شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يا بلادي يا بلادي خدي شادي"... الشهادة أقرب الطرق إلى الجنّة!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 11 نوفمبر 202003:24 م

يحلّل إبيقور الموت ومضمونه، بالقول: "إذا كنّا، لا يكون الموت، وإذا كان الموت، لانكون". إنّ الفاصل بين الموت والحياة مطلق، وليس من تجربة أو جسرٍ قادران على اختراق هذا الفاصل وفق إبيقور. وكان هذا التحليل من إبيقور كي يخفّف عن أصدقائه الهلع والخوف الذي يصيبهم من ذكر الموت، وكأنّه يقول لهم: لا شيء بعد الموت؛ لا جنّة ولا نار، وذلك بسبب أنّ الاعتقاد وقتها كان يقول بأنّ الموتى يذهبون إلى الجحيم اليوناني المرعب.  

يقول سالنجر في روايته الحارس في حقل الشوفان: "إنّ علامة الرجل الذي ينقصه النضوج، أنّه يود أن يموت بنبل من أجل قضية ما، بينما علامة الرجل الناضج، أنّه يود أن يعيش بتواضع من أجل قضية ما". يبدو أنّ سالنجر الذي سلّط الضوء على الزيف في الحياة الأمريكية، كان يقصد الزيف كلّه الذي بُني عليه المجتمع الحديث والقديم. ونضيف إلى ما ذكره سالنجر في روايته، ما قاله الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل عن الموت من أجل المعتقدات: "لن أموت أبداً في سبيل معتقداتي، لأنّني قد أكون مخطئاً". ومع ذلك كان الموت من أجل العقيدة الدينية والوطن، ذا قيمة كبيرة لم تُنتقص عبر الزمن، ولقد شجّعت عليها الأديان والدول، وخاصة القومية منها.

هل الموت من أجل المعتقدات والأوطان يعتبر قلّة نضوج؟ لكن كيف سنبرّر هذا السؤال، ونحن في دواخلنا نعلي من شأن هذه الموت؟

هل الموت من أجل المعتقدات والأوطان يعتبر قلّة نضوج؟ لكن كيف سنبرّر هذا السؤال، ونحن في دواخلنا نعلي من شأن هذه الموت؟ احتجّ أفلاطون في محاوراته على الشعراء الذين يصوّرون ما بعد الموت مرعباً وقاسياً، فقد أراد أن يخفّف من وطأة الموت على الجنود والقادة في الحرب، لذلك صوّر الحياة الآخرة التي ينعم فيها الأبرار بالعيشة الطيّبة، ومن ضمنهم الجنود والقادة الذين يموتون فداءً للمدينة الفاضلة، فها هو يقول بغضب: "لنطمس المقاطع الذميمة مبتدئين بالآتية: أفضّل أن أكون عبداً على أرضٍ لفقير، ورجلاً لا ملكية له، على أن أحكم كلّ الموتى الذين ذهبوا للعدم"، هذا ما قاله أشجع الشجعان، أخيل، في الأوديسة لأوديسيوس، بعد أن تم استحضار شبحه من مسكنه في الجحيم اليوناني.

لايبدو غريباً التقييم السلبي لأفلاطون لهكذا قول يذم الموت، لأنّه في سعيه لبناء جمهوريته، لم يكن ليسمح لهذا المقطع الشعري الواقعي المستلّ من آلام وأحزان ومخاوف الجنود والقادة، أن يعكر صفو طموحه نحو مدينته الفاضلة. وفي محاورة فيدون، نجد سقراط مبتهجاً وكأنّ الموت/ حكم الإعدام الذي ينتظره ليس إلّا بوابة سيعبرها إلى نعيمٍ يُكمل فيه أحاديثه مع رجالات أثينا الذين سبقوه إلى الموت. لقد وجد أفلاطون الجسر بين الحياة وما بعد الموت، عبر خلود الروح الذي رفضه إبيقور، لذلك كان يرى الفاصل بين الحياة والموت أو ما بعده مطلقاً.

قسّم هزيود في كتابه أنساب الآلهة، العصور من الذهبي إلى الحديدي، لكنّه في وصفه للعصر البرونزي الذي يُولد ناسه للحرب فقط، وتنتهي حياتهم بالفناء في هيدز/ الجحيم، قد انتقى من هؤلاء البرونزيين، الأبطال الذين ماتوا تحت أسوار طروادة وأبواب طيبة، بجنّة خاصة ينعمون فيها بالسعادة كما أهل العصر الذهبي.

إنّ فكرة المكافأة الأخروية على الموت دفاعاً عن العقائد والأوطان، لم تظهر بشكل جليّ إلا في الأديان السماوية

إنّ فكرة المكافأة الأخروية على الموت دفاعاً عن العقائد والأوطان، لم تظهر بشكل جليّ إلا في الأديان السماوية. فعندما نرى سعي جلجامش للخلود يطالعه أوتنفشتيم بما قدرته الآلهة من نهاية مأساوية للبشر، نستطيع أن نفهم الغاية من التقييم العالي للموت فداءً للعقيدة أو الوطن. وبناء على ما سبق سنعرض فكرة الموت دفاعاً عن العقائد والأوطان تباعاً من اليهودية فالمسيحية، ومن ثمّ الإسلام.

المستقبل، من حيث هو الحياة الأخرى

جاء في التوراة: "وأمّا شجرة معرفة الخير والشر، فلا تأكل منها، لأنّك يوم تأكل منها موتاً تموت"، وأن يموت الإنسان في الديانة اليهودية يعني أن يذهب إلى شئول. وشئول هذه كما يقول جيمس ب كارس في كتابه "الموت والوجود" بأنّها ليست مقراً للخالدين، وليست شبيهة بجهنم اليونانية حيث الموتى أشباح يهيمون، ولا تشبه جهنم اللاتينية التي يعاقب فيها الموتى على أخطائهم، ولا تقارب الآخرة التي أرعبت جلجامش ودفعته للبحث عن نبتة الخلود. شئول أقرب إلى العدم، حيث لا شيء فيها يحدث كما يقول أيوب: "أما الرجل، فيموت ويبلى. الإنسان يسلم الروح، فأين هو؟".

يتابع كارس بذكر قول أحد الأحبار في القرن السابع عشر، بأنّه لأمر مخيف أنّنا لا نجد في كلمات موسى أيّة علامة تشير إلى الخلود الروحي للإنسان بعد موته الجسدي، أو إلى وجود عالم آخر بجوار هذا العالم، يذهب إليه الموتى كحياة أخرى.

ظهرت في اليهودية رؤى عن المسيانية، أي ظهور المسيح المنتظر. وكذلك تكلّموا عن آخرة يحاسب يهوا فيها البشر على أعمالهم، لكن هذه الاتجاهات جاءت متأخرة حتى القرن الثالث قبل الميلاد وما بعده، كما يقول جورج مينوا في كتابه "تاريخ جهنم" ومتأثّرة في الوقت نفسه بالغنوصية والهلنستية، وفيما بعد بالمسيحية والإسلام. والكثير من هذه التصوّرات كانت تجعل من الحياة الأخرى/ الآخرة، ضمن السياق الزمني المستقبلي للإنسان، أي أنّها لا تكون بعد الموت.

عندما وعد يهوا إبراهيم بأنّه سيجعل نسله كرمل البحر

إنّ الموت وفق كارس، هو الحدّ الفاصل بين الألوهي والبشري، وإن عاقب يهوا آدم وحواء على أكلهما من الشجرة بالموت، إلّا أنّه استبقى لهما معرفتهما والتاريخ/ الزمن من حيث هو ماضٍ وحاضر ومستقبل. جاء الإخراج من الجنّة ليحوّل آدم وحواء ونسلهما إلى كائنات تاريخية، بالإضافة إلى الموت الذي يصنع التاريخ، لذلك نرى في التوراة أنّ الإشارة إلى موت أحدهم كانت تدلّ على أنّه عاش كامل أيام حياته، واعتبار الموت خاتمة لهذه الحياة لا أكثر ولا أقل.

العقاب والثواب كان يحدث ضمن الحياة ولصالح اليهود، ليتطهّروا من أخطائهم، كي يستمروا في التاريخ، ويبقى المستقبل أمامهم مفتوحاً لا يغلق، مادام قد حدّ يهوا حياتهم بين الولادة والموت لا غير

إنّ معرفة اليهودي لهذه الحقائق جعل من ارتباطه يكاد يكون رحمياً مع يهوا، من حيث هو خالقه ومانحه نسمة الحياة التي بموجبها تسيّد على حيوانات البرّ والبحر، فاليهودي يرتبط بقبيلته/ شعبه بذات الطريقة التي يرتبط بها اليهودي بالإله. ومن هنا فالعقاب والثواب كان يحدث ضمن الحياة ولصالح اليهود، ليتطهّروا من أخطائهم، كي يستمروا في التاريخ، ويبقى المستقبل أمامهم مفتوحاً لا يغلق، مادام قد حدّ يهوا حياتهم بين الولادة والموت لا غير.

فعندما وعد يهوا إبراهيم بأنّه سيجعل نسله كرمل البحر، لم ير إبراهيم من وعد يهوا غير ابنه إسحاق، أمّا العدد الكبير الذي سيصبح عليه اليهود كرمل البحر، فهذا هو المستقبل الذي يجب أن يبقى مفتوحاً، ومن أجله يضحي أفراد الشعب اليهودي بحيواتهم. من هذا المعنى تصبح التضحية بالنفس فعلاً بطولياً. إنّ الذي يجمع اليهود ككتلة بشرية متمايزة عن محيطها، هي التوراة التي يجب إقامة شرائعها تحت أي ظرف كان. يذكر كارس تلك الأم وأولادها السبعة الذين أجبروا على أكل لحم الخنزير في العصر الهلنستي، فما كان من الأم وأولادها إلّا أنهم فضلوا الموت تحت العذاب على أن يخرقوا أحد حدود الشريعة. وفي أسطورة شعبية عن حامية يهودية عسكرية في مسادا التي حاصرها الرومان عام 70 ميلادية، اختار أفراد الحامية وعوائلهم الانتحار على أن يقعوا أسرى بيد الرومان.  

يذهب الفكر اليهودي في نظره إلى الحياة بين قوسي الولادة والموت، بأنّها المجال الوحيد المتاح للوجود الواعي، فالموت خاتمة، وشئول هي مكان أقرب للعدم من أن تكون جهنماً أو نعيماً. ومن هذه الزاوية تصبح الحياة الأخرى للفرد تتمثّل عبر استمرار اليهود في الزمن الماضي عبر تذكّر أحداثه، والمستقبل عبر الأجيال التي ستولد، أما الحاضر فيكون بإقامة الصلة بين أفراد هذا المجتمع، والتوراة التي تحفظهم من الذوبان في الشعوب الأخرى أو بالفناء بالموت. وبناء على هذه الرؤية الوجودية تصبح التضحية بالنفس/ الاستشهاد فعلًا مقدساً وكلّي الخير، مادام يتم من أجل أن يبقى المستقبل مفتوحاً أمام هذه الفئة البشرية.

الإيمان والمحبّة جسر إلى حياة أخرى

يرى جيمس ب كارس أنّ فكرة الموت لدى المسيحية قد أخذت الكثير من ملامحها من اليهودية، لكنّ حيثية قيامة المسيح من الموت، فتحت آفاقاً جديدة للتكلّم عن الحياة ما بعد الموت. ومن هذه النقطة، بدأت فكرة الموت في العقيدة المسيحة تبتعد تدريجياً عن حاضنتها اليهودية. إنّ البحث عن الأفكار التي تؤشر على الحياة الأخرى لدى المسيح تأخذ منحيين، الأول في الأناجيل المتوافقة/ الأزائية، مرقس، متى، لوقا، والتي نجد فيها إشارات إلى هذه الحياة، لكن ليست بالوضوح الموجود في إنجيل يوحنا ورسائل بولس. يتابع كارس في تحليل أقوال المسيح وخاصة في موعظة الجبل، بأن المسيح لم يتناول الموت بشكل مباشر، فمبتدأ الكلام لديه يتجه إلى علاقة الحبّ بين المؤمنين بعضهم البعض والرب. إنّ الموت لدى المسيح حادث محتوم يقع على كلّ منّا، لكنّه في الحياة المكتملة لكلّ شخص متديّن، فإنّه يأتي في الأهمية بعد طاعة الرب ومحبّة الجار، وهذه هي نظرة اليهودية الأصلية للموت. وهكذا نجد أنّ غياب التفسير والشرح عن معنى القيامة من بين الأموات من قبل المسيح، على الرغم من ذكره بأنّ ابن الإنسان سيسلّم، يصلب ويقوم في اليوم الثالث، لم تكن واضحة لدى التلاميذ، فنجد في إنجيل مرقس تساؤل التلاميذ عن معنى تلك القيامة: "فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون، ما هو القيام من الأموات".

ويدعم هذا التصور تلك الشكوك التي راودت التلاميذ أثناء صلبه وبعد قيامته، ولقاء التلاميذ الذين تشكّكوا بهذا الذي أمامهم، ما دفع المسيح لأن يتناول السمك معهم، ويسمح للتلميذ توما أن يتلمّس جراح الصلب.

أمّا المنحى الأكثر تأكيداً ووضوحاً عن القيامة للمؤمنين والحساب في يوم الدينونة، فنجده لدى يوحنا الذي ابتدأ إنجيله بالتأصيل الإلهي للمسيح بأن كتب: "في البدء كان الكلمة... والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا، ورأينا مجده"، وتابع نقل كلمات المسيح: "أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات، فسيحيا. أنا جئت للعالم حتى كلّ من يؤمن بي، لا يمكث في الظلمة"، وعليه حتى نملك الحياة الأبدية علينا أن نعرف الرب والابن الذي أرسله. وعندما يعرض يوحنا لحظات صلب المسيح وموته، فإنه يقصّ قصّة أخرى لا نرى فيها جزع المسيح ولا صراخه كما في الأناجيل الأخرى: "إِيلِي، إِيلِي، لِمَ شَبَقْتَنِي"، بل نجد لدى يوحنا: "أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً، إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ"، ويختتم المسيح كلامه وهو على الصليب بالقول: "قد أكمل"، أي أنّ مهمته قد أنجزت.

بهذه التضحية رفع المسيح الخطيئة الأساسية التي حكمت ابن آدم، وسببت له كما قيل في التوراة: "موتاً تموت". ظلّ الموت من تبعات الحياة الأرضية، لكن حياة أخرى أصبحت في متناول المؤمنين إن عاشوا الإيمان بالمسيح وتمثّلوا حياته وموته.

يؤكد بولس هذا الاتجاه الذي ظهر مع يوحنا، وإن كانت رسائل بولس أقدم من تاريخ كتابة إنجيل يوحنا، فنراه يقول في إحدى رسائله: "وإن كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة، أيضاً بروحه الساكن فيكم"، وهذه الروح هي الإيمان بالمسيح والمحبّة للجار. إنّ افتراض الحياة الأخرى والمكافأة الأخروية للمؤمنين، دفع العقيدة لتوسيع فكرة جهنم بحيث اختلفت عن جهنم العقيدة اليهودية، واستعارت من جهنمات العقائد الأخرى أوصاف هذه الجحيم التي أبدع دانتي في وصفها، كما يقول جورج جينوا، وفي الوقت نفسه أعلت من شأن الشهادة والتضحية محاكاة لحياة المسيح وموته. وهكذا نجد في أعمال القديس بوليكاريوس، الذي قتل سنة 156، الذي يصف ويقارن بين عذابات المسيحيين الأوائل الذين حرقوا بالنار أو بأساليب أخرى، وبين نار جهنم: "إنّ المحرقة كانت تبدو لهم باردة لأنّها كانت تُبعد عنهم ناراً أكثر هولاً". إنّ تصور حياة أخرى، سواء أكانت جنّة أم جحيماً، ساعدت في دعم العقيدة المسيحية ودفعت المؤمنين إلى التضحية والاستشهاد.

تعود فكرة صكوك الغفران إلى فكرة التوبة الأصيلة في العقيدة المسيحية، وذلك بسبب الاضطهاد الكبير الذي تعرضت له في بدايتها كما يقول لويس عوض في كتابه "على هامش الغفران". لقد ارتد الكثير عن العقيدة المسيحية، وخاصة في زمن الإمبراطور الروماني دومتيوس. لقد خاف آباء الكنيسة الأوائل من اندثار الدين فاشترعوا فكرة التوبة العلنية عن الارتداد. هذه التوبة كانت الجذر الذي نبتت منه صكوك الغفران، فالبشر خطاؤون، لكن من يذهب مؤمناً للجهاد في الحروب الصليبية له الغفران الذي يجبّ جميع خطاياه. وفي عام 1095 أصدر البابا أوربان الثاني، صكّ الغفران الشامل لكل جندي مسيحي يخرج للقتال مدفوعاً بالإيمان وليس الكسب المادي. وهذا الصكّ يضمن الجنّة لكل من قتل.

إنّ فكرة الجحيم والجنّة التي نشأت في العقيدة المسيحية من قيامة المسيح من بين الأموات، كانت الإطار الذي جعل التضحية والاستشهاد/ الموت، عملاً في جوهر الإيمان.

الاستشهاد أقرب الطرق إلى الجنة

جاء الإسلام واضحاً حول الحياة الآخرة، فهناك الجنّة التي تكون من نصيب المؤمنين، وجهنم التي هي مثوى الكفار، وجاء في القرآن:" وَمَا هذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". أمّا نظرته للتضحية والشهادة، فكانت هي الأخرى واضحةً جداً: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ". وجاءت أحاديث الرسول مؤكدة على أهمية الصبر والتضحية: "صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنة". وضعت العقيدة الإسلامية الشهادة والتضحية في مرتبة عالية جداً، فالشهيد ينال الجنة من دون حساب أو دينونة.

الموت فداء للوطن

إنّ الدول الحديثة تربط الموت دفاعاً عن الوطن بالدين وإن لم تكن متديّنة، فهي تتبنّى وجهة نظر العقيدة اليهودية بالتضحية من أجل الجماعة/ الوطن، حتى يبقى المستقبل مفتوحاً وتعيش فيه الأجيال القادمة.

إنّ الوعود التي قدمتها العقائد الدينية للمؤمنين بها، جعلت من الموت في سبيلها قضية إيمانية، لا ينال الشّك من المعتقدين فيها، بإنّ هذا الموت سيقود إلى مكافأة عظيمة. وبعيداً عن الجدل السلبي التي تثيره قضايا من مثل الهجمات الانتحارية، كان للعقائد الدينية قدرة على طمأنة المؤمنين بها من الانقطاع عن الحياة الذي يسببه الموت، سواء أكان على البعد الشخصي أو على صعيد المحيطين بالميت.  وأخيراً نقول: كان سقراط مثالاً رائعاً في مواجهة الموت، فقد كان مقبلاً على الحياة حتى لحظاته الأخيرة، ويرى أنّ هناك استمراراً لهذه الحياة، وما الموت إلّا عتبة صغيرة بين حياتين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard