شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
التهم الجنسية... درب اغتيال الصحافيين المستقلين

التهم الجنسية... درب اغتيال الصحافيين المستقلين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 31 أكتوبر 202012:51 م

في السنوات الأخيرة نادراً ما نسمع في المغرب عن سجن صحافي مزعج ومعارض بسبب كتاباته أو آرائه، فالقانون الجديد للصحافة والنشر الذي صدر سنة 2016، ألغى العقوبات الحبسية وعوضها بغرامات مالية، لكن في المقابل عوضت السلطة المتابعات القضائية المتعلقة بحرية التعبير بمتابعات جنائية تتعلق بتهم من قبيل الاغتصاب وهتك العرض والاتجار بالبشر، وعادة ما ترافق هذه المتابعات القضائية حملات تشهيرية واسعة من قبل مواقع وصحف مقربة من السلطة.

وخلال الخمس سنوات الأخيرة توبع خمسة صحافيين (ات) بتهم تتشابه من حيث الطبيعة  الجنسية، إذ توبع الصحافي هشام المنصوري سنة 2015 بتهمة "الزنا"، ثم توبع ثلاثة صحافيين (ات) في جريدة "أخبار اليوم" التي تعتبر من آخر الجرائد المستقلة في المغرب بتهم جنسية، أولاها سنة 2018 مع اعتقال مدير نشرها الصحافي توفيق بوعشرين، الذي وجّهت له تهمتا "الاتجار بالبشر والاغتصاب" وحكم عليه في المرحلة الاستئنافية بـ15 سنة سجناً نافذاً، وفي سنة 2019، اعتقلت الصحافية هاجر الريسوني بتهمة "الإجهاض وإقامة علاقة خارج إطار الزواج" وحكم عليها ابتدائياً بسنة نافذة قبل أن يصدر عفو ملكي عنها وعن باقي المتابعين معها في القضية، وفي أيار/مايو 2020 اعتقل رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" سليمان الريسوني بتهمة "هتك عرض شاب مثلي الجنس بالعنف".

ولاحقاً اعتقل الصحافي عمر الراضي بتهمتي "الاغتصاب وهتك العرض بالعنف"، ثم طالبت النيابة العامة باعتبار الشاهد الوحيد في قضية الراضي الصحافي عماد الستيتو، "شريكاً في الاغتصاب وهتك العرض بالعنف"

ومع توالي الملاحقات القضائية ضد الصحافيين بتهم جنسية وجّهت "مراسلون بلا حدود" بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2020، "نداء عاجلاً" إلى المقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة، من أجل طلب إدانة علنية لتوظيف القضايا الجنسية ضد الصحافيين المنتقدين للسياسات في المغرب، وقالت المنظمة "وإن كان من الطبيعي أن يؤخذ أي ادعاء بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على محمل الجد، وأن يقع التحقيق فيه بجدية، فإنّ "مراسلون بلا حدود" تقدّم  قائمة لعدة معطيات تشكك في صدقية عدد من التهم".

واعتبر بول كوبان، المسؤول في القسم القانوني بـ"مراسلين بلا حدود"، أن "اتهام صوت ناقد بالاغتصاب أصبحت ممارسة معروفة لأجهزة الاستخبارات المغربية، من أجل ضرب صدقية الصحافيين والحدّ من إمكانية دعمهم، وهذا الأمر بيّنٌ في قضية عمر الراضي، مثلما كان الأمر في قضايا تورط عدد من الصحافيين"، وأضاف أن "هذه الأساليب إذ تعيق الصحافيين المنتقدين فإنها تُضعف النضال من أجل حقوق النساء أيضاً".

"الزنا"/"الاتجار بالبشر والاغتصاب"/"الإجهاض وإقامة علاقة خارج إطار الزواج"/"هتك عرض شاب مثلي الجنس بالعنف"... عن تهم مُعلّبة لاغتيال صحافيي المغرب المستقلين

كذلك أصدرت منظمة "هيومين رايتس ووتش" تقريراً عن قضية الصحافي عمر الراضي تحت عنوان "المغرب يرفع قضية تجسس ضد صحافي معارض"، قالت فيه إن "للمغرب رصيداً في اعتقال الصحافيين المستقلّين أو النشطاء أو السياسيين، ومقاضاتهم، وسجنهم على خلفية تهم جنسية ملفقة، بما فيها الجنس خارج الزواج والاعتداءات الجنسية. استُنكرت بضع محاكمات على نطاق واسع باعتبارها ذات دوافع سياسية، ولا تراعي الضمانات القانونية الواجبة لجميع الأطراف".

وأضافت: "تحصل هذه القضايا في سياق تواجه فيه النساء المغربيات عقبات نمطية في الإبلاغ عن العنف الجنسي والسعي للانتصاف، بما في ذلك محاكمتهنّ بتهمة ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، إذا لم يُصدَّق ادعاؤهنّ بالتعرض للاغتصاب، علماً أنّ نسبة الإدانة في هذه القضايا ضعيفة".

عدم توفر شروط المحاكمة العادلة

من جانبه، اعتبر أحمد رضا بنشمسي مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومان رايتس ووتش" أنه "من الباب الحقوقي المحض، أي تهمة يكون معترفاً بها في القانون الدولي، لا نعترض على متابعة صحافي بموجبها، وإن نتجت عنها إدانة بناء على أدلة دامغة وإجراءات عادلة، لن يكون لدينا ما نقوله"، مضيفاً: " المشكلة ليست في التهم وإنما في الإجراءات القضائية المتبعة، والتي تغيب فيها في الكثير من الأحيان ضمانات المحاكمة العادلة... فضلاً عن السياق العام الذي يتسم بتخويف الصحافيين، الذي تغذى بالعديد من المتابعات خلال  السنوات العشر الأخيرة".

بالمقابل يقول بنسمشي: "هناك تهم مرفوضة أصلاً، كيفما مرت الإجراءات، مثل تهم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، التي وجهت للصحافية هاجر الريسوني، لأنها تدخل في باب الحرية الفردية والحق في الخصوصية".

وفي الوقت الذي توبع فيه الصحافيون الخمسة في حالة اعتقال رغم الضمانات التي يتوفرون عليها للمثول أمام القضاء، يرى بنشمسي في معرض كلامه لرصيف22 أن "كل المواثيق الدولية وحتى القوانين الوطنية تؤكد أن الاعتقال الاحتياطي يجب أن يكون استثنائياً، ومعللاً بالتفصيل، لكن، للأسف، لم يعد الاعتقال الاحتياطي استثنائياً بل أصبح أقرب للقاعدة كلما تعلق الأمر بصحافي مستقل أو معارض، بدون أي تعليل مفصل أو مقنع".

في موازاة هذه المتابعات، تعمل المواقع الصحافية المقربة من السلطة على تشويه سمعة الصحافيين المستقلين، وفي هذا الشأن قال بنشمسي إنه "في السنوات الأخيرة برزت صحافة التشهير التي لم تكن موجودة من قبل، وأصبحت أداة في يد النظام، الذي راح يستعمل الصحافة ضد الصحافة".

وتعليقاً على البلاغات والتصريحات التي تصدر عن جهات قضائية محملة بالاتهامات في حق بعض المنظمات الحقوقية بالتشويش على عمل القضاة والتأثير على "استقلالية القضاء"، قال بنشمسي: "التشويش على القضاء" بالنسبة لي مفهوم غير واضح، لا أعلم ماذا يقصدون به. هل يعني أن نصمت وألا نتكلم؟". وتابع: "استقلالية القضاء مبدأ مهم، لكن حرية التعبير مبدأ لا يقل أهمية. إذا اعتبروا أن تقريراً واحداً لمنظمة حقوقية سيؤثر على القضاء، فماذا يمكن القول عن عشرات المقالات التي تكتبها المواقع القريبة من السلطة؟".

"اتهام صوت ناقد بالاغتصاب أصبحت ممارسة معروفة لأجهزة الاستخبارات المغربية"... عن تهم مُعلّبة لاغتيال صحافيي المغرب المستقلين

وقال صهيب الخياطي، مدير مكتب شمال إفريقيا في منظمة "مراسلون بلاحدود"، إن اعتقالات الصحافيين بتهم من قبيل الاغتصاب وهتك العرض "ممنهجة وليست وليدة الصدفة"، موضحاً أن "هدف السلطة المغربية هو إحراج منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية التي تحاول الدفاع عن هؤلاء الصحافيين".

وتابع الخياطي في حديثه لرصيف22: "نحن ندين كل جرائم الاعتداءات الجنسية، ولا ننزه الصحافيين عن التورط فيها، لكن ما يثير شكوكنا أن كل صحافي يقلق النظام وله مواقف حرة ويغرد خارج سرب يواجه بحملة تشهير ضده ثم يتم اعتقاله، وهذا حصل مع أربع حالات، آخرها قضية عمر الراضي، وقد حولوا الشاهد الوحيد في قضيته إلى متهم".

وأضاف: "واضح أن السلطة المغربية تحاول السيطرة على وسائل الإعلام وتحارب الصحافة المستقلة، نحن في "مراسلون بلا حدود" نأسف لأنه ليس هناك حرية صحافة في المغرب".

القتل الرمزي للأصوات المعارضة

في سياق متصل قال الناشط الحقوقي المغربي خالد البكاري في تعليقه على المتابعات القضائية ضد الصحافيين والنشطاء: "توالت قضايا متابعة صحافيين ونشطاء مدنيين يجمع بينهم انتقادهم سياسات النظام في المرحلة الأخيرة، الغرض من ذلك هو محاولة القتل الرمزي لهذه الأصوات". وتابع: "توالي هذه القضايا جعل الرأي العام يشكك في هذه الروايات، كما لوحظ أن المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت في البداية تتلكأ في تبني قضايا هؤلاء المعتقلين بسبب شبهة احتمال تورطهم في اعتداءات جنسية مفترضة، بدأت بدورها مع تكرار هذه الملفات تطرح احتمال تورط الأجهزة الأمنية في فبركة هذه القضايا، وتدعو إلى تحقيق نزيه في كل هذه الادعاءات".

وأشار البكاري إلى أنه "يلاحظ تشابهاً في سيناريوهات هذه القضايا، إذ تبدأ بحملة تشهير في وسائل إعلام معروفة بقربها من جهات داخل السلطة، ثم تتلوها مباشرة مرحلة الاعتقال بناء على ادعاءات تفتقد أدلة مادية أو شهوداً أو حالة تلبس"، مردفاً أن "الجميع من سلطة وقضاء وحقوقيين وإعلاميين موقنون بأن هؤلاء المتابعين يدفعون ثمن مواقفهم، ولكن يتم توظيف المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلامية لشرعنة هذه الانتهاكات".

وقال البكاري لرصيف22: "الأمر مرتبط بإستراتيجية جديدة في مواجهة الأصوات المنتقدة للنظام والدولة العميقة والمؤسسات الأمنية، وهي إستراتيجية تقوم على القتل الرمزي، لأن الاعتقال بتهم سياسية يعطي شرعية لانتقادات هؤلاء الصحافيين والنشطاء المدنيين، لذلك يتم اللجوء لمتابعات على أساس تهم أخلاقية". وزاد: "من الملاحظ أن هذه المتابعات تستهدف الأصوات المستقلة وغير المتحزبة، وهذا يشير إلى انتقال فعل المعارضة من الفضاء الحزبي نحو الفضاءات المدنية".

واعتبرت خديجة الرياضي الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) أن المتابعات الأخلاقية تتبعها دائماً حملات تشهيرية واسعة من قبل المواقع الصحافية التابعة للسلطة، مضيفةً أن هذا النوع من الحملات "شكل جديد من أشكال القمع" وفقاً لتقرير جمعية "الحرية الآن"، ومشددة على أن الهدف من استخدام اتهامات أخلاقية هو القتل الرمزي للصحافي والحد من تأثيره في المجتمع خصوصاً أن المجتمع حساس جداً في مثل هذه القضايا، فضلاً عن تخويف باقي الصحافيين ".

وقالت الرياضي لرصيف22 إن "الحياة الخاصة للصحافيين والنشطاء الحقوقيين أصبحت وسيلة في يد السلطة ضد المعارضين والأصوات الناقدة"، وتابعت أن "التهم الأخلاقية تعزل المدعى عليه وتبث الشك في نفوس الناس تجاهه، خصوصاً أن المجتمع دائماً هو أقرب إلى التعاطف مع الضحايا"، مشيرةً إلى أن "المنظمات الحقوقية هي أيضاً تتعامل بحذر في مثل هذه القضايا خوفاً من انتهاك حقوق الضحايا المفترضات".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard