شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"خلعت حجابي يوم زفافي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 10 سبتمبر 202002:41 م

"قد نتراجع عن بعض القرارات لأنها قد تكون غير ملائمة لنا"، هكذا بدأت فاطمة (اسم مستعار) 30 عاماً، من محافظة قنا جنوب مصر، حديثها عن ترددها طويلاً في خلع الحجاب حتى جاء وقت زفافها.

تحكي فاطمة عن بداية قصتها: "ولدت في بيئة متدينة، تفرض الحجاب على الفتيات في سن مبكر حتى يعتدن عليه".

كرهت فاطمة الحجاب من أول يوم ارتدته، وهي في الرابعة عشر من عمرها، فلطالما رغبت بالتمتع بشعرها، وارتداء ملابس تتلاءم مع عمرها، وأيضاً كرهت أن تكون بصورة المرأة التي تنتظر الزواج طوال شبابها.

التفكير في التمرد على العائلة له ثمن باهظ في مجتمعات تعترف بالأسرة أكثر من الفرد، خاصة بالنسبة للمرأة، وبعض النساء أيضاً يحتجن مساعدات مالية من أسرهن بين الآونة والأخرى، خاصة بعد غلو الأسعار، وتدني الأجور.

بدأت فاطمة تتحدث مع أسرتها حول خلع الحجاب بعد تخرجها من الجامعة، واستقرارها في العمل كمدربة تنمية بشرية بإحدى منظمات المجتمع المدني، في محافظة أخرى، ولكنهم "ظنوا الأمر مجرد مزحة، لا داعي لمناقشتها أبداً".

هنا بدأت فاطمة تعيد التفكير في الحجاب كـ "حق يمكن انتزاعه بعيداً عن المراوغة والتحايل".

صاحت والدة هدير بعد أن أخبرتها عن رغبتها في خلع الحجاب، قائلة: "عايزة الناس تقول إيه، أبوكي مات وأمك بوظت أخلاقك، افعلي ما تحبين بعد الزواج حتى لا أتحمّل إثمك يوم القيامة"

تعرفت فاطمة على شريكها، واتفقا أن تخلع الحجاب نهائياً في ليلة العرس، وبعد ذلك، تقول لرصيف22: "لم يكن لديه أي اعتراض على الأمر، بالعكس دعمني جداً".

تتعجب فاطمة من أن الجميع يتقبل أن تكون الفتاة كاشفة شعرها يوم الزفاف حتى وإن كانت محجبة، لذلك استغلت هذه النقطة.

ورغم تقبل الأسرة "على مضض" خلع فاطمة للحجاب، إلا أنها لم تسلم من "لسانهم"، تقول: "لا أزال أتحمل اللوم من أسرتي، وقد شبهوني بأني شيطان في وقت ما، لكنهم لا يملكون سلطة إجباري على ارتدائه مرة أخرى، وأصر على تحمل اللوم حتى لا يوجه إلى زوجي. أما عن المجتمع نفسه فلم يواجهني أحد، خاصة وأني وضعت الحدود اللازمة من البداية في هذا الموضوع".

"زوجي يتحمّل الانتقادات"

تتشابه قصة هدير المهدي مع فاطمة، حيث ارتدت الحجاب قسراً منذ المرحلة الإعدادية، خاصة أنها من بيئة ريفية في محافظة الغربية في مصر، ولكنها بدأت تخلعه في عدة مناسبات، مثل الأفراح والمصايف، وفي كلية "التربية الرياضية" التي درستها فيها.

شعرت هدير، مدربة لياقة بدنية، هي الأخرى بنفور من الحجاب، أنه لا يمثلها ولا يشكل فارقاً في حياتها، ويحدّ كثيراً من الألوان والأقمشة التي تحبّ ارتداءها، ويبلغ كرهها ذروته في الطقس الحار.

تعرَّفت هدير على شريكها، وتشاركا الرأي نفسه بخصوص الحجاب، وبعد خطبتها أخبرت والدتها برغبتها في خلع الحجاب. في البداية لم تهتم، ولكن عندما أبلغتها بلغة "واضحة" عن رغبتها، صاحت والدتها فيها: "عايزة الناس تقول إيه، أبوكي مات وأمك بوظتك"، وانتهى النقاش بأن تخلع الحجاب بعد الزواج، قالت لها: "افعلي ما تحبين بعد الزواج حتى لا أتحمل إثمك يوم الحساب".

تقول عن تجربتها بعد خلع الحجاب: "شعرت بالفرق الحقيقي في شكلي وكيف تغيرت تماماً، ولم تتحدث والدتي في هذا الموضوع مرة أخرى بعد الزفاف، لكن أسرة زوجي كانت معترضة تماماً على خلعي الحجاب، لكن من خلال الهمزات واللمزات".

تحمّل زوج هدى الكثير من الأحاديث الجانبية الدائمة عن كيف "قلّعها زوجها الحجاب" ولم يعترض على ملابسها، وغيرها من التعليقات التي تحاول دائماً أن تقلل من شأنه كرجل، بمفهوم ذكوري مختلف.

أكبر مشكلة واجهتها هدى هي في الجامعة، حيث طردتها إحدى المحاضِرات، وقالت لها: "لا تحضري لي إلا بعد ارتداء الحجاب، أنا عرفتك محجبة وعليك أن تظلي أمامي محجبة".

"أحاول الاستمتاع بمكسبي"

الفتاة في مجتمعاتنا لازالت تعاني من التمييز، سواء في فرض الحجاب، العمل أو الملابس، وصولاً إلى التحرش وغيره. تعتبر ندى رفعت، 25 سنة، تسكن في مدينة طنطا، أن خلعها للحجاب كان أمراً مصيرياً في حياتها، لأن ارتداءه شكّل ضغطاً نفسياً عليها، وأوصلها إلى مراحل جعلت علاقتها سيئة بجسدها، كون الحجاب يضطرها لإخفاء نفسها كلياً، ما يمنعها من أن تكون كباقي الفتيات اللواتي يرتدين ما يرغبهن فيه.

تشارك ندى الكثير من الفتيات رغبتها في خلع الحجاب، ولكن الرفض القاطع من قبل أهلها بسبب المجتمع الذي يعيشون فيه وأحاديث الناس عنهم.

"أهلي رفضوا أن أخلع الحجاب حتى لا ينتقدهم المجتمع".

تقول ندى لرصيف22: "تحدثت مع أسرتي كثيراً في الأمر، ولكنهم رفضوا لأن المجتمع فقط كان هو أكبر مشاكهم في هذا القرار، ولم يكن يبدو عليهم شكل آخر للاعتراض، وظل الأمر بين إعلان رغبتي وبين رفضهم حتى تعرفت على زوجي".

"كنت بين الحين والآخر أعلمهم برغبتي وكان ردهم: ربنا يهديك. كان هدفي من تكرار الحديث عن خلع الحجاب رغم علمي بقرارهم هو التمهيد، لأن الأمر سوف يحدث مستقبلاً، خاصة أنه لن يكون عندهم أي اعتراض، فأنا بحسب ما يقتنعون به على ذمة رجل آخر، وهو من سيحمل الذنب الديني والعار المجتمعي".

تعرّض زوج ندى هو الآخر لاتهامات تنال من "رجولته، لسماحه لزوجته بخلع الحجاب"، وكان رده عنيفاً يمنعهم من التدخل في حياتها.

تقول ندى إن الكثير من صديقاتها ينتظرن لحظة الزواج بزوج "متسامح" مع خلع الحجاب، ولكنها في ذات الوقت ينتابها شعور بالحزن والأسى لأنها في النهاية لجأت لشخص آخر من أجل حق من حقوقها، تقول لرصيف22: "رغم أن لدي زوجاً يحترمني ويحترم رغبتي، إلا أني أحزن للحصول على جزء من حريتي بمساعدة ودعم شخص آخر، وكأنه قدم لي معروفاً كبيراً على طبق من فضة، لكن في النهاية الأمر أحاول الاستمتاع بهذا المكسب".

الاستقلال المادي

أما إيمان طه، 27 عاماً، تسكن في القاهرة، فقد ووجهت برفض شديد لخلع الحجاب رغم استقلالها المادي عن الأسرة، خاصة بعد عملها في مجال الإعلام. ورأت صديقاتها اللاتي يشبهنها في ظروفهن الاجتماعية، يخلعن الحجاب في القاهرة والمناطق البعيدة عن مسكن أسرهن، ويعدن لارتدائه فور رجوعهن لـ"بيت العيلة".

ألّفت إيمان حيلة لأهلها بأن عملاً براتب كبير في قناة إعلامية معروض عليها، فقط يشترطون عدم ارتداء الحجاب، حينها وافقت الأسرة. وبعد مرور 6 سنوات على خلعها للحجاب، نسي أغلب المحيطين بها شكلها بالحجاب، وكانت دائماً ما ترد على منتقديها ردوداً بعيدة عن الدين أو الأخلاقيات، قائلة: "إنها رغبة وحرية شخصية".

"خلع الحجاب لا يزال يُسبّب مشكلة كبيرة لمعظم الأسر في مصر مهما كانت الفتاة تتمتع بالاستقلال، لأنه من الأمور التي تسبّب إهانة كبيرة للأسر، تطال فيها الأمهات والأخوات، وتتهم فيها الأسر بفقدان السيطرة على بناتها، وأنها مؤشر لبداية الانحدار"

مي صالح، مديرة برنامج القيادات النسوية الشابة بمؤسسة المرأة الجديدة، تعلق على الظروف المحيطة بالعديد من النساء في مصر حول خلع الحجاب، قائلة: "خلع الحجاب لا يزال يُسبّب مشكلة كبيرة لمعظم الأسر في مصر مهما كانت الفتاة تتمتع بالاستقلال، لأنه من الأمور التي تسبب إهانة كبيرة للأسر، تطال فيها الأمهات والأخوات، وتتهم فيها الأسر بفقدان السيطرة على بناتها، وأنها مؤشر لبداية الانحدار، خاصة مع ترسيخ فكرة أن الحجاب يحمي الفتاة وأن لبس الفتيات سبب المشاكل".

تضيف صالح لرصيف22: "بعض الفتيات القادرات على الاستقلال المادي والاجتماعي يأخذن قراراً بخلع الحجاب، ويتحملن تبعات هذا الأمر، وبعض الفتيات يلجأن لاستخدام الحيلة، مثل خلع الحجاب بعيداً عن الأهل وارتدائه في حضور الأهل لمنع الصدام".

وترى صالح أن تقبل الأهل خلع الفتاة الحجاب بعد الزواج مرتبط بحماية أنفسهم من النقد، والجزء الآخر مرتبط بتسليع المرأة: "هناك الفتاة كما يرغب النموذج المجتمعي، وإذا قرر هو أن تخلع زوجته الحجاب فهذه مشكلته، فضلاً عن فكرة تأجيل الأحلام، فدائماً ما تؤجل أحلام الفتيات لبعد الزواج، سواء سفر، حرية الملبس أو حتى استكمال تعليم، وهذا يعود بنا للحديث عن فكرة العفة للفتاة، وأنها إذا خلعت الحجاب بعد الزواج، فهذا أقل الخسائر بالنسبة لتلك الأسر طالما تزوجت".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard