شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"وصليني بطريقكِ"... خدمة سيارات نسائية سورية تستغني عن الرجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 28 سبتمبر 202004:37 م

"إذا كنتِ تمتلكين سيارتك الخاصة، وماهرة في قيادتها، وترغبين بالاستفادة وإفادة غيركِ، نرحب بك في كادرنا النسائي".

بهذه العبارة أطلقت السيدة السورية رهف سراح فكرة طاردتها منذ زمن، منحتها اسم "وصليني بطريقك".

وتدور فكرة المشروع حول استثمار السيدات سياراتهن الخاصة وتحويلها إلى عامة عبر تقديم طلبات توصيل، شريطة أن تكون هذه الخدمة "نسائية بحتة" من جانب الطرفين (الكابتن والزبونة)، دون أي حضور ذكوري، في خطوة تهدف لمساعدة المرأة على الاستقلالية المالية وتمكينها اقتصادياً، إضافة لتوفير الراحة للمتنقلات.

وخرجت صاحبة المشروع، وهي ربة منزل تقيم في منطقة الميدان بدمشق، بفكرة الخدمة، بعد أن لفت انتباهها الازدياد الكبير بأعداد النساء اللواتي يقدن السيارات بمهارة عالية ينافسن بها الرجال. تقول لرصيف22: "لدينا فتيات ونساء عديدات بارعات في قيادة السيارة، وفي الوقت ذاته يعشن ظروفاً اجتماعية صعبة، فبعضهن لا يعمل في الوقت الحالي، والبعض الآخر يطمح لتحسين وضعه المادي".

بذلك طرحت رهف على نفسها تساؤلاً حول إمكانية توظيف هذه القدرات في مكانها الصحيح، بحيث تستخدم السيدات سياراتهن الخاصة في نقل سيدات أخريات، ويحصلن على نسبة من أجور التوصيل، وبذلك يتمكنّ من توفير مصروفهن الشهري دون إعانة أحد، "لا سيما في إطار مهنة يحتكرها الرجال، ولا يوجد أي أثر للمرأة فيها" على حد تعبيرها.

آلية العمل

انطلقت خدمة "وصليني بطريقك" منذ قرابة عام ونصف العام، لكنها بدأت بالانتشار في الآونة الأخيرة كما تقول مؤسستها، إذ ازداد عدد أعضاء الفريق من خمس سيدات إلى حوالى مئة.

وعن آلية العمل تتحدث رهف: "بعد اختيار السيدة نوع خدمة التوصيل التي تود تقديمها سواء كانت لطالبات مدارس أو جامعات بشكل روتيني، أو طلبات أخرى خاصة كالتوصيل إلى محل مصفف الشعر، نطلب منها مجموعة بيانات شخصية مع رخصة القيادة ورخصة السيارة وخط السير الذي ستعمل ضمن مجاله، على أن يكون في منطقة سكنها تجنباً لحصول أي تأخير بمواعيد التوصيل".

بعد ذلك تتولى رهف تنظيم الطلبات وفرزها في جداول تبعاً لأماكن الكابتن والزبونة ومواقيتها في آن واحد، مشيرة إلى أن الخدمة تغطي جميع مناطق العاصمة دمشق وجزءاً من ريف دمشق.

وتستعين السيدة بمواقع التواصل الاجتماعي للترويج، فتعلن من خلال صفحة الخدمة على فيسبوك عن نقاط الانطلاق، وترد على رسائل الزبونات واستفساراتهن، فيما تطمح لتطوير الخدمة ونشرها على أوسع نطاق، إذ تستعد لإنشاء تطبيق إلكتروني بهدف الوصول لأكبر شريحة ممكنة من النساء.

وعن ترخيص الخدمة في سوريا تجيب رهف: "أسعى حالياً لتسجيلها في وزارة النقل والمحافظة، وهو أمر شكلي وروتيني لن يؤثر على عمل الفريق، لأن السيارات ملكية خاصة للسيدات ولهن حق التصرف بها".

تدور فكرة المشروع حول استثمار السيدات سياراتهن الخاصة وتحويلها إلى عامة، شريطة أن تكون هذه الخدمة "نسائية بحتة" من جانب الطرفين (الكابتن والزبونة)، دون أي حضور ذكوري، في خطوة تهدف لمساعدة المرأة على الاستقلالية المالية وتمكينها اقتصادياً، إضافة لتوفير الراحة للمتنقلات

بدافع الحاجة أو الرغبة في الاستقلال المادي

على الرغم من أن أم وسيم كانت تحلم طوال حياتها بقيادة سيارة، لم يخطر في بالها أنها ستتخذها مهنة تعتاش منها لاحقاً، فقد أجبرت السيدة ذات الأعوام الستة والخمسين على العمل مدفوعة بالحاجة الماسة لتأمين أدويتها ومصروفها الشخصي.

وتتحدث السيدة المقيمة بحي المهاجرين في دمشق عن مهنتها الجديدة لرصيف22: "مصلحتي فيها تعب كبير، لكنني مضطرة للعمل. أحتاج شهرياً إلى أدوية عديدة، وليس لدي معيل، فزوجي متوفى وأبنائي خارج البلاد، باستثناء ابنتي"، مضيفة بحزن: "كنت كل عمري وأنا صبية أحلم سوق سيارة لحالي، ما قدرت غير وأنا بهالعمر وبهالظروف الصعبة، الآن عم سوق بالناس".

وتتابع: "عن طريق المصادفة، ومنذ حوالى ستة أشهر، كانت ابنة أختي تطالع أخباراً على موقع فيسبوك إلى أن ظهر أمامها إعلان عن طلب توظيف سائقات يعملن بسياراتهن الخاصة في توصيل الزبونات حصراً، ثم عرضت ابنتي مساعدتها عبر إعارتي سيارتها، على أن نتقاسم الدخل مناصفة".

أما بالنسبة لأمل، وهي سيدة متزوجة تقيم في حي الميدان بدمشق ولديها ثلاثة أطفال، فالأمر مختلف. لقد تمكنت من انتزاع موافقة زوجها بعد استخدام مهارتها في إقناعه بخوض هذه التجربة بحثاً عن الاستقلال المادي والإحساس بقيمة المال الذي ستكسبه من عرق جبينها بدون الاتكال عليه.

وعن تجربتها التي خاضتها منذ ثلاثة أشهر تتحدث لرصيف22: "أميل إلى حب المغامرة وتجربة الأشياء الجديدة، كما أنني أعشق قيادة السيارة، ففكرت بتوظيف هذه الموهبة واستثمار وقتي وسيارتي معاً لجني النقود والاعتماد على نفسي"، وتضيف: "بتعرفي قد ما كان الزوج قادر على تأمين احتياجات زوجته، بضل مصروفها كبير، والدنيا غليانة، شعور حلو أنو كون مستقلة بذاتي وعندي مردودي الخاص، ما انتظر يجيب لي هو غرض".

مضايقات الرجال وألفاظ نابية

يطلق بعض الرجال في سوريا النكات المهينة للتقليل من شأن المرأة حين يشاهدونها إلى جانبهم وهي تقود السيارة، كأن يقول أحدهم بسخرية "ابتعد على الفور، إنها امرأة، أنت على وشك الموت"، وهناك من يقول حين يقع أي اصطدام "بدك ما تعتب على سواقتها، بتضل امرأة"، وآخر "إذا كنت ترغب بالموت دهساً أو تحطيم سيارتك، فما عليك سوى المرور جانب سيارة امرأة. النساء حمقاوات لا يعرفن يمناهن من يسراهن".

وتتحدث أم وسيم عن معاناتها الطويلة مع هذه الإزعاجات، إذ كثيراً ما تتعرض للشتائم والكلمات النابية ونعتها بصفات دونية. تقول: "كثيراً ما يشتمني أحد الرجال عندما أزاحمه على مكان ضيق، محاولاً حشري في زاوية صغيرة، ظناً منه أنني غير قادرة على الخروج، لكنني أمتلك مهارة عالية في القيادة، وزبوناتي يشهدن على ذلك، حتى أن من يعرفني جيداً يقول عن قيادتي "بتسوق متل الزلمة"، وكأن الأمر حكر عليهم".

تتفق أمل مع الرأي السابق، لكنها ترى أن هذه النظرة بدأت تتراجع تدريجياً، لوجود سيدات خبيرات في قيادة السيارة، وهو أمر لم يعد بإمكان الرجال نكرانه. تقول: "ما زالت المرأة توصف بصفات متجذرة في المجتمع تمس إمكاناتها وتشكك فيها على الدوام. من هذه الصفات، فاشلة في قيادة السيارة. لكن الحق يقال، هناك رجال تخلوا عن هذه النظرة تجاه المرأة وباتوا يشهدون بتفوقها في هذا المضمار".

"ما عادت المرأة كالسابق، هي الآن مستقلة وتعتمد على نفسها، لا سيما في ظل الغياب التام للرجل، فهو إما ميت، أو مسافر خارج البلاد، أو في الخدمة العسكرية"

توفير الراحة 

بعيداً عن ضرورة إشراك المرأة في جميع ميادين المجتمع والسعي لتغيير الأدوار النمطية الراسخة، تأتي خدمة "وصليني بطريقكِ" كمحاولة خجولة لحماية المرأة من تعرضها لشتى أنواع المخاطر التي قد تحدق بها، وإمدادها بشعور حرية التنقل دون خوف، وتأمين الراحة والسلامة لها.

"نحن بأمس الحاجة إلى خدمة توصيل معنية بالنساء"، تقول سمر وهي طالبة طب أسنان بجامعة دمشق وإحدى المستفيدات من الخدمة، مضيفة أن أهميتها تزداد في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها البلاد، فأخبار الخطف والتحرش باتت منتشرة في كل مكان.

لجأت سمر المقيمة في حي الزاهرة لهذه الخدمة نزولاً عند رغبة والديها وبعد إلحاح كبير منهما. تقول: "يعتريهما قلق شديد كلما خرجت من المنزل، وقد سبق أن تعرضت لمضايقات عند ركوبي وسائط النقل العامة. مع هذه الخدمة أشعر بالأمان لكوني برفقة امرأة، كما يزول الشعور بالقلق والخجل، خاصة أنني التقيت مسبقاً الكابتن وتبادلنا أرقام الهواتف حتى أصبحنا صديقتين، فنحن متقاربتان في العمر".

تشاطرها في الرأي صفاء وهي أم لطفلين، وتفضل التعامل مع أنثى لوجود قواسم مشتركة بين الفتيات ولسهولة التعامل مع المرأة بدون حواجز.

تقول صفاء وهي ربة منزل مقيمة بدمشق لرصيف22: "ما كنت لأشعر بالراحة لو كان الرجل هو من يقود، سأبقى طوال الطريق وعيناي تراقبان أي حركة تصدر منه، إن كان ممسكاً هاتفه الخليوي ويتحدث مع أحد ما، أو إذا غير طريقه المعتاد وأختار الأقصر، كما أنني أرفض إغلاق الشبابيك حتى لو كان الطقس بارداً". وتتابع: "أفضّل الأنثى، فالمرأة لطيفة بالفطرة، ومزاجها رائق خلال القيادة على عكس الرجل الذي يتسم بالعصبية إذ سرعان ما يبدأ بالسباب والغضب أثناء الزحام". 

وتضيف: "وفق تجربتي الخاصة مع الكابتن، هي بارعة في القيادة، ولا تتهور كالرجل، وماهرة في ركن السيارة ضمن الأماكن الضيقة خلاف الكلام الشائع عنها" وتختم: "ما عادت المرأة كالسابق، هي الآن مستقلة وتعتمد على نفسها، لا سيما في ظل الغياب التام للرجل، فهو إما ميت، أو مسافر خارج البلاد، أو في الخدمة العسكرية".

بالإضافة إلى هذه الأسباب، جاءت خدمة "وصليني بطريقك" كما توضح مؤسستها رهف، لمساعدة العديد من الفتيات والنساء اللواتي نشأن في كنف عائلات محافظة ومحيط اجتماعي يمنع خروج الفتاة بمفردها وخلوتها مع سائق الأجرة، "بذلك يمكنهن الالتحاق بعملهن وجامعاتهن وأنشطتهن الخاصة من دون وقوع مشاكل مع ذويهن وأزواجهن"، وفق حديثها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard