شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أنتِ مزة أوي، هاتي بوسة"... عمل فني عن التحرش اللفظي يثير الجدل في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 نوفمبر 202001:25 م

"هاتي بوسة.. أنا تعبان.. أنتي مُزة أوي.. نفسي أشوف اللي تحت الهدوم".

هذه الكلمات وغيرها من ألفاظ التحرش طرزتها فنانة مصرية تدعى سارة أيمن على ملابس فضفاضة لا تظهر تفاصيل الجسد من وحي معاناة الفتيات المصريات مع التحرش اللفظي المنتشر على نطاق واسع في البلاد.

وعُرضت الملابس على شكل أعمال فنية في أحد المعارض المصرية، وأثارت في الوقت ذاته جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وبين الموافقة على الفكرة والصدمة منها، استطاعت الفنانة من خلال قطع قماشية الحديث عن واحد من أكبر هموم الفتيات المصريات، كما تقول في لقاء مع رصيف22.


طريقة صادمة للحديث عن القضية

استضافت صالة عرض "مشربية" في منطقة وسط البلد بالقاهرة أعمال الفنانة سارة أيمن، ضمن معرض يحمل عنوان "أشيائي الجميلة" للفن المعاصر، ويقدم عادة الدعم للفتيات الموهوبات في مختلف مجالات الفنون، ويُقام حالياً بدورته الخامسة من 3 تشرين الثاني/ اكتوبر حتى 3 كانون الأول/ديسمبر.

استطاعت الفنانة سارة أيمن من خلال قطع قماشية الحديث عن واحد من أكبر هموم الفتيات المصريات، وهو التحرش اللفظي

وتقول سارة البالغة من العمر أربعة وعشرين عاماً وخريجة معهد الفنون التطبيقية إنها تهتم بقضايا التحرش ضمن المعارض الفنية التي تشارك فيها منذ ثلاث سنوات تقريباً،  وتضيف أنها قررت أن تُلقي الضوء هذه المرة على التحرش اللفظي من خلال كتابة الألفاظ "المقززة" التي تسمعها في الشارع كل يوم على الرغم من ارتدائها ملابس واسعة طوال الوقت.

"هي طريقة صادمة بحجم وجع الفتيات"، تنتقي سارة هذه الكلمات للتعبير عن الطريقة التي اختارتها، والتي كانت مناسبة ومتاحة لها بحكم عملها، حيث لم ترغب بالظهور على وسائل الإعلام والحديث عن التحرش اللفظي لأنه أمر بات معتاداً، والجميع يتحدث عن التحرش بكل أنواعه عبر التلفاز، تقول: "نحن في حاجة لطريقة صادمة مثل اللوحة التي أنجزتها، كي يدرك البعض ما تعانيه الفتاة داخل الشارع المصري. هو أسلوب مؤثر وواضح ومباشر".

وتوضح أنها لم تكتب هذه الكلمات من فراغ، فقد نشرت استبياناً بين الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتكتشف أن الكلمات التي كتبتها بسيطة مقارنة بألفاظ أخرى يسمعنها أثناء التسوق أو الانتظار في الشارع. تتابع: "التحرش ليس جسدياً فقط، فالتحرش اللفظي والتعليقات التي تُقال عن الجسد لا يمكن أن تُنسى، وتترك أثراً سيئاً في نفس أي فتاة تتعرض لها".


الفنانة سارة أيمن

وتؤكد سارة بأنها ظلت لسنوات عديدة تسمع هذه الألفاظ في الشارع ولكن لا تتحدث عنها مع أحد حتى مع أسرتها: "كتمت في نفسي كثيراً ولكني قررت التحدث من خلال الفن"،  مشيرة إلى إصابتها بالصدمة نتيجة انتشار التحرش اللفظي على نطاق واسع جداً في الشارع المصري وفق ما لمسته وهي تعمل لتنفيذ معرضها.


تأييد من الفتيات ومهاجمة من الرجال

ترى سارة أيمن أن الفتيات المصريات باتت لديهن الشجاعة للحديث عما يسمعنه من المتحرشين، وقد خرجت كثيرات منهن عن صمتهن عقب الضجة التي أثارها المعرض الذي  سبب صدمة لكثيرين، خاصة الرجال، "فهم يعتقدون بأننا لا نسمع، لكننا نسمع جيداً ونتأثر سلبياً"، وفق تعبيرها.

وانقسمت التعليقات على العمل، كما تقول سارة، إلى "تأييد من الفتيات ومهاجمة من الرجال"، مؤكدة أن الفتيات يؤيدن هذا النوع من الأعمال الفنية لأنه يعكس حقيقة تحدث في  الشارع المصري كل يوم ولا يمكن إغماض العين عنها. في حين انضم رجال كثر لحزب المعارضين، وعن ذلك تقول: "عدد من الرجال في غيبوبة، ويعتقدون بأن التحرش  اللفظي هو فقط كلمة ‘أنتي قمر وعسل أنتي مزة’ ويعتبرون هذه معاكسة وليس تحرشاً".



وتشير إلى أن فئة من المتابعين فسرت العمل على أنه لا يقع تحت بند الأعمال الفنية، إذ ينظرون إلى الفن على أنه صورة وردة وشجرة أو ألوان فقط، في حين أن الفن، برأيها،  يمكن له أن يتبنى قضية من قضايا المجتمع ويتحدث عنها ويثيرها بطريقته الخاصة، قائلة: "مش ذنبي إن في ناس عايزة تغمي عينها عن اللي بيحصل وبنشوفه في الشارع".

ومن التعليقات التي تلقتها سارة عبارة لأب خمسيني لديه ابنتان. قال لها إنه لم يكن يتخيل أن التحرش اللفظي في الشارع المصري وصل إلى هذا الحد، وقدم لها الشكر لإثارتها  القضية وجعله يلتفت لها حتى يحافظ على بناته من هذا الفعل السيىء.

تؤيد العديد من الفتيات المصريات هذا النوع من الأعمال الفنية لأنه يعكس حقيقة تحدث في الشارع المصري كل يوم ولا يمكن إغماض العين عنها، في حين يعارضها الرجال حيث يعتبرون هذه الألفاظ معاكسة وليس تحرشاً


"لنتوقف عن الخروج من منازلنا!"

تكمل سارة أن من التعليقات التي تلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي هذه العبارة "ما تنزلوش الشارع"، إذ يرى بعض الرجال المصريين بأن من تتأثر بعبارات التحرش اللفظي  عليها أن تلزم بيتها ولا تخرج منه: "كانت هذه من التعليقات الصادمة جداً بالنسبة لي".

شخص آخر علق على العمل: "البنت المؤدبة متعلقش وتعمل نفسها مش سامعة الكلام دا"، وهنا تقول سارة إن العديد من الرجال يختصرون الفتاة المؤدبة في تصرفات مثل عدم  لرد على الكلام وسد الأذنين، مشيرة إلى أن مفاهيم الأدب والتوازن لدى هؤلاء قد اختلت تماماً خاصة فيما يتعلق بمسائل التحرش الجنسي سواء كان لفظياً أو جسدياً.

تتمنى الفنانة سارة أيمن أن تصبح الشوارع المصرية بلا تحرش لفظياً كان أو جسدياً أو أي شكل آخر، وأن تُفرض عقوبات صارمة على مرتكبي هذه الأفعال، بهدف حماية الفتيات وزرع الطمأنينة في قلوبهن بدل الخوف اليومي الذي يعشن

وفى تعليق صادم لفتاة أخرى ترصد معاناتها مع التحرش اللفظي تقول: "أسمع هذه الألفاظ منذ 11 عاماً. نحن في مجتمع قتل سن البراءة فينا وأصبح يقول لنا كلاماً جنسياً ونحن  ذاهبات إلى البقالة لجلب حلويات الاطفال. نحن الفتيات فى حالة كره مع المجتمع الذي أصبح ينظر إلينا وكأننا مجرد شيء جنسي يسير بأقدام على الأرض".

ومن التعليقات المحبطة التي تلقتها سارة ما قالته إحدى الفتيات: "عملك موفق وجميل وأثار ضجة، ولكن هل تعتقدين بأن الوضع سيتغير؟ مستحيل. نحنا فقدنا الأمل".

وتختتم الفنانة حديثها بالتمني أن تصبح الشوارع المصرية بلا تحرش لفظياً كان أو جسدياً أو أي شكل آخر، وأن تُفرض عقوبات صارمة على مرتكبي هذه الأفعال، بهدف حماية  الفتيات وزرع الطمأنينة في قلوبهن بدل الخوف اليومي الذي يعشنه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard