شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"متخافيش"... لأن عبء مواجهة التحرش لا ينبغي أن يكون مسؤولية الفتاة وحدها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 نوفمبر 202002:05 م

"كنت تايهة وأنا مجرد طفلة عمرها 8 سنين، وطلبت من شخص كبير يساعدني. فجأة أخدني مكان ضلمة ودخّل إيده تحت هدومي وبدأ يلمس جسمي. مكنتش فاهمة إيه بيحصل ولا أعرف يعني إيه تحرش بس عارفة أن دا مش مفروض يحصل".

واحدة من آلاف -وربما ملايين- حالات التحرش الجنسي التي تحدث يومياً في مصر، كانت ضحيتها صديقة سلمى مدحت شعبان (22 عاماً)، روتها لها وهي صغيرة وأثرت فيها بشدة لدرجة أنها "خلّت (جعلت) مخي كبر وأنا طفلة وكبرت وأنا بتمنى دا ميحصلش لأي حد تاني".

في تموز/ يوليو الماضي، نشط حراك لمواجهة التحرش الجنسي في البلاد على خلفية الكشف عن عدة حوادث صادمة، أبرزها اتهام طالب الجامعة الأمريكية أحمد بسام زكي بالتحرش بنحو 100 سيدة وفتاة أو اغتصابهن.

أحيا الحراك رغبة سلمى في إيجاد طريقة لمساعدة مواطناتها لمواجهة هذه الظاهرة المتفشية بكثرة. رغم عدم وجود إحصاء دقيق عن التحرش في مصر، خلصت دراسة ممولة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع جهات حكومية، عام 2013، إلى أن معدل التحرش الجنسي بالنساء مرتفع جداً، بحسب 99.3% من عينة الدراسة.

شجّع سلمى وشاركها التفكير في حل للتحرش، صديقها أحمد ريحان (23 عاماً)  بسبب "كثرة الحكايات اللي سمعتها من بنات أعرفهم" بعدما "أدركت أد إيه المشكلة كبيرة وقريبة من كل بنت وست في حياة كل واحد فينا، لدرجة أني بقيت دايماً قلقان علي الناس اللي بحبهم. وقررت أكون جزء في تغيير الوضع البشع ده"، وفق ما ذكره لرصيف22.

"متخافيش"... شابان مصريان يبتكران تطبيقاً جديداً لمواجهة التحرش الجنسي في البلاد وإشراك المجتمع في دعم الناجيات بعد إنهاء "الإنكار" و"الوصمة" المرتبطين بالمشكلة برسم "خريطة تحرش"

حل مبتكر نابع من احتياجات الناجيات

انطلاقاً من تلك الرغبة والشعور بالمسؤولية والخطر، بدأ الثنائي في التفكير كيف يمكنهما تطويع تخصصهما التقني، بعدما حصلا هذا العام على شهادة الهندسة في مجال الكمبيوتر من الجامعة الألمانية بالقاهرة، لخدمة جميع المصريات في مواجهة التحرش ودعمهن بطريقة مبتكرة وآمنة.

كانت النتيجة تطبيق "متخافيش" (أي لا تخافي) الذي أُطلق أول مرة لأجهزة أندرويد في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، مع توقع بأن يكون متاحاً عبر أجهزة آيفون خلال أسبوعين. الشكل النهائي للتصميم هو نتاج ست محاولات كانت تتغير كل مرة تبعاً لـ"احتياجات البنات". أجرى أحمد وسلمى أكثر من 300 مقابلة مع نساء وفتيات لمعرفة طبيعة الخدمات التي هن بحاجة إليها للشعور بالاطمئنان أثناء الوجود في الأماكن العامة أو حال تعرضهن لحوادث تحرش.

قبل "متخافيش"، كانت هناك محاولات لتصميم تطبيقات غرضها مساعدة الفتيات وحمايتهن من التحرش. لكن غالبيتها لم تجد صدىً لأنها لم توفر لهن درجة مناسبة من الأمان سواء في شأن سرية البيانات الشخصية أو الخدمات الأنسب لمعالجة الظاهرة.

قالت سلمى لرصيف22 إن الهدف من المقابلات العديدة مع النساء كان التعلم من أخطاء الآخرين والوصول إلى الصورة المُثلى للتطبيق الذي تحتاجه الفتيات في هذا الصدد. وهي تشدد على أن "سرية بيانات المستخدمة كانت أولوية قصوى أثناء تصميم التطبيق وستظل".

يوفر هذا التطبيق أربع خدمات رئيسية توفر الدعم "النفسي والقانوني والمجتمعي" للنساء، يشرحها أحمد قائلاً: "أول خدمة هي ‘خريطة التحرش‘ التي تضم كل أماكن مصر. تقوم الناجيات بالدخول إليها عبر التطبيق وتحديد المنطقة التي تعرضن فيها للتحرش مع تحديد نوعه (نقطة صفراء تعني التحرش اللفظي، والحمراء للجسدي، والزرقاء للتحرش بالعين، وبنفسجية لأي نوع آخر)".

أهمية هذه الخريطة هي أنها ترسم صورة واقعية للمناطق التي تشهد كثافة في حوادث التحرش في ظل غياب إحصاءات دقيقة عن الظاهرة.

توضح سلمى: "نسعى إلى وضع خريطة تعكس كثافة حالات التحرش في كل مكان داخل مصر بحيث يمكن لأي بنت قبل الذهاب إلى مكان لأول مرة مثلاً أن تستعين بها للتحقق ما إذا كان آمناً أو هي بحاجة إلى الحذر". 

وتتابع: "في الوقت نفسه، قد يساعد هذا مؤسسات الدولة والجهات المعنية بحماية المراة على تحديد المناطق التي تحتاج إلى جهد أكبر في توعية سكانها وتوفير سبل الحماية للمرأة فيها ضمن الإستراتيجيات التي تعالج انتشار التحرش".

يوفر التطبيق لمستخدماته الدعم النفسي والقانوني بأقل تكلفة ممكنة، علاوةً على إمكانية "الاستغاثة" بأشخاص موثوق بهم من معارفهن أو أقاربهن حال التعرض لخطر التحرش، وإرسال بيانات تتبع موقعهن لهم كي يتمكنوا من الوصول إليهن ومساعدتهن

كل ما على الفتاة أو السيدة فعله للمساعدة في رسم هذه الخريطة هو الدخول إلى التطبيق ووضع نقطة توضح نوع التحرش الذي تعرضت له في المكان الذي شهد الواقعة من دون أي إشارة على هويتها. "حتى القائمون على التطبيق لا يستطيعون  معرفة هوية المستخدمة التي أضافت النقطة التي توضحها تجربتها"، شدد أحمد.

الخدمة الثانية هي "الدعم القانوني"، والثالثة هي "الدعم النفسي". بكبسة واحدة تحدد الفتاة أي نوع من أشكال الدعم التي تحتاجها وخلال دقائق يتواصل معها شخص متخصص "على درجة عالية من الثقة".

يجري أحمد وسلمى مقابلات مكثفة مع المحامين والأطباء النفسيين قبل الاختيار من بينهم الأشخاص الذين سيوصي بهم التطبيق لمستخدماته. كما يبحثان في السيرة الذاتية وتجارب الأشخاص مع هذه الأسماء المقترحة جيداً "لأن الناجية من التحرش تكون في أضعف حالاتها وقت طلب الدعم ونحتاج أن نطمئن إلى أن الشخص الذي سنرشحه لها لن يستغلها بأي شكل". وكان قد وُجّهت أصابع الاتهام إلى أطباء نفسيين ومحامين ضمن حالات التحرش الجنسي التي افتضحت حديثاً في مصر.

في حين أن التطبيق مجاني تماماً. ستكون خدمة الدعم النفسي أو القانوني مقابل رسوم مخفضة، مع استثناءات لتقديم المشورة العاجلة مجاناً في بعض الأحيان.

وعلاوةً على الدعم النفسي المتخصص، سيتيح التطبيق للناجيات فرصة اختيار شكل آخر للدعم عبر حلقات أو جلسات الدعم النفسي الجماعي التي تروي فيها الناجيات تجاربهن لإفادة الأخريات تحت إشراف متخصص.

إشراك المجتمع في المواجهة

خاصية "الاستنجاد" هي الخدمة الرئيسية الثالثة التي سيوفرها التطبيق لمستخدماته. في السابق، كانت هناك تطبيقات تمكن الفتاة من الاستغاثة بأشخاص قريبين من المحيط الذي تواجه خطر التحرش فيه. لكن لأنهم لم يكونوا معروفين أو موثوقاً بهم للفتيات لم تجد الفكرة إقبالاً واسعاً.

هذه المرة، يوفر "متخافيش" الفرصة للفتاة أن "تحدد دائرة ثقة مكونة من أربعة أشخاص من معارفها أو أقاربها كحد أقصى ليتم الاستعانة بهم في حالة الخطر عبر ضغطة واحدة"، قال أحمد مضيفاً أن التطبيق سوف يرسل إلى الأشخاص الذين تتم الاستغاثة بهم بيانات تتبع موقع المستخدمة ليتمكنوا من الوصول إليها في أسرع وقت ممكن وإنقاذها.

تمثل هذه الخاصية "الدعم المجتمعي" الذي تراه سلمى ضرورياً الآن أكثر من أي وقت مضى لأن "عبء مواجهة التحرش لا ينبغي أن يكون مسؤولية الفتاة وحدها".

"الخريطة مهمة جداً لوقف الإنكار والسكوت عن التحرش أو حتى الظن أن الفتاة حين ترتدي ملابس ‘محتشمة‘ قد تكون بمأمن من التحرش، وكذلك إنهاء الوصمة التي تجعل من الصعب الوصول إلى إحصاء دقيق لحجم المشكلة. أما الدعم المجتمعي المتمثل في ‘نجدة‘ الفتاة، فهو النتيجة المترتبة على هذا الوعي المراد"، قالت سلمى.

واستطردت: "لسّه موصلناش لمرحلة أن فيه وعي ومحتاجين بس نحل المشكلة؛ إحنا محتاجين نعمل الاتنين؛ ندعم البنت ونوعي الشعب، ودا اللي بيوفره ‘متخافيش‘".

"كنت تايهة وأنا عمري 8 سنين، وطلبت من شخص كبير يساعدني. فجأة أخدني مكان ضلمة ودخّل إيده تحت هدومي وبدأ يلمس جسمي"... تطبيق جديد في مصر يرسم "خريطة تحرش" للمناطق "الحمراء" التي ينبغي للمرأة الحذر قبل الذهاب إليها

أكثر من تحرش

جانب مهم في تكوين هذه الخريطة أشارت إليه سلمى. طلب حساب "متخافيش" عبر فيسبوك من النساء والفتيات إرسال قصصهن مع التحرش لمعرفة مدى استعدادهن للمشاركة في وضع حد لهذه المشكلة. خلال ساعات، وردت أكثر من 100 قصة لفتيات يروين باستفاضة قصصاً مخيفة. 

استشفت سلمى من ذلك أن "الفتاة إذا ضمنت سرية البيانات، ستكون مستعدة تماماً أن تحكي وتوعّي غيرها بخصوص التحرش أملاً أن تنتهي المشكلة، حتى إذا تطلب تحقيق هذه الغاية منها بذل وقت وجهد".

وكذلك "أن المشكلة حاضرة في أذهان الفتيات والنساء وليست مجرد تجربة وانتهت".

أكثر قصة مؤلمة وردت إلى الحساب، بحسب سلمى، كات لفتاة تعرضت وهي طفلة "احالة إرهاب نفسي وانتهاك جسدي شيطانية" كما تصفها. خلال صعود الطفلة سلالم منزلها تعقبها شخص واتهمها أنه رآها تسرق وهددها بإبلاغ أهلها إذا لم تتركه "يفتش" عن الشيء المسروق في ملابسها. 

صرّحت الفتاة: "كنت منهارة وأقسم له أني لم أسرق أي شيء ولا أعرفه. لكنه أدخل يده في ملابسي وكان يتحسس المناطق الحساسة بعنف وأنا لا أملك إلا البكاء والخوف". قالت سلمى إنها قاوم تمشاعرها في الكثير من القصص الأخرى التي وردت إلى حساب التطبيق لتكون قادرة على المضي في عملها باحترافية، مبرزةً أنها "عجزت تماماً عن تجاوز هذه القصة".

يُذكر أن التطبيق لا يوفر حالياً سوى خاصية الإضافة إلى "خريطة التحرش"، بينما ستتم إضافة بقية الخدمات تباعاً ويرجع بطء خطوات تطوير التطبيق إلى أن أحمد وسلمى يعتمدان كلياً على جهودهما وعلى التمويل الذاتي. وهما يأملان أن يتمكنا من الحصول على دعم مالي من مستثمرين أو عبر الإعلانات مستقبلاً.

واحدة من خطط الثنائي التقني تطوير التطبيق ليكون قادراً على تقديم الدعم لجميع الشرائح التي تتعرض للتحرش في مصر، بما في ذلك الأطفال والرجال. 

قال أحمد: "5 % من حالات التحرش التي أرسلت إلينا كانت من ذكور. لكن لمحدودية مواردنا لم يكن ممكناً أن نغطي التحرش بالرجال لأنه يفرض احتياجات مختلفة تتطلب صياغة مغايرة للخدمات وخيارات الدعم".

وتمنت سلمى ختاماً: "أن يكون التطبيق مفيداً للبنات، خصوصاً إذا ساعدننا في رسم خريطة للتحرش كي نتمكن من إحداث تغيير على أرض الواقع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard