شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مآسينا صارت مملّة... هذا ما تقوله لنا شركات الإنتاج السورية

مآسينا صارت مملّة... هذا ما تقوله لنا شركات الإنتاج السورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 12 ديسمبر 202012:30 م

مسلسل "ألعابنا المُرّة"/ الحلقة الثانية/ المشهد 79.

المكان: مقهى عام/ نهاري داخلي.

الشخصيات: كتّاب المسلسل يجلسون على طاولة عليها بعض المشروبات ويتناقشون في ما بينهم.

ـ رامي: يعني واضح إنو عم نأسس الشخصيات كرمال نحكي عن فترة الحرب، بكرا رح ينرفض هاا.

ـ ماهر: وين المشكلة؟ ما هاد الواقع ولازم نحكي عنو!

ـ زياد: بديهي نكتب عن فترة الحرب.

ـ رامي: بعرف بديهي، بس ما ظل حدا وما كتب عنها. نحنا شو رح نضيف؟

ـ ماهر: الإضافة هيي طريقة الطرح. يعني نحنَ ما رح نحكي عن الحرب بشكل مباشر.

ـ زياد: رح نحكي عن تأثير الحرب عالناس. ما رح يكون ولا مشهد فيه رصاص مثلاً.

ـ رامي: وإذا ما كان في مشاهد بتصوّر الحرب، شو هالإضافة العظيمة؟

ـ ماهر: أبو الريم كيف يعني شو هالإضافة! الحوار بيفرق، أسلوب الطرح بيفرق...

ـ زياد: طريقة الكتابة بتفرق.

ـ رامي: أنا حاسس إنو هالمسلسل رح ينرفض.

ـ ماهر: ليش لينرفض؟

ـ رامي: الناس ملّت. ما حدا إلو خلق يرجع يتذكر. الناس بدها تنسى، بدها ترجع تعيش.

ـ زياد: ما فيك تصير بلا ذاكرة. ما فيك تلغي سنين الحرب من ذاكرة الناس وتقعد تهرّج قدامون كرمال ينسو. هيك بتكون عم تئذيهون أكتر ما تنفعون.

ـ رامي: يا شباب في شي اسمو بزنس. موضوع الحرب السورية صار مستهلك بعالم شركات الإنتاج السورية. والناس ملت. فهموني شوي. بالنسبة إلي كتير أنا حابب يلي عم نكتبو، بس شركات الإنتاج ما بدا هيك شي.

ـ ماهر: شو يعني منكتب مسلسل تركي مثلاً من أبو الميتين حلقة كرمال يرضو علينا؟

ـ رامي: لا ما قلت هيك بس كمان ما نكتب هيك.

ـ زياد: كيف يعني؟!

ـ رامي: يعني الحرب خليها تكون بالتلميح من بعيد كتير، وبلا ما نحكي كتير عن انعكاساتها على المجتمع السوري.

ـ ماهر: الحرب خط صغير كتير رح يمشي من أول المسلسل لآخره. هُوِّي كخط ما رح يكون أساسي. رح ينسيه المشاهد بعد كم حلقة من المسلسل.

ـ زياد: بس تأثيره هوي يلي رح يظل. بس هيك.

ـ رامي: طيب خلونا نكتب خمس حلقات ونعرضه عَ شركات الإنتاج ونشوف شو رح يصير. ليكو إذا رفضوه بدكن تشتغلوا من وجهة نظري.

ـ زياد: شو يعني؟

ـ رامي: ما في حرب، منكتب متل ما بدهن شركات الإنتاج لأن بدنا مصاري لنعيش. نسيتو قديش علينا ديون والتزامات؟

ـ زياد: أنا لو سددت كل ديوني عمري ما رح إنسى.

ـ ماهر: على كلٍّ خلونا نخلص للحلقة الخامسة ونعرضو عالشركات وبعدين منتناقش معك يا أستاذ رامي. وعلى فكرة، أنا مو نسيان ديوني.

قطع

جولة على شركات الإنتاج

حدث ذلك منذ حوالي ثلاث سنوات. كتبتُ بالمشاركة مع اثنين من أصدقائي مسلسلاً يتحدث عن الحب والحرب. وبعد الحلقة عشرين قررنا أخذ استراحة لمدة عشرة أيام سافرت خلالها من اللاذقية إلى دمشق ومعي خمس حلقات وملخص عن المسلسل، وبدأت جولتي على شركات الإنتاج.

"هل يمكن اعتبار الحديث عن موت مئات الآلاف وتشرد وهجرة ملايين السوريين تهويل وتضخيم؟! حين نقول إن القمح لم يعد متوفراً، وأصبح من الصعب الحصول على ربطة الخبز... هل يُعتبر قولنا هذا تضخيماً للحدث الصغير؟"

استطعت الدخول لمقابلة بعض أصحاب هذه الشركات، وكنتُ، بمجرد أن أقول: "المسلسل يتحدث عن الحرب بشكل غير مباشر وفيه قصة حب..."، أتعرض للمقاطعة: "للأسف لم يعد هنالك سوق لما يكتب عن الحرب السورية، الجمهور أصيب بالملل. اكتب شيئاً آخر عن الخيانات الزوجية مثلاً أو مسلسل بوليسي، واجعل بعض أحداثه تجري في بيروت أو دبي من أجل التسويق".

هنالك شركة واحدة قبلت أن تشتري المسلسل ولكن بشرط ألّا تدفع إلا أجر خمس الحلقات، وفي حال حقق المسلسل نجاحاً تدفع باقي المبلغ!

واحد من أصحاب الشركات قال لي: "الجمهور خارج سوريا لكثرة ما شاهد من أعمال عن الحرب السورية لم يعد مهتماً ولا راغباً بأن يتابع أي عمل من هذا النوع، وكثيرون يرون أننا نهوّل ونندب من أجل الحصول على استعطاف الآخرين، وكأننا البلد الوحيد الذي يعاني من الحرب"، ثم ختم حديثه بالقول: "لقد سافرت إلى العديد من الدول والتقيت بعدد من أصحاب شركات الإنتاج والمحطات التلفزيونية، البعض قال لي: أنتم السوريون أصبحتم تبالغون بتصدير الأزمة الداخلية في أعمالكم الفنية وكل حدث مهما كان صغيراً تضخمونه وينطبق عليكم المثل القائل ‘يصنع من الحبة قبة’".

ما هي القبة؟!

خرجت من عند صاحب الشركة محبَطاً وعدت إلى اللاذقية، وطوال الطريق كنت أفكر: هل حقاً أصبحنا نصنع من الحبة قبة دون أن ننتبه؟! هل حديثنا عن الحرب وآثارها السلبية ومفرزاتها على كافة الأصعدة النفسية والاقتصادية والاجتماعية هو في الحقيقة بحجم حبة السمسم ونحن نضخمه ليصبح بحجم صخرة تزن عشرات الأطنان؟!

ـ الناس ملّت. ما حدا إلو خلق يرجع يتذكر. الناس بدها تنسى، بدها ترجع تعيش
ـ ما فيك تصير بلا ذاكرة. ما فيك تلغي سنين الحرب من ذاكرة الناس وتقعد تهرّج قدامون كرمال ينسو. هيك بتكون عم تئذيهون أكتر ما تنفعون

نحن لسنا الوحيدين الذين تعرضوا لحرب قاسية بهذا الشكل. فمثلاً، هنالك الحرب الأهلية في لبنان ورواندا وإسبانيا وغيرها الكثير.

ولكن هل يمكن اعتبار الحديث عن موت مئات الآلاف وتشرد وهجرة ملايين السوريين تهويل وتضخيم؟! حين نقول إن القمح لم يعد متوفراً، وأصبح من الصعب الحصول على ربطة الخبز، والأدوية وحليب الأطفال مفقودان وإنْ وجدا فسعرهما باهظ، وأجور وسائط النقل ارتفعت ولا يوجد كهرباء ولا وقود للتدفئة، وكل السلع والمواد الغذائية ارتفع سعرها بشكل لا يتناسب مع دخل الفرد وغير ذلك الكثير... هل يُعتبر قولنا هذا تضخيماً للحدث الصغير؟

إذا كان كل هذا حبة فما هي القبة يا ترى!؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard