شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"جدتي قالت لي انجبي إناثاً فنحن في زمن النساء"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 سبتمبر 202001:32 م

بزغاريد الخالات والعمات داخل غرفة مربعة، مميزة بجدرانها البيضاء، في مصحة بالدار البيضاء (وسط المغرب) استُقبلت رضيعة حديثة الولادة.

كل شخص داخل الغرفة المذكورة سعيد بمولودة تشبه الملاك. تبدو على ملامح والدتها الانتشاء كأنها ملكة أنجبت أميرة. اختارت لها ملابس وردية اللون، و"بوفي" خاصاً للاحتفال، وبدت علامة الرضا على أبيها، وعلى العمات والخالات.

قد لا يثير هذا المشهد استغراب القارئ، وقد يتبادر إلى ذهنه بأنه من الطبيعي أن يسعد الأب والأم والأقارب بمولود جديد. لكن اللافت هنا هو استقبال ولادة أنثى بفرح وحب شديدين. كان هذا المشهد قبل عدة سنوات نادراً جداً، حتى أن بعض الأسر المغربية لا تزال تفضل إنجاب الذكور عوض الإناث، لكن هذه الرغبة اختفت بطريقة ملحوظة لدى العديد منها، إذ بدأت تعبر عن رغبتها في إنجاب الإناث عوض الذكور.

"الأنثى حلمي"

"فخورة جداً بإنجاب مولودتي"، تتحدث حنان، سيدة في العشرين من عمرها، عن يوم ولادة طفلتها، وتضيف: "كان يوماً مميزاً لن أنساه أبداً.."، وتستطرد باهتمام: "في وقتنا الحالي، إنجاب الأنثى كالذكر، لم يعد هناك أي تمييز، فأنا أتمنى أن أكون أماً للبنات عوض الذكور".

تتابع حنان حديثها لرصيف22: "إنجاب الأنثى لم يكن يحظى برغبة الكثيرين إذ يلاحظ أن الأسر تفضل إنجاب الذكر، لا سيما الأسر الفقيرة. الأنثى في بعض الأسر ليس لها الحق في المطالبة بميراثها، بينما يعطى هذا الحق للذكر، أسوق مثالاً على ذلك، نساء السلاليات، فالآلاف منهن حرمن من نصيبهن في أراضي آبائهن وأجدادهن، لأنهن نساء، وهذا الوضع لا يزال قائماً".

"تضرعت إلى الله أن تنجب ابنتي أنثى، فالنساء أفضل من الرجال بكثير، النساء أصبحن يكسبن المال كالرجال، يتفوقن أيضاً في دراستهن. أرى قريباتي ناجحات في حياتهن، أما الرجال فيتحدثون كثيراً لكن لا يعملون"

عبرت حنان عن رغبتها الشديدة في إنجاب مولودة أنثى ثانية، وتبرر رغبتها هذه بالقول:" قلت سلفاً إن إنجاب الأنثى ليس كالذكر، دائماً تقول لي والدتي إن المرأة التي لا تنجب البنات كأنها لم تنجب". تفسر ذلك: "والدتي مثلاً أنجبت أربعة ذكور وأنثى، لكن الشخص الوحيد الذي ظل قريباً من والدتي هو أنا، الوحيدة التي تهتم بها، وتطمئن عن حالها بشكل يومي، وتصرف عليها أيضاً، عكس أشقائي".

وتحكي رحمة، وهي في الخمسين، عن سعادتها بانجاب ابنتها الوحيدة، توضح: "هذا الزمن زمن النساء وليس زمن الرجال"، بهذه العبارة، تفسر تعلقها الشديد بحفيدتها، "عندما كانت ابنتي حاملاً، كنت أتضرع إلى الله لتنجب ابنتي مولوداً أنثى، لأن الأنثى افضل بكثير من الذكر".

وتشرح موقفها هذا: "النساء أصبحن يكسبن المال كالرجال، يتفوقن أيضاً في دراستهن. أرى قريباتي ناجحات في حياتهن، أما الرجال فيتحدثون كثيراً لكن لا يعملون".

وتتابع: "في السابق كانت الأنثى "محكورة" أي مظلومة. أتذكر أن جدتي اخبرتني أنها لم تختَر زوجها. الإناث في ذلك الوقت لم يكن يملكن حق اختيار الزوج، الآن أصبحن مأذونات، أي يشرفن على توثيق عقود الزواج".

وتضيف رحمة: "تغيرت نظرة بعض الأسر لمعتقدات اجتماعية عديدة، كانت هذه المعتقدات غير منصفة للنساء، فالأسر كانت تعتقد أن أعمال المنزل هي من واجبات الأنثى وحدها، وأن الذكر حينما يشارك فهو منتقص الرجولة ". وتستطرد: "هذا السلوك سائد في المجتمع، لكن مع ذلك أصبحنا نلمس تغييراً، ونجد أنه إذا كان الرجل واعياً ومقتنعاً بحقوق المرأة، فهو يشاركها خفية في أعباء المنزل، بعيدا عن الأعين حتى لا يكون موضع سخرية بين أفراد أسرته".

"زوجي بكى"

لكن رجاء ترى العكس، فتجربتها، قبل عشر سنوات لم تكن بهذه السهولة مقارنة مع بتجربتي رحمة وسناء. تحكي أنها كانت تطلب من الله أن تنجب مولوداً ذكراً، لأن زوجها كان يرغب فيه بشدة. تقول لرصيف22: "تزوجت في سن صغيرة، وزوجي كان يكبرني بعشرين سنة، أخبرني أنه لا يحب تربية البنات، فمسؤوليتهن مضاعفة مقارنة بتربية الذكور، الذين يحملن لقب أبيهم ويساعدهم".

وتضيف رجاء: "زوجي له أبناء من زوجات سابقات، ويرغب في إنجاب مولود ذكر، وعند ولادة ابنتي الأولى، لم يتردد في التعبير عن رغبته في إنجاب مولود ذكر، لكنه لم يتصرف مرة بسوء مع طفلته".

لكن ما كان يحزن رجاء، هو عندما كان زوجها يعبر في حضور ابنته عن حزنه بسبب ولادتها أنثى، تقول: "طفلتي كانت تسمع برغبة أبيها في إنجاب مولود ذكر، صحيح هي صغيرة قد لا تستوعب هذه الأمور المعقدة، لكن أكيد أنها ستحس بعدم سعادة بأبيها بها" .

وتتابع: "لكن بعد إنجاب طفلي، بعد سنتين، شاهدت الفرحة في عيني زوجي، لدرجة أنه ذرف دموعاً".

الغريب أن هذه الثقافة الاجتماعية التي تفضل إنجاب الذكور على الاناث تجد لها مؤيدات في صفوف بعض النساء، فعلى سبيل المثال نجد بعض النساء مقتنعات بأهمية ولادة الذكور، إذ تظل المرأة التي تلد اناثاً فقط مهددة بالانتقاد والتجريح، خاصة من قبل حماتها وشقيقات زوجها.

ويكفي أن نقرأ بعض الأمثلة الشعبية في المغرب للدلالة على ذلك، مثل "المرأة بلا ولاد بحال (مثل) الخيمة بلا وتاد" و "دار البنات خاوية" (فارغة).

عبّر علي، وهو في عقده الرابع، وموظف في القطاع العمومي عن أن رغبته في أن يُرزق مولوداً ذكراً "نابعة من شعور معقد يصعب التخلص منه"

عبّر علي، وهو في عقده الرابع، وموظف في القطاع العمومي، لرصيف22 عن أن رغبته في أن يُرزق مولوداً ذكراً لا علاقة لها بمستواه التعليمي أو محيطه الاجتماعي، بل هي "نابعة من شعور معقد يصعب التخلص منه".

يضيف علي: "طفلي هو امتداد لي، أطمح إلى تحقيق أشياء كثيرة من خلاله، عجزت عن تحقيقها"، ويستدرك "لا أعرف إذا كانت وجهة نظري صائبة، لكن هذا في الواقع ما أشعر به".

رغبة بعض الرجال في إنجاب مولود ذكر تدفعهم إلى الزواج مرات عديدة، وعلى الرغم من أن الرجل هو الذي يحدد جنس المولود وليس المرأة، يرفض بعضهم الاقتناع بهذه الفكرة.

حكم قضائي فريد

فكرة الزواج للمرة الثانية لإنجاب مولود ذكر قد يكون تحقيقها صعباً، لكن قبل ست سنوات صدر قرار فريد عن محكمة النقض غي المغرب يسمح للزوج أن يتزوج "زوجة ثانية"، استجابة لرغبته في إنجاب الذكور.

وتعود فصول القضية إلى حوالي ست سنوات مضت، حينما تقدم زوج بطلب تعدد للمحكمة الابتدائية، لكون زوجته الأولى لا تنجب إلا الإناث، فيما هو يرغب في إنجاب الذكور. المحكمة رفضت طلبه لانعدام المبرر الاستثنائي الموضوعي الذي يسمح للزوج بالتعدد. استأنف الزوج هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي أيدت الحكم الابتدائي، معتبرة المبرر الذي تقدم به لطلب الإذن بالتعدد غير جدير بالاعتبار.

الزوج لم يستسلم، لجأ أيضاً إلى محكمة النقض، التي أصدرت قرارها المثير التي نقضت به قرار محكمة الاستئناف مستندة في تعليلها إلى حيثيات فريدة جاء فيها: "لما كان الزوج يتوفر على البنات فقط من زوجته الأولى، التي وافقت له على زواجه من ثانية، لرغبته في إنجاب مولود ذكر، فهذا ممنوع قانوناً ولا فقهاً".

"وافقت محكمة على زواج رجل من امرأة أخرى لينجب مولوداً ذكراً".

وقد اعتبر حقوقيون أن محكمة النقض تجاهلت نتائج الأبحاث العلمية التي أثبتت أن "كروموسومات" الرجل هي التي تحدد جنس الجنين، وأن المحكمة المذكورة استندت إلى فكر يضرب كل ما توصلت إليه مواثيق حقوق الإنسان والقانون المغربي من مساواة بين الجنسين.

يشار إلى أن المادة 41 من مدونة الأسرة تنص على أن المحكمة لا تأذن بالتعدد “إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي، وإذا لم يكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة".

كما أن قرار محكمة النقض الأخير اعتبره مراقبون قراراً مثيراً، وغير رائج في عدد كبير من المحاكم المغربية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard