكون بذلك قد قطعت نصف المسافة نحو البطولة، وبقي النصف الأصعب وهو إيجاد بديل لكلمة ‘بيغ’"

هذا العام، يمكنني القول وبكل ثقة إنني ما زلت أكره رأس السنة وعيد ميلادي، ولكن لأسباب مختلفة. لم أعد أهتم إنْ كبرت عاماً إضافياً واقتربت أكثر من الموت كما في السابق. فمع تفشي فيروس كورنا وما أحدثه من تغيير في كافة نواحي الحياة على مستوى العالم، كان لا بد لي من أن أتغيّر أنا أيضاً، وأبتكر أسلوبَ حياة جديداً يتماشي مع الوضع الراهن، فالفيروس قد يفتك بي في أية لحظة، ولا يوجد شيء على هذا الكوكب يمكن أن يمنع حدوث ذلك أو يحميني.

اليوم، أنا على قيد الحياة، وغداً قد أكون من بين الموتى، فلماذا لا أعيش يومي بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات وأصير بذلك منشغلاً إلى حد كبير بتفاصيل حياتي اليومية بدل التفكير في المستقبل والموت؟!

هذا التفكير دفعني لكي أغيّر نمط حياتي على الصعيدين الجسدي والنفسي. اتبعت نظاماً غذائياً صحيّاً، والتزمت بالتمارين الرياضية بشكلٍ يوميّ، وقمت بحراثة وزراعة أرضي، وقللت من عدد السجائر التي أدخّنها وغير ذلك. وانعكس الأمر بشكل إيجابيّ على حالتي النفسية.

"لا أنسى، كنوعٍ من المواساة، أن أفكر في أن الحياة تقوم في جوهرها على التعب والفرح، وللدقة أكثر على الكثير من التعب الذي يصعب إيجاد حلول له"

وبما أن السلوكيات الجسدية وحدها لا تكفي لتحقق الراحة النفسية كان لا بد لي من أن أجرّب عدة طرق وأساليب في معالجة الضغوط النفسية فمثلاً حين تصادفني مشكلة ما، أنظر لها من عدة جهات وأحاول أن أحللها وأبسّطها ثم أقوم بإيجاد حلٍّ لها أو أتقبلها وأتعايش معها...

هل كنت أنجح دائماً في ذلك؟ بالطبع لا وألف لا، فلو كان الأمر بهذه البساطة لكان أكثر الناس سعداء ومرتاحين نفسياً، ولكن أحياناً كنتُ أنجح في تخفيف وقع وحدّة هذه الضغوط عليّ، وفي مراتٍ قليلةٍ كنت أتغلب عليها.

فمنذ سنوات قمت بحلّ مشكلتي مع سيارة الأكورد الفخمة التي أتمنى اقتناءها من خلال إيجاد بديلٍ وهو سيارة بيك أب، موديل 1967، في الشتاء يدخل الهواء منها من كل جانب، وفي المطر الغزير يتسرب القليل من الماء إلى داخلها، وليس فيها وسيلة للتدفئة ولا مسجلة وتتعطل كثيراً. ولكن حبيبتي تحبها وهي تكفينا لنذهب بها مشاويرنا.

وحين فكرت بأني قد أصاب هذا العام بفيروس كورنا وأموت على الفور ذكّرت نفسي بأنني منذ عشر سنوات، أنا وملايين السوريين، معرضون في أية لحظة لأن نموت بالصدفة بسبب طلقٍ ناريٍّ عشوائيٍّ، أو قذيفة هاون أو تفجير ما...

وحين أُغلقت نوادي الرياضة بسبب فيروس كورنا، قمت بممارسة الرياضة في المنزل مستخدماً القليل من المعدات الرياضة البسيطة، وحالياً أحضّر نفسي لبطولة مستر أولمبيا، وبما أن اسمي رامي وبطل مستر أولمبيا لهذا العام كان لقبه "بيغ رامي"، سأكون بذلك قد قطعت نصف المسافة نحو البطولة، وبقي النصف الأصعب وهو إيجاد بديل لكلمة "بيغ".

أعلم بأن إيجاد بديل لهذه الكلمة ليس أمراً سهلاً ولكني واثق بأني سأجده. أما بالنسبة إلى التدريب والنظام الغذائي وما شابه، فهذه أمور ثانوية يمكنني التعامل معها بسهولة...

بهذه الطريقة، أعالج هذه النوعية من الضغوط التي تواجهني، ولكن حين تصادفني على سبيل المثال حالة مرضٍ لأحد أفراد أسرتي مترافقةً مع ضائقة مالية وعدم قدرة على تأمين مستلزمات الحياة اليومية الضرورية أقوم بمعالجة الأمر بطريقة مختلفة وبدون حاجة إلى التفكير، لأنه في هذه الحالة لا يوجد حل سوى الشعور بالتوتر والقلق والانزعاج، وثم تأتي مرحلة البحث عن حلّ ما، وفي أغلب الأحيان لا أجده فأعود مرةً أخرى إلى التوتر والقلق والانزعاج مع زيادةٍ في التدخين وعدم رغبةٍ في الطعام.

وفي ظلّ كل ذلك، لا أنسى، كنوعٍ من المواساة، أن أفكر في أن الحياة تقوم في جوهرها على التعب والفرح، وللدقة أكثر على الكثير من التعب الذي يصعب إيجاد حلول له.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard