شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الضرب في الميت حرام"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 8 ديسمبر 202012:20 م

لم يكن أحد على دراية بالواقع الذي حملته له هذه السنة، بداية 2020 كانت تحمل آمالاً وطموحات لا يمكن لأحد أن يوقفها، نحن ننهض شيئاً فشيئاً من رماد سكن معنا على مدى سنين، نحاول بما تبقى لدينا من جهد أن نسير في طريقنا المخطط له منذ مدة طويلة.

لم أفهم ليومنا هذا كمية السوء الذي نلقاه، لم يعد هذا السوء يأتينا من مصدر واحد فقط وإنّما تعددت أماكن إرساله لنا، على مدى سنة واحدة لم نتمكن من النهوض ولو لعدة أيام متتالية، كلما استرجعنا ذكرياتنا وخطة العام الذي بنيناها وجدنا أننا في مكان مختلف تماماً.

"الضرب في الميت حرام"، هو مثل شعبي منتشر في منطقتنا العربية يقال بمعنى عدم الاستمرار في ضرب الميت معنوياً بمواقف وقرارات والعديد من الأشياء التي ترهقه أكثر، لأن هذا الميت من الممكن أن يصحو في يوم ما ليتابع حياته.

هذا المثل لم يفهمه أي جزء من المحيط الخاص بنا، لم تفهمه حكومتنا، لذلك استمرت في ضربنا بقراراتها التي لم تخدم أي طموح لنا لهذه السنة وإنّما جعلت منّا مجتمعاً يعيش كل يوم بيومه فقط. وبالاتجاه نفسه سلكت كافة الدول الأخرى عبر محاصرتنا بعقوبات جعلت من كل ما يخص معيشتنا أمراً صعباً ليس بمقدرتنا التعامل معه، ولم نكن يوماً نعتقد أن يكون كذلك ضمن أي سيناريو وضعناه، ولم يفهم ما نمر به فايروس كورونا فأتعبنا وكأننا نستطيع اتخاذ السلوك المناسب مع الأوضاع الطارئة، لم يفهموا أننا في وضع طارئ منذ فترة زمنية طويلة ولم نستطع التعامل معه حتى يومنا هذا. 

لم تنتهِ أزماتنا ومشاكلنا، وكذلك لم تتحقق أحلامنا وخططنا، لم ألتقِ بشقيقتي التي سافرت ولا بصديقتي المقيمة في ألمانيا، لم أرَ بيروت للمرة الأولى، ولقد أجلت قبلتي الحقيقية سنة أخرى

تأتينا الأخبار السيئة من كل مكان في هذه السنة، كانت أعداد الوفيات أضعافاً مضاعفة مقارنةً بالسنين السابقة إذ كان للحرب الدور الأكبر في حصد الأرواح وخطف أعمار الناس، ولكن هذه السنة تنوعت أسباب الوفاة؛  أمراض، أزمات... الاختلاف الوحيد كان هو تدني أعمار الوفيات، لم نكن يوماً من الأيام نلجأ للانتحار بالكثافة التي نفكر بها ونفعلها اليوم، انكسارات وخيبات أينما ذهبنا، لعل ما خفف عنّا هذا السوء قليلاً هو أنّه في فترة من الفترات تشاركنا في هم واحد مع كل دول العالم ولكن بالطبع في ظل ظروف مغايرة تماماً.

لقد ظهرت العشوائية بشكل واسع خلال هذه السنة، لم نستطع الانضباط في أي مخطط، دائماً هنالك حدث طارئ يجعل منك في اختبار مدى مقدار المرونة الذي تتمتع به لكيلا يترك تأثيراً كبيراً في خططك. خلال هذه السنة قد بدّلت مخططاتي في الشهر الواحد ما يقارب ثلاث مرات، كل تفصيل مهما بدا صغيراً كان قادراً أن يحدث الفرق.

لم تنتهِ أزماتنا ومشاكلنا، وكذلك لم تتحقق أحلامنا وخططنا، لم ألتقِ بشقيقتي التي سافرت ولا بصديقتي المقيمة في ألمانيا، لم أرَ بيروت للمرة الأولى، لقد أجلت قبلتي الحقيقية سنة أخرى، رفضت أغلب فرص العمل التي وردتني خارج هذه البلاد بسبب فحص الـ PCR، لم تتوقف الأمبيرات والبطاريات في رفدنا بالضوء لممارسة أعمالنا هذه السنة أيضاً، استمر ضوء الشمعة في أن يكون أحد حلولنا ضمن هذا العام كذلك، لم تتوقف والدتي عن الاطمئنان على صحتي عند كل تسمم كحولي يصيبني، وهي تثق كل الثقة في كل مكالمة تجريها معي أنني سأسمع كلامها وأتوقف عن شرب الكحول.

خلال هذه السنة لم نفقد الأماني فقط ولكننا فقدنا الانتماء للمكان الذي كان في يوم ما أحد حلولنا الإسعافية عند كل مشكلة تواجهنا، كذلك فقدناه تجاه المكان وسكّانه، أضواؤه أصبحت عبئاً ثقيلاً علينا، تفاصيله لم تعد سوى هموم جديدة تلقى فوقنا، أصبح هنالك سقف لكل أفكارنا وكان للأسف سقفاً قليل الارتفاع.

رغم كل هذه الظروف لم نبخل يوماً في الأمل، في مثل هذا الوقت من السنة الماضية كنّا نحلم ونتمنى ونرسم الخطط للسنة هذه، ونحن اليوم ندخل الشهر الأخير في هذه السنة ونبحث عن الولادة الحقيقة، ننتظر المنفذ الوحيد الذي سيجعل منّا في أوج سعادتنا، نقف من جديد نزيّن شوارع دمشق القديمة بأضواء عيد الميلاد. يشارك في الزينة كل سكان هذه البلاد، نتشارك من خلالها أمانيهم وأحلامهم في بقعة جغرافية تليق بهم كأبناء أقدم الحضارات، يرمون كل سيئات معيشتهم في حفرة تشبه القبر، متمسكين بنافذة يدخل منها ضوء كرامتهم بحياة خالية من هموم طوابيرهم وبأيام تحمل خططهم دون زيادة أو نقصان.

لم تتوقف والدتي عن الاطمئنان على صحتي عند كل تسمم كحولي يصيبني، وهي تثق كل الثقة في كل مكالمة تجريها معي أنني سأسمع كلامها وأتوقف عن شرب الكحول

نعيش شهراً واحداً في هذه السنة ونحن نستقبل فيه كل الأخبار في حالتيها الإيجابية والسلبية بكل قوة، نرمي بكل ما حملت لنا هذه السنة بعرض الحائط، في هذا الشهر نعيش فقط لنحلم، نمسك واقعنا وندخل في أدق تفاصيله ونبني خططاً مستقبلية تقوم على النجاح والحياة الكريمة فقط لا غير.

نشتري دفاتر الأبراج ونقرأها، نستمع لتوقعات المنجمين الكاذبة ولو صدقوا، نحيط أنفسنا بكل كلمة جميلة نستطيع أن نسمعها، وكل خبر مفرح نحصل عليه، هذا الشهر هو أكثر شهور السنة ثباتاً لنا، لم تختلف طقوسه منذ بداية الحرب حتى اليوم.

نمشي في الطريق الذي وضعناه لأنفسنا ونحن في قمة التأكد من أنّه حتى لو تأجلت أحلامنا لسنة أخرى فلا خوف علينا، إذ مهما بلغ السوء من شدة فسنحققها يوماً ما.

هذا هو شهر دمشق الوحيد، لا غريب في أن تبهرنا خلاله في كل سنة، تبدو فيه دمشق رغم كل حزنها وزحمة شوارعها الملجأ الوحيد لنا، تدعونا فيه وحده للأمل ونحن منذ ولادتنا لا نرفض دعوة دمشق أبداً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard