شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
نقاش حرية التعبير مسألة حساسة… لكن سيوف الذبح لا يمكن أن تكون جزءاً منه

نقاش حرية التعبير مسألة حساسة… لكن سيوف الذبح لا يمكن أن تكون جزءاً منه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 16 نوفمبر 202010:20 ص

إذن العالم العربي يغلي غضباً. ليس من سوء أحواله كما انفجر غضباً قبل حوالي عشرة أعوام في ذكرى العقد الأول للثورات العربية مطالباً بالحرية وحكم المؤسسات والقانون. العالم العربي والمسلم غاضب لرسوم تافهة اعتبرت مسيئة للرسول وللإسلام ولخطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رداً على الجريمة المروعة لقتل مدرس فرنسي ذبحاً على يد أحد تلاميذه بعدما استخدم الرسوم مثالاً في حصة التربية المدنية على حرية التعبير. 

أخرجت أزمة الرسوم أصواتاً أصولية لم نعد نسمعها وتعبيرات غوغائية من حرق الأعلام الفرنسية في باكستان وليبيا والعراق، إلى وضع صورة ماكرون مداساً للأقدام. خرجت مجموعات حزب التحرير الأصولي بأعلامها السوداء تدعو للعودة للخلافة رداً على الوقاحة الفرنسية. انهالت الشتائم على ماكرون بالعنصرية وكره الإسلام والمسلمين إلى حد أن أحد نجوم الرياضة تمنى تشويه خلقته وحرقت صوره في بعض التظاهرات في اليمن على سبيل المثال.

لسنا ضحايا، نحن المسلمون العرب اللاجئون بشكل أو بآخر في الغرب.

 البعض رحب بأعمال الـذبح الإرهابية علناً وصراحة، سواء من النخب الحاكمة أو الأفراد العاديين، ومنهم رئيس ماليزيا السابق مهاتير محمد الذي دعا في تغريدة إلى قتل "مليون فرنسي" بحجة الانتقام قبل أن يبرر تصريحاته بالقول إنها أُخرجت من سياقها في حين طالب خطيب أصولي باكستاني باستخدام القنبلة الذرية ضد فرنسا. 

البعض ندد بجريمة ذبح المدرس مبرراً إياها بشكل غير مباشر عبر استخدام إيحاءات ورموز من ماضي فرنسا الاستعماري بما في ذلك ناشطون وناشطات يقدمون أنفسهم على أنهم مدافعون عن الحريات والحقوق. 

تصريحات الغضب من وقاحة الرسوم صدرت أيضاً ممن تعرضوا ويتعرضون للتنكيل من السلطة في بلدانهم لإقدامهم على "تجاوز الخطوط الحمراء" في التعبير عن آراء تعتبر إهانة للحكام وإساءة لشخصهم. عن هؤلاء أيضاً دافعت فرنسا بصحفها وبعض مؤسساتها باعتبارهم ضحايا للتنكيل تماماً كما المدرس الفرنسي وقبله فريق مجلة "شارلي إبدو" التي نشرت الرسوم.

 لا أقول إن هذه التعبيرات شاملة كل ردود الفعل على موقف فرنسا من الرسوم. فالتظاهر السلمي حق كما قرار المقاطعة الاقتصادية ولا يمكن وصف الاثنين بالغوعائية. لم تتوقف تعبيرات الغضب من الرسوم في حين تشهد فرنسا وأوروبا اعتداءات جديدة من ذبح مصلين بكنيسة في نيس إلى سلسلة هجمات في فيينا استهدفت كنيسة ورواد أحد المطاعم وأودت بثلاثة مدنيين على الأقل. يصعب الربط بين هذه الأعمال الإرهابية التي استهدفت رموزاً دينية والنقاش حول العلمانية.

تعبيرات الغضب بعضها شعبوي، كالشتائم والحرق والتحريض وغيرها، وبعضها نخبوي عبّر عن نفسه من خلال تويتر في تغريدات استعارت من تاريخ فرنسا الاستعماري في محاولة غير أخلاقية لوضع المجرم والضحية في الموقع نفسه في حادثة قتل المدرس.

تصريحات الغضب من وقاحة الرسوم صدرت أيضاً ممن تعرضوا ويتعرضون للتنكيل من السلطة في بلدانهم لإقدامهم على "تجاوز الخطوط الحمراء" في التعبير عن آراء تعتبر إهانة للحكام وإساءة لشخصهم

  في الوقت نفسه، نطالب فرنسا، بحكامها ومواطنيها، أن تستجيب صوت العقل ونأخذ عليها أي شعبوية في رد الفعل على الصور المروعة للذبح: لمَ استعار ماكرون من خطاب اليمين المتطرف في الرد على الهجمات التي أثارت عاصفة من الاستنكار بين الفرنسيين من اليمين واليسار؟ لمَ لا يقدم اعتذاراً رسمياً من المسلمين رغم أنه تحدث إلى شبكة "الجزيرة" شارحاً موقفه للمشاهدين المسلمين؟ لمَ ينساق قسم من الفرنسيين للتحريض ضد الفرنسيين المسلمين من أصول مهاجرة؟ لمَ لا يتفهم الشعب الفرنسي أننا غير مسؤولين عن جرائم يقترفها البعض منا باسم الإسلام والدفاع عنه في حين أننا نكتفي بتكرار أننا غير معنيين بهم وأنهم لا يمثلوننا؟

 إذن الرأي العام الفرنسي، نخبة وعامة، مطالب بالرد بشكل عقلاني باعتباره راشداً وقادراً على استيعاب الهزائم والخسائر بهدوء وحكمة في حين أن الشارع العربي الشعبوي من حقه أن يرد بلا عقلانية تشبه رد فعل طفل غاضب لا مجال لمحاسبته على أفعاله. الصورة النمطية عن أنفسنا أننا ضحايا ميراث الاستعمار والعنصرية البنيوية في الغرب التي يروج لها مناهضو الاستعمار باعتبارها مبرراً غير مباشر للجرائم الإرهابية، تدعم موقف اليمين المتطرف وأصدقائه بأننا لا نرقى للمستوى نفسه ولا نعيش في العالم نفسه حيث الحجة تقارع بالحجة ومعركة الحقوق تكسب بالعمل الدؤوب والصوت العالي في مواقع القرار. يعكس هذا الخطاب ما يريد أن يسمعه اليمين المتطرف وكارهو الاختلاف: هؤلاء ليسوا منا.

 لسنا ضحايا، نحن المسلمون العرب اللاجئون بشكل أو بآخر في الغرب. ولا يمثلنا أو تمثل مشكلاتنا في الاندماج والتمثيل والحقوق أصواتٌ شعبوية من العامة أم النخبة غضبت لرسوم تافهة ولم تهزها عشرات التقارير التي أصدرها الإعلام الغربي، خاصة تلك التي تؤكد عمليات تصفية مروعة يتعرض لها مسلمو الصين من "الاويغور" فقط لأنهم مسلمون. 

الأمور ليست على ما يرام في فرنسا في علاقتها بمواطنيها من أصول مهاجرة كما أن العنصرية البنيوية أمر واقع في فرنسا والغرب عموماً بأشكال ونسب مختلفة. وهي ليست موجهة بشكل خاص ضد المسلمين بل تشمل كل "المختلفين"، ومنهم السود والمهمشون اجتماعياً واقتصادياً.

الأمور ليست على ما يرام في فرنسا في علاقتها بمواطنيها من أصول مهاجرة كما أن العنصرية البنيوية أمر واقع في فرنسا والغرب عموماً بأشكال ونسب مختلفة. وهي ليست موجهة بشكل خاص ضد المسلمين بل تشمل كل "المختلفين"، ومنهم السود والمهمشون اجتماعياً واقتصادياً

 أشار تقرير أخير، على سبيل المثال، إلى أن الشبان السود في لندن تعرضوا للتوقيف العرضي والتفتيش في الشارع من قبل الشرطة نحو 20 ألف مرة خلال فترة العزل الأخيرة التي فرضتها أزمة كوفيد19، وهذا ما أثار غضب مجموعات حقوق الإنسان للاستهداف المبالغ فيه لهؤلاء الشبان، والذي يعتبر مدفوعاً بتنميط عنصري ضدهم. 

وعليه، يشكّل نقاش حرية التعبير وحدودها في مجتمعات متنوعة مسألة حساسة  ومعقدة إلّا أن سيوف الذبح لا يمكن أن تشكل جزءاً من النقاش ولا أن تكون رداً على أي مظلومية حقيقية كانت أو متوهمة. 

كما لا يمكن أن يخطف الخطاب الشعبوي الهابط المحتوى والشكل أي نقاش حول علاقة مسلمي الغرب وفرنسا بالعلمانية وأشكالها. قد تكون تعبيرات الغضب في العالم العربي وليدة فراغ الخطاب السياسي بعدما اختطفته مجدداً الثورات المناهضة وعادت معها أولوية محاربة الإرهاب لتحل محل أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

فلتخرج الجماهير الغفيرة مجدداً في شوارع العالم العربي غضباً على تردي أوضاعها من تعنت التيارات المعادية للديموقراطية إلى الفساد بكل أشكاله والأبوية والعنف والفقر والجهل وغيرها ليكون ربيع متجدد ضد القمع. ولتترك لنا نقاش حقوقنا ومشكلاتنا بالغرب في وجه سكاكين الذبح. ولنقول ببساطة، ومن دون أي تبريرات: "كفى!".  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard