شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"هو إنتي لسه شوفتي حاجة"... نساء يكتشفن الأمومة للمرة الأولى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 8 نوفمبر 202001:10 م

"أول مرة أحس أني مضغوطة لما صرت أمًا، فأصبحت عصبية جدًا من كثرة الضغوط، وقل نومي مما جعلني أقترب من الجنون"، "في البداية كنت خائفة جدًا، ولكن تدريجيًا بدأت الأمور في الاستقرار"، "عمري ما تخيلت نفسي في جو الأمومة، لأني بحب الشغل، حتى لما حملت، لم أستوعب الأمر في البداية"... هكذا تحدثت نساء لرصيف22 عن إحساسهنّ بعد إنجابهنّ الطفل الأول، وكيف تعاملن مع تلك المشاعر في ظل المنظومة المجتمعية التي ترى قلق الأم نحو وليدها الأول في غير محله.

ضغوط الطب والأمومة

تتذكر منال عبد الكافي، طبيبة من محافظة الأقصر (29 عاماً) أصعب شهرين قضتهما مع ابنتها ذات العامين، فهي لم تشعر بالضغط النفسي والتعب الجسدي إلا بعد إنجابها، خاصة أنها تعشق الكمال، فلا يمكن أن تترك شيئاً للظروف، فعانت من كثرة ما تقدمه لطفلتها كالتغذية، واللبس، والاستحمام، والتهوية، والنظافة، والفيتامينات، والطعوم، ومتابعة النمو.

تقول منال لرصيف22: "إضافة إلى كل تلك المتاعب، تأتي متاعب عملي كطبيبة، لتزيد حدة الضغط النفسي".

بكت منال عندما أصيبت ابنتها بالحمى، وتذكرت الأطفال الذين تراهم في المشفى، وأصيبوا بأمراض خطيرة، مما دفعها إلى حبس نفسها مع طفلتها شهرين في غرفة النوم، خوفاً عليها.

"أول ستة أشهر كانت الأصعب، فقد اقتربت من الجنون بسبب عدم النوم، أصبحت عصبية جدًا، وأقل شيء يمكن أن يكدر صفو يومي، الأمر الذي انعكس أيضًا على زوجي، فأصبح هو الآخر مضغوطاً نفسيًا، حتى بدأت الأمور تستقر شيئًا فشيئًا"، تقول منال.

انخفض اهتمام الزوجين بالحميمية بعد إنجاب الطفلة الأولى، وانعدمت الرغبة أحياناً بسبب الضغط العصبي، الذي يمرّان به، فكانا دائمًا مرهقين من قلة النوم والتوتر، ولكنهما تمكنا من تخطي هذا الوضع بعد ستة أشهر من الإنجاب، وانتظام مواعيد النوم.

"أفرح وأنهار من الحزن"

على النقيض من منال، شعرت أمل إسماعيل، تعمل في مجال الإكسسوارات، في العقد الثاني من العمر وتسكن في القاهرة، بالسعادة لوجود طفلها الرضيع، الذي لم يكمل شهره الأول بعد، مبدية استغرابها من الأمهات اللواتي يشعرن بحزن أو ضيق عقب الإنجاب.

تصاب منال هي الأخرى بنوبات قلق وتوتر على رضيعها عند بكائه دون سبب، خاصة مع عدم خبرتها في التصرف، ممّا يصيبها بحالة من الألم النفسي. وتقول إنه رغم تفهم زوجها لوضعها بعد الإنجاب يحب النظام والترتيب، الأمر الذي عكره وجود طفل مع جميع مستلزماته، مما اضطرها إلى جلب صندوق جيد المظهر لجمع أغراض الرضيع في مكان واحد، حتى يوافق الزوج على الوجود معهما في المكان نفسه.

"أنا عمري ما تخيلت نفسي أم، كنت مركزة في الشغل، حتى بعد الحمل لم أستوعب الأمر، لازمني إحساس التعب والإرهاق، والألم، حتى أنني بكيت"

وتقول ضحى (25 سنة)، مهندسة من محافظة الأقصر: "أنا عمري ما تخيلت نفسي أم، كنت مركزة في الشغل، حتى بعد الحمل لم أستوعب الأمر".

بعد الإنجاب اقشعرّ جسد ضحى حين حملت رضيعتها، وشعرت بخوف وفرحة في الوقت عينه. تقول: "لازمني إحساس التعب والإرهاق، والألم، حتى أنني بكيت، ولولا وجود والدتي وشقيقتي وزوجي، ودعهمهم لي لما استطعت تخطي هذه المرحلة".

تعاني ضحى من الأشخاص الذين يصدّرون لها طاقة سلبية عن طفلتها، قائلين على سبيل المزح: "أنت لسة شوفتي حاجة، دي هتخليكي تشدي في شعرك، خلاص مش هتنامي تاني"، الأمر الذي يصيبها بالتوتر، ولا تستطيع التخلص منه إلا بـ"الفضفضة" مع زوجها ووالدتها.

تخاف ضحى على طفلتها كثيرًا، فلا تسمح لأحد بتقبيلها أو لمس رأسها أو رجلها، وإذا حملها شخص فلا تتركها معه وقتًا طويلًا، خاصة إذا كان غريبًا.

وعن علاقتها بزوجها بعد الإنجاب، تقول لرصيف22: "نظرًا لظروف عمله فهو مقدر للتغيرات التي أمر بها، بالإضافة إلى أنه شخص عملي، فلا وقت لديه لاختلاق المشاكل، ورغم توقف علاقتنا الزوجينة إلا أننا نشعر باشتياق متبادل". 

"كنت مخضوضة جداً، ومستغربة كل حاجة".

أما فاطمة سامي، تسكن في محافظة القاهرة (25 سنة)، فتقول عن مشاعرها بعد إنجاب طفلتها الأولى: "كنت مخضوضة جدًا، ومستغربة كل حاجة، بس تدريجيًا ربنا زرع جوايا غريزة المسئولية اتجاه الطفل، فبعد ما فطمتها مثلًا سألت نفسي: إزاي كنت بفضل أرضعها طول الليل".

ترفض فاطمة نصائح الآخرين لها في التعامل مع طفلتها، مشددة على أنها تجيء بنتائج عكسية. بالإضافة إلى الانتقادات الكثيرة المتمثلة في "أنت دلعتيها خالص"، ولكنها في النهاية ضربت بكل تلك النصائح عرض الحائط، بعد أن أثرت عليها سلباً، وجعلتها أكثر عصبية.

وتضيف: "تلك النصائح، وإن كان القصد منها خير، تصيب الأم بالضيق والتوتر مما ينعكس سلباً على الطفل والبيت والزوج".

وعن تأثير طفلتها الأولى على علاقتها بزوجها، تقول فاطمة: "في بعض الأحيان كان يقدر مشاعري القلقة اتجاه ابنتي، وفي أحيان أخرى كان يرى أنني أتخطى الحدود، الأمر الذي انعكس على علاقتنا الزوجية".

الزوج ونقطة التحول

ويعلق جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، على مشاعر الخوف التي تصيب الأمهات بعد الإنجاب، قائلًا: "نتيجة التغيرات الهرمونية في جسد المرأة بعد الوضع، وقلة عدد ساعات النوم، وتغير المشاعر، يمكن أن تصيب الأم بنوبات حزن تصل أحيانًا إلى الاكتئاب".

"كنت مخضوضة جدًا، ومستغربة كل حاجة، وبعد ما فطمتها مثلًا سألت نفسي: إزاي كنت بفضل أرضعها طول الليل"

ويقول لرصيف22: "الحالة المزاجية للأم تتأثر بسبب عدم انتظام النوم، وتصل أحياناً إلى الضيق من الزوج نفسه، مما يؤثر على العلاقة بينهما".

ويؤكد مصطفى عبد، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان بالإدارة الطبية في جامعة عين شمس، أنّ حالات الاكتئاب عند النساء بعد الإنجاب شائعة جدًا، فمن بين كل 100 أنثى يمكن أن تصاب 50 بحالة من الحزن بعد الإنجاب، نتيجة التغير البيولوجي في الجسد، ووجود طفل رضيع مسؤولة عنه، مما يصيبها بالقلق والتوتر والضغط النفسي.

ويقول مصطفى لرصيف22 إن وجود الزوج وتفهمه حالة زوجته يقللان من حدة التوتر والقلق عند الأم، مما يعزز علاقتهما ويقويها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard