شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إذاعة القرآن الكريم في

إذاعة القرآن الكريم في "ستاند أب كوميدي"... لماذا نكره السخرية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 21 أكتوبر 202002:54 م

حين وافق حمدين صباحي، أثناء ترشحه لرئاسة مصر في 2012، أن يكون ضيف "البرنامج" للإعلامي الساخر باسم يوسف، كان يعلم يقيناً أنه سيتعرض لسخرية يشاهدها الملايين، لكنه من ناحية أخرى، أراد أن يثبت للجميع أنه لو أصبح رئيساً لمصر سيتقبل كافة أشكال النقد، حتى لو اتخذ شكل السخرية التي لا يتقبلها كثيرون، خاصة حين يصلون للسلطة.

تذكرت ذلك وأنا أتابع الضجة التي تسبب فيها الفنان محمد أشرف، بعد ظهوره في "ستاند أب كوميدي"، وهو يسخر من طريقة أداء مذيعي إذاعة القرآن الكريم. ورغم أن الانتقاد اقتصر على "المذيعين" فقط ولم يتطرق لمحتوى الإذاعة أو ما تقدمه من قضايا، لكن تناوله لإذاعة دينية بطريقة ساخرة كان كافياً للهجوم على "أشرف" واتهامه بالسخرية من الدين نفسه، وأخيراً تقديم بلاغ ضده من الهيئة الوطنية للصحافة، بتهمة "التطاول والانحطاط الأخلاقي".

وإذا كان الحديث عن تطوير إذاعة القرآن الكريم وطريقة أداء مذيعيها ليس بجديد، فلماذا ثارت تلك الضجة وهذا الهجوم، ولماذا يمكن تقبل النقد إن جاء بأي طريقة إلا السخرية التي نكرهها، سواء أكنا أفراداً عاديين أو حكاماً ومؤسسات. 

إذا كان الحديث عن تطوير إذاعة القرآن الكريم وطريقة أداء مذيعيها ليس بجديد، فلماذا ثارت تلك الضجة وهذا الهجوم، ولماذا يمكن تقبل النقد إن جاء بأي طريقة إلا السخرية التي نكرهها، سواء أكنا أفراداً عاديين أو حكاماً ومؤسسات

حسب رأيي، إن أول تلك الأسباب يتعلق بالخلط بين الإهانة كجريمة يُعاقب مرتكبها وبين السخرية كطريقة لإبداء الرأي والانتقاد، تماماً كما فعل محمد أشرف، الذي لم يقصد سوى المطالبة بتغيير طريقة مذيعي إذاعة القرآن الكريم التي لم تعد تناسب الجيل الحالي، لكنه قال ذلك بطريقته، تماماً كما يفعل الكاتب حين يكتب أو الفنان في عمل فني.

هذا الخلط يعود، في جزء كبير منه، إلى طبيعة السخرية التي تؤدي بالضرورة إلى إضحاك الناس من الذي يتم السخرية منه، ولأن كثيرين منا يقبلون الانتقاد على مضض أصلاً، فمزج هذا الانتقاد بالضحك يجعلنا نشعر بالإهانة، بغض النظر عما قصده الساخر أو ما يريد قوله. 

ثاني الأسباب هو سرعة انتشار السخرية كوسيلة تتواءم مع الطبيعة الإنسانية المحبة للضحك، وتلك نقطة قوة يتمتع بها الساخرون، خاصة في عصر "السوشال ميديا"، لكنها أيضاً تجلب لهم مشاكل كثيرة، إذ إن لا أحد يحب أن يضحك عليه الناس أو أن يتم انتقاده، فإنه من الممكن أن يتغاضى عن ذلك إن كان نطاق الانتشار ضيقاً، أما إذا وصل إلى ملايين فلابد من الرد. 

بالنسبة للحكام والمؤسسات تتخذ السخرية أبعاداً أخرى، وتكون مهاجمتها ليس لها علاقة بفكرة الانتقاد أو الشعور بالإهانة، بل بما تحدثه السخرية من أثر في نفوس الناس، وأبرز تلك الآثار نزع "الهيبة المزعومة" عن الحاكم أو المؤسسة التي يتم السخرية منها، ووضعهم في موقعهم الحقيقي دون خوف، وانتقاد قراراتهم بل وتحويلها إلى مادة مثيرة للضحك.

ولأن حكامنا في الوطن العربي يعرفون أنهم لا يملكون سوى "هيبة مزعومة"، صنعوها من خلال استخدام القوة وإخافة الناس من أي اعتراض وإضفاء الألقاب المعظمة لهم، لم يكن من الغريب أن يكون الساخرون هم أول من يتعرضون للبطش، لأنهم ببساطة يمسّون تلك الهيبة التي يُدرك حكامنا أو مؤسساتهم أنها حين تذهب لن يبقوا في أماكنهم يوماً واحداً. 

إن قضية السخرية من إذاعة القرآن الكريم ليس لها أي بعد ديني، بل ما فعلته تلك الإذاعة كانت ستفعله أي مؤسسة أخرى لو تعرضت للانتقاد من خلال السخرية، ووقتها بدل أن يكون الاتهام للساخر هو التطاول والهجوم على الدين، سيتم اتهامه بأي تهمة أخرى تتناسب مع طبيعة المؤسسة التي انتقدها

لذلك أيضاً لم يكن من الغريب أنه في الوقت الذي تحمّل فيه الرئيس الراحل أنور السادات، انتقادات كتاب كُثر في بداية حكمه، لم يستطع تحمّل سخرية الكاتب الساخر محمود السعدني، الذي أطلق "نكتة" فلقي بسبب ذلك السجن والفصل من العمل، قبل أن يقرر السفر خارج البلاد.

هذا ما تكرر بأشكال مختلفة مع ساخرين آخرين، فأحد أسباب إغلاق جريدة الدستور في عصر مبارك، كانت الكتابات الساخرة التي بطلها بلال فضل، وفي عصر مرسي، تعرض الإعلامي باسم يوسف لمضايقات استمرت حتى بداية عصر السيسي، حين اضطر تحت وطأة الضغوط أن يوقف برنامجه ويغادر البلاد. 

ولم يقف الأمر عند الحكام، بل انتقل للمؤسسات التي لم يعد لديها ما تقدمه هي الأخرى، فاتخذت نفس الطريق بصنع "هيبة مزعومة"، وبالتالي بات الاقتراب منها بالسخرية أمراً مرفوضاً تماماً، لذلك فإن قضية السخرية من إذاعة القرآن الكريم ليس لها أي بعد ديني، بل ما فعلته تلك الإذاعة كانت ستفعله أي مؤسسة أخرى لو تعرضت للانتقاد من خلال السخرية، ووقتها بدل أن يكون الاتهام للساخر هو التطاول والهجوم على الدين، سيتم اتهامه بأي تهمة أخرى تتناسب مع طبيعة المؤسسة التي انتقدها، المهم أن "لا تفقد هيبتها". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard