شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"عاهرات بيحسدونا ويسرقونا"... صورة لعاملات المنازل في خيال "الطبقة الوسطى"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 29 نوفمبر 202002:42 م

تحبّ أن تعرّف نفسها بأنها ناشطة نسوية ذات خبرة كبيرة في العمل الأهلي لخدمة الفئات المهمشة، وخاصة المرأة، الكاتبة إيمان بيبرس، مؤلفة كتاب صدر أخيراً بعنوان "الشغالات وأنا".

تصف إيمان "عاملات المنزل" اللواتي قابلتهنّ (سواء لإنجاز الكتاب أو ممن عملن على تنظيف منزلها) بأنهنّ مُهمَّشات من مناطق فقيرة، تعرَّضن لأعمال عنف من أزواجهنّ، واضطهاد من المجتمع، بالإضافة إلى اختبارهنّ تجارب قاسية، مثل: الزواج القسري، والتحرش الجنسي، والتمييز.

وتشدّد على أنّها عاينت وعايشت الواقع المزري لأولئك السيدات، رغم إضمارهن لـ"الحقد"  تجاه قطاعات المجتمع التي تربّحت في أجواء الانفتاح الاقتصادي التي أجراها الرئيس السادات في سبعينيات القرن المنصرم.

"الشغالات يحسدونا"

تقول بيبرس لرصيف22: "السيدات المهمشات ينظرن إلى كل من يعيش بشكل حياتي معين على أن ما يتمتع به هو نتيجة تربّحه على حسابهنّ، ممَّا أفرز نوعاً من الحقد كما في قصة هويدا بالكتاب، والتكبّر على المهن الحرفية، حتى ولو كانت تدر دخلاً أكبر كمهنة زوج جيهان".

يلاحظ في كتاب بيبرس الكثير من الأحكام الأخلاقية الجاهزة، والتي تعكس نظرة الفئات الاجتماعية الميسورة للشرائح الاجتماعية الأشد فقراً، فتارة تصف عاملات البيوت بأنهن "حاقدات"، وتارة "خائنات للأمانة"، وتارة أخرى "سارقات"، دون الحديث عن الظلم الاجتماعي الذي يرزحن تحت وطأته بفعل السياسات الاقتصادية التي أهملتهن، ولكنها من ناحية أخرى أبرزت دور العنف وتأثيره على حياتهنّ.

طلبت منها ذات مرة أطباقاً وملاعق للطعام، الزائدة عن حاجتها، ولكن طلبها هذا دفعها لإنهاء عملها معها، كعاملة في المنزل، تقول: "كانت نظراتها مليئة بالحقد، والكره والغيرة الزائدة".

تحكي إيمان عن إحداهن، عزيزة، عملت وهي صغيرة في الدعارة، بإيعاز من أحد أقاربها، لكنها هربت من هذه الجحيم، وكانت هي الوحيدة التي لم تطلب منها شيئاً طوال فترة عملها معها، إلى أن كشف صديق زوجها أمرها أمامها، فلم تستطع الدفاع عنها، والإبقاء عليها في عملها، حفاظاً على "سمعة المنزل".

وترى بيبرس، وهي المديرة الإقليمية لمنظمة أشوكا العالمية في الشرق الأوسط، ورئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، أنه لم يكن بمقدورها الدفاع عن "عزيزة" تماشيًا مع قيم المجتمع المصري وأخلاقياته، لأنها "عاهرة" على حد وصفها.

أما حكاية هويدا، بحسب إيمان بيبرس، فهي فتاة ترعرعت في منطقة عشوائية بضواحي العاصمة، القاهرة، لوالد "عربجي" وأم أمية، وقد قضت طفولتها في منطقة بلا مياه أو صرف صحي، بمنزل من طين، مثل الذي هربوا منه في الصعيد، المنطقة الجنوبية التي تنحدر عائلتها منها.

تزوجت هويدا من رجل يعمل بالسباكة، بالكاد يتدبر أمور البيت المادية، والتقت بيبرس مصادفة أثناء إجراء الأخيرة بعض الأبحاث.

عرضت هويدا أن تعمل معها في أبحاثها بمقابل مادّي، لذا وصفتها بيبرس بـ "الطموحة، التي تصمم على أن يكمل أولادها تعليمهم من خلال عملها على زيادة دخلها".

وبعدما أنجزت هويدا مهامها في المساعدة بأبحاث بيبرس، عرضت الأخيرة عليها أن تعمل لديها في منزلها، فوافقت.

ورغم أن صاحبة كتاب "الشغالات وأنا" تعترف أنها لا تستطع لوم هويدا، لأنها طلبت منها ذات مرة أطباقاً وملاعق للطعام، الزائدة عن حاجتها، ولكن طلبها هذا دفعها لإنهاء عملها معها، كعاملة في المنزل، تقول: "كانت نظراتها مليئة بالحقد، والكره والغيرة الزائدة".

حكاية جيهان

جيهان، إحدى العاملات في منزل بيبرس، تعرفت الأخيرة عليها في إحدى المناطق العشوائية في القاهرة، وعلمت أنها متزوجة من رجل يضربها نهاراً ومساءً، في الشارع والبيت ولدى البقال، وهو بالكاد يكسب خمسة وثلاثين جنيهاً، لا تكفي لتغطية مصاريف البيت، تأكل وجبة واحدة رفقة بناتها الثلاث في اليوم، وترى بيبرس في جيهان كذلك "خائنة للأمانة"، في إيحاء لحدوث شيء ما هز ثقتها بها.

ترفض بيبرس وجود نقابة للدفاع عن الشغالات، وترى أن هذا سوف يحمّلها أعباء مادية إضافية، لأنها ستضطر إلى دفع الضرائب والتأمينات الخاصة بالشغالة.

وتقلل بيبرس من شأن وجود إجحاف مادي أو انتهاكات تخص الشغالات، تقول: "ما تتعرض له الشغالات من انتهاكات مادية وجسدية، أمر عادي، تتعرض له أية فتاة تعيش في مصر، أو تعمل في أية وظيفة أخرى".

"مهنتنا بلا حقوق"

تختلف أم محمد (65 عاماً)، تسكن في شارع البحر الأعظم، وتعمل منذ ما يزيد عن 25 عاماً، مع الكثير من أفكار بيبرس، وتتهمها بتجاهل ظروفهن الصعبة، تقول: "بعد كل هذه المدة، لم أستطع معالجة ابنتي بعد أن اشتعلت فيها النيران، وشوهت وجهها، وأجزاء متفرقة من جسدها".

وتقول أم محمد إن الراتب الذي كانت تحصل عليه قبل أن تقعدها ظروفها الصحية والأسرية عن العمل، وهو خمسون جنيهاً في اليوم الواحد، لم يحدث أي تحسن في حياتها، فهي تعيش في غرفتين بحمام مشترك، وبلا مطبخ، مقابل 700 جنيه بدل إيجار في الشهر.

وتضيف: "من الظلم اتهام العاملات في المنازل بأنهن سارقات أو غير ملتزمات بالعمل، لأن صاحب العمل يحصل على الأوراق الخاصة بالعاملة، والرقم القومي للبطاقة الشخصية، وعنوان سكن العاملة، في حين لا تحصل العاملة على أي ضمان يمكنها من الحصول على حقها إذا تعرضت لأية انتهاكات أو أذى".

وتشدد أم محمد على أن "الخادمة هي الطرف الأضعف في المعادلة، إذ لا تستطيع الحصول على حقوقها في حال التعرض لها، ولا يكفل القانون أو صاحب العمل حصولها على تأمين لحياتها بعد بلوغها سن متأخرة، بالإضافة إلى أنها تلجأ غالباً إلى الصمت في حال تعرضها لأي ضرر من صاحب المنزل، مقابل استمرارها في العمل، والحصول على مرتب تدبر به حياتها بدلًا من الفقر والعوز".

خفيفة الظل وغاوية

لم تنصف السينما المصرية في مجمل أفلامها "الخادمة"، ووظفتها درامياً لخدمة العمل الفني وحسب، فتارة تجيء خفيفة الظل من خلال تجسيدها شخصية صديقة بطلة الفيلم، وهو ما جسدته الفنانتان زينات صدقي ووداد حمدي.

وتظهر شخصية "الخادمة" تارة أخرى "غاوية"، مثل تلك الشخصية التي جسدتها الفنانة نادية الجندي في فيلم "الخادمة"، إذ نجحت الخادمة فردوس في الإيقاع بابن صاحبة المنزل، التي تصاب بالشلل عند علمها بخبر زواجهما.

كانت إحدى عاملاتها المنزلية تعمل وهي صغيرة في الدعارة، وتركت المجال عندما كبرت، ولكن فور معرفة صاحبة المنزل بتاريخها طردتها، حفاظاً على "سمعة البيت"

ويشدد الناقد الفني طارق الشناوي في حديث لرصيف22 على أن السينما المصرية لم تخرج عن خطين دراميين في نظرتها للـ "الخادمة"، وهما الكوميديا والغواية. يقول: "لم تكن شخصية الخادمة محورية إلا في أعمال قليلة، منها فيلم "أحلام هند وكاميليا" للمخرج الراحل محمد خان، بطولة الفنانتين نجلاء فتحي "كاميليا"، وعايدة رياض "هند"، حيث يظهر العمل معاناتيهما من خلال استغلالهما من قبل أقاربهما".

"الأولى "هند" ألحقها خالها بالعمل في أحد البيوت في القاهرة، وبدعوى رعاية والدتها وإخوتها يحصل على راتبها الشهري، أما "كاميليا" فبعد أن طُلقت لعدم الإنجاب، عاشت مع شقيقها شبه المتبطل وزوجته وأولادهما"، يقول الشناوي.

وتتماهى نظرة بيبرس مع ما عرضته الدراما المصرية لهذه المهنة، التي جسدتها الفنانة يسرا في شخصية نعيمة، التي تعمل في خدمة البيوت، لكنها تلجأ لسرقتها تحت وطأة الظروف وقهر الحياة.

ومن خلال حكاية أربع "خادمات" طرح مسلسل "ولاد تسعة" نظرة المجتمع المتدنية لهذه المهنة، رغم أنهن يعملن من أجل كسب المال للإنفاق على إتمام دراستهنّ.

الخادمات بلا حقوق

رئيسة مؤسسة "أكت" المصرية للمرأة، عزة كامل، تؤكد على غياب وجود مؤسسات حقوقية أو رسمية تكفل للخادمات الحصول على حقوقهن، والسبيل الوحيد لذلك وهو غير كاف، هو تحرير محضر رسمي في قسم الشرطة.

وتعتقد كامل أن هذا الوضع سيظل مستمرًا إلى أن تُسنّ القوانين التي تحمي حقوق الخادمات، ويُفرض على الشركات المختصة بتوفير الخادمات بالتسجيل في مكاتب العمل لدى جهة وزارة القوى العاملة، لحصولهن على التأمينات المستحقة، والمعاش الشهري.

" هذا الوضع سيظل مستمرًا إلى أن تُسنّ القوانين التي تحمي حقوق الخادمات".

وتنفي وجود إحصاءات لأعداد الخادمات أو نية حقيقة أو اتجاه جاد للعمل على سن هذه القوانين، مما يجعل الخادمات بلا حقوق لسنوات طويلة مقبلة.

ويصرح رئيس شركة "بيس مايدس" للعمالة الأجنبية، ران يوسف، بأن الخادمات يعملن من خلال مكاتب غير شرعية، فأصحابها يحصلون على ترخيص تأسيس شركات للنظافة، وليس توظيف عمالة، وبالتالي جميعها غير قانونية، بالإضافة إلى أن هذه المكاتب ليس لها مقارّ أو عناوين معروفة.

ويلفت ران النظر إلى أن الشركات في مصر باتت تفضل العمل مع الخادمات الأجنبيات، مما يتيح لها الاشتراط عليهن العمل في خدمة الأسرة، ورعاية الأطفال والعجائز، وتنظيف البيت، في حين أن الخادمة المصرية ترفض هذا الإجحاف، وترفض العمل إلا في خدمة محددة واحدة لأنها تحصل على راتب أقل بكثير مما تحصل عليه الأجنبية.

ويطالب ران هو الآخر بقانون يكفل للخادمات حقوقهن، مثلما يستطيع العميل الحصول على حقوقه بكل سهولة، خاصة أن السيدة التي تعمل في العمالة المنزلية بعد وصولها لسن العجز هي في حاجة للحصول على معاش وتأمين صحي.

وهذا ما تحلم به أم محمد، التي تتمنى أن "تتدخل الدولة وتنقذ العاملات في المنازل، وتخصص لهن معاشاً "راتباً تقاعدياً" معقولاً". وتتساءل باستنكار: "هل الناس التي تكتب عنا وتسيء إلينا وتتهمنا بالسرقة وعدم الأمانة، تعرف ظروفنا وحالتنا؟".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard