شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أوطاننا باتت حقول ألغام متنوعة"… العراقية ندى الخوّام تحكي عن الشعر والغربة وثورة تشرين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 13 نوفمبر 202010:10 ص

"أنا قطرة بين نهرين 

نقطة يقلبها الدهر بين نون اسمي والعواصم التي أحب 

الضلع الثالث لمثلث الجنون والتمرد

عشقت الشعر فكنت القصيدة المغناة بك يا وطني 

أحببت التغيير فكنت العاشق المسافر بين النبض والحقائب

هذه أنا باختصار"

هكذا عبّرت الشاعرة والكاتبة العراقية ندى الخوام، عندما سألناها من هي، وأضافت: "أنا شاعرة، فالحياة عبارة عن شعر، فأتعامل معها كشعر".

وُلدت الخوام في بغداد، ودرست الأدب العربي والتربية وإدارة الأعمال في العراق، عاشت عدة سنوات في بيروت وعملت في مجال الصحافة، قبل أن تنتقل إلى برلين للعيش خلال السنتين الأخيرتين، عن هذه الباءات الثلاث "بغداد، وبيروت، وبرلين" تقول ندى: "القدر جاء من بغداد لبيروت فبرلين وهذا هو مثلث حياتي الرئيسي، محور الحياة، التقت بحرف الباء، وقد أضيفت لها باءات جديدة كبراغ عاصمة التشيك والبحرين مثلاً".

الباءات الثلاث

في حديثها عن بغداد، تقول الخوام: "حين تُذكر بغداد أغيب في حضرتها، تغيب اللغة أيضاً، لا شيء يتصدر المشهد كالقلب الخافق بسرعة، ضارباً في أقصى نقطة في الروح وذارفاً من ملح العين تراتيل سلام. كلّي ونصفي وبعضي، وجودي وتاريخي ومستقبلي وحاضري وإن كنت بعيدة عنها جسدياً، وكياني، قصيدتي وبلسمي، هي أول خطوة وأول ابتسامة وأول قصيدة، هي أمنا المقدسة. لا كلام يمكن أن يختصر معنى بغداد بالنسبة لي، اشتقتها جداً وأعيش من أجل عناقها الطويل، أحبها تلك البلاد أحبها كثيراً".

ثم تنتقل للحديث عن بيروت: "بيروت قطعة من القلب، أتمنى لو كان الإحساس صورة حية لكنت صورتها لحظة رؤيتي لبيروت من نافذة الطائرة في كل مرة أهبط بها، رغم جمالها المرهق من زمن الحرب الأهلية حتى آخر ما حدث لها من انفجار المرفأ المهول إلا أنها تبقى فاتنة الدنيا. في بيروت حياة متميزة تجمع البحر والسهل والجبل والبقاع والسحر في جغرافيا واحدة يمكنك التجول فيها بسهولة. عرفتها تارة من نبرة فيروز وكلمات غادة السمان وشعرية نزار قباني، عرفتها من رائحة الكتب المطبوعة، فيها ماركة مميزة. وتارة من أخبار الموت والدم عبر شاشات التلفاز، وعشتها وهي في أصعب مراحلها لكنها تبقى ملاذاً جميلاً لعاشقيها".   

وتتطرق للحديث عن محل إقامتها الحالية، برلين، قائلة: "برلين هي التي راودتني عن نفسها بعدما سمعت بحكاياتي الجميلة مع بيروت، أظن الغيرة دفعتها لذلك، لربما تأخذ دور البطولة في مغامراتي من يدري، قدمت لي منحة للرخاء والكتابة فحللت عليها ضيفة عبر شراكة بين برنامج التبادل الأكاديمي الألماني وشبكة مدن اللاجئين الدولية التي منحتني فرصاً جميلة أحاول استثمارها بما تبقى لديّ من مقاومة الغربة".

وُلدت في بغداد، ودرست الأدب العربي والتربية وإدارة الأعمال في العراق، عاشت عدة سنوات في بيروت وعملت في مجال الصحافة، قبل أن تنتقل إلى برلين للعيش... الباءات الثلاث في سيرة الشاعرة العراقية ندى الخوّام

للغربة محاسنها

الغربة جزء من حياة ندى، جزء من أدبها وواقعها اليوم، تصفها قائلة: "هروب من عالم مرير إلى واقع أكثر مرارة، أوطاننا باتت حقول ألغام متنوعة سياسياً واجتماعياً تبدد بها العمر هباء منثوراً، لربما نحتاج أحيانا ًلمغادرتها لنعيش حالة معينة، كالتعرّف إلى كل ما عجزنا عن التعرّف إليه فيها. الغربة أيضاً رحلة اكتشاف وتبادل ثقافات فلا يمكننا أن ننكر أن لها محاسنها أيضاً. لكن لا غنى عن الوطن، لا غنى عن كل شيء فيه. دائماً أسلي نفسي بأبيات شعرية تنسب إلى الإمام علي يقول فيها تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا. وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ. تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ. وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ'".

وما هو دافعها للغربة؟ تجيب: "أمور عدة بعضها احتفظ به لنفسي وبعضها رحلة اكتشاف ودراسة قادتني إلى استكمال مشواري الثقافي، كنت قد خضتها كموسم هجرة، لكنها أصبحت قدراً ملاصقاً لي. مهما طالت السنين أو قصرت، إلى بغداد أشد الرحال ذات يوم وأعود". 

وتستطرد: "على فكرة كل ليلة أشد رحالي إلى هناك وأعيش كل خيالات الأساطير في قصص ألف ليلة وليلة، وتراني حمامة هائمة بين جسورها وشوارعها القديمة أشرب الشاي على ضفة دجلة وأنشد شعراً في المتنبي وأغني هناك 'هواك أنت يذكرني بفرات ودجلة يومية'". 

الشعر طينتي

أنتجت ندى الخوّام "خيانات بنكهة فرنسية" الصادر عن دار ضفاف في بيروت عام 2017، والذي قالت عنه "هو مجموعة من مغامرات صيغت بشكل كتاب ومواقف غالبيتها ولدت من رحم لحظتها"، ووصفت إنتاجها الأدبي بأنه: "مجموعات متراكمة من الأرث السومري الحزين أجسده كل مدة في نتاج أدبي".

وتتحدث عن ديوانها الجديد "قصائد محاذية للنهر" الصادر باللغات العربية والإنجليزية والألمانية: "وُلِد هذا الديوان محاذياً للنهر ولروح الماء في بلاد النهرين، 25 قصيدة تروي غربة عميقة تكاد لا تنتهي وسط الشوق الجارف إلى البلاد البعيدة، امتزجت مع الألم المزمن في عراق التاريخ والحاضر في ظل الحروب والويلات والنكبات واستبداد الأنظمة التي تناوبت في حكمه حتى مزقت قميصه إلى أوصال متناثرة". 

وتضيف: "أنا انتمي لهذا الألم وللنهر وللطين السومري والحجر البابلي، اعتزازي بهذا الانتماء يلمسه كل من تجول بين قصائدي التي صدرت بعد أن حجزتها الكورونا شهراً ونصف الشهر في المطبعة وولدت في زمنها. وهناك مساحات واسعة للقارئ ليكتشف بنفسه أشياء جديدة كتبت في لحظات متنوعة مع الشعر". 

وما هو أقرب إلى قلبها الشعر أم الأدب أم الصحافة؟ تجيب: "أنا عراقية والعراقي شاعر بطينته، اكتشفت الشعر مثل طفل يكتشف الحياة بطريقته، تناقلتني كلمات السياب والجواهري ونازك ولميعة وبلند الحيدري ويوسف الصائغ، كتبت الشعر في مراهقتي ثم أحرقته، اكتشفت أنه عبث، وكتبته في الشباب فكان أكثر نضجاً وحرقته أيضاً، وكتبته بعد سنوات النضوج وأظن أني ما زلت أحتاج الكثير، الشعر هو الأقرب الى قلبي". 

"الثورة كيوسف، جميلة وأنيقة وكبيرة لكن أخوته، آه من أخوته قصموا ظهرها في بئر الخيانة، لكنها مستمرة، ثورة العراق الكبرى، ثورة تشرين، حطمت الكثير من القيود، وكشفت عن وجه العراقي المدني الجميل الذي نحلم ونعمل لعودته من جديد"

الوطن والثورة والمرأة

حضر العراق مجدداً في إجابتها على سؤال عماذا تكتب وأحب الموضوعات إلى قلبها، "حين أبدأ بالكتابة يكون العراق حاضراً حتى لو في نص عابر أو قصيدة عاطفية، أحاول أن أحاوره، أعقد معه اتفاقاً أن يتركني أكتب للحب فيعترض أنا الحب، أميل إلى الخلط بين القصائد المغناة بالوطن ومحاكاة أهله، أغوص في تاريخ العراق القديم بين طين سومر وحكايات جداتنا واقتطف ما طاب لي من فاكهته. بعض موضوعاتي تفور ثورة وترفض الظلم، للحب والحياة نصيبهما أيضاً، فالحب روح الشعر بل روح الحياة برمتها".

وأين ثورة تشرين العراقية منك وأينك منها؟ تجيب: "هي معركة مصير بين الوجود أو عدمه، أذهلنا هذا الجيل الجميل، إليه أرفع القبعة ومعه عشت لذة الثورة بكل تفاصيلها. حقاً جيل وُلد من صميم اليأس مثلما يقول الجواهري، قلبوا الطاولة والموازين، يبحثون عن وطن ضائع، بعضهم وُلد وكبر وتلقفته يد الحروب والطائفية والإرهاب والفساد. خرجوا يبحثون عن بصيص أمل فكان الرد هو الموت والدم وعلب الغاز المسيل للدموع والدخانيات". 

وترسم الخوّام صورة جمالية للثورة: "الثورة كيوسف، جميلة وأنيقة وكبيرة لكن أخوته، آه من أخوته قصموا ظهرها في بئر الخيانة، لكنها مستمرة، ثورة العراق الكبرى، ثورة تشرين، حطمت الكثير من القيود، وكشفت عن وجه العراقي المدني الجميل الذي نحلم ونعمل لعودته من جديد دستوراً للحياة الاجتماعية العراقية في العاصمة ومحافظات الوطن. ثورة انتصرت على حيتان السلطة ورفضت عبثهم طوال سنين حكمهم الفاشلة. طالب الثوار بعودة الوطن وقتلوا من أجله وما زالوا مستمرين".

وتضيف: "ثورة تشرين حالة انفرادية. لم يسبق أن قرأت عن ثورة مماثلة لها في كتب التاريخ أو رأيت شبيهتها في الحاضر. تشرين عنوان حياتنا".


الخوام التي وُلدت وترعرعت وكتبت كإمرأة في مجتمع شرقي تقول عن ذلك: "أملك ثقة كبيرة تجعلني أنسى حين أكتب أنني امرأة. يمكنني أن أكتب عن المجتمع وقضايا المرأة أدبياً، فنحن سيدات نصوصنا، وإن كنا نواجه عقبة المسكوت عنه في المجتمعات الشرقية، لكن يمكننا التغلب عليها بذكاء". 

وهي تحرض النساء على تلافي الوقوع في شرك الكتابات التقليدية، الغزلية العاشقة، "من حقها أن تكون نداً للرجل في الحب والمكانة وليست جارية تتوسله أن يمن عليها بالنظرات، الرجل كائن جميل يمكننا كسبه كحبيب وصديق، ادخلي من باب النص الكبير وليس من ثقب الباب" كما تقول. 

وتوضح: "واقعياً وبصراحة مهما تقدمت بنا الحياة لا تزال المرأة العربية ضحية الموروث الاجتماعي القاتل، وبالمقابل لم نزل نحارب من أجل التغيير ونجحنا في الكثير من النقاط، ولكننا بحاجة لوقت طويل، عندي ثقة كبيرة بالجيل القادم لإكمال المسيرة وألتمس تغييراً كبيراً في العقدين القادمين، إنها أجيال عنيدة وذكية جداً". 

"الغربة رحلة اكتشاف وتبادل ثقافات فلا يمكننا أن ننكر أن لها محاسنها أيضاً. لكن لا غنى عن الوطن، لا غنى عن كل شيء فيه"

مشاريع مستقبلية

على الصعيد الأدبي تعمل الخوّام على مجموعة شعرية جديدة، وصلت إلى لمساتها الأخيرة وقريبا، سترسلها إلى الطباعة، كما تعمل على رواية، "مكابرة كلما روضت الحدث فيها أوحى لي أبطالها بفكرة جديدة تغير مسارها، ستأخذ وقتها حتى تكتمل" كما وصفتها، مضيفة: "هناك مشاريع أدبية أخرى قيد الدراسة، أحاول أن أكسب الوقت في زمن الكورونا في خدمة النتاج الأدبي".

وتفكر الخوّام في العودة إلى إكمال أطروحة الدكتوراه التي تركتها قبل بضع سنوات "ومشاريع كثيرة تدور في ذهني كالعودة للعمل الإعلامي المستقل"، تختتم حديثها.

ندى تعيش بالشعر وللشعر، ترى أن الحب شريان الحياة وعماد وجودها، وبدونه لا حياة هناك، ولا شعر هناك، ولا خفق جميل يعصف بنا إلى عوالم الدهشة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard