شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"سلام بدون تطبيع"... كيف يختلف اتفاق إسرائيل والإمارات عن الاتفاقية مع مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 8 سبتمبر 202002:37 م

بعد مرور أكثر من 40 عاماً على اتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب، لا تزال زيارة المصري لإسرائيل فعلاً أشبه بالمحرّم، ولا يُسمح لأي صحافي بالتواصل مع أي إسرائيلي، ولا يمكن لأي إسرائيلي أن يتجوّل في مصر مثل باقي جنسيات العالم، بل لا يزال الجيش المصري يُنتج أفلاماً سينمائية تشعل مشاعر المواطنين بالعداء لإسرائيل.

استعاد متابعون هذا الحال، بموازاة ما رافق إعلان الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل من مغردين إماراتيين على وسائل التواصل الاجتماعي، حاولوا الإيحاء للعالم الخارجي بوجود ترحيب شعبي عارم بالقرار.

في المقابل، رأى محللون أن هؤلاء مدفوعين، ويحاولون رسم صورة توحي أن التطبيع مع إسرائيل يحظى بترحيب شعبي كما يريدون إيصال رسالة مفادها أن هذه الاتفاقية المرتقبة لن تكون حبراً على ورق كما حدث في الاتفاقيتين المصرية والأردنية مع تل أبيب.

أثار هذا الترحيب الواسع تفاعلاً في الصحافة الإسرائيلية، لدرجة أن تحليلات أعادت الحديث عن معاهدة السلام مع مصر على أنها اتفاقية غير ناجحة وسط اتهامات للقاهرة بأنها منعت حدوث سلام حقيقي بين الشعبين المصري والإسرائيلي.

سلام بارد

في تقرير حديث نشره مركز "بيغن - السادات"، يقول الأكاديمي والباحث الإسرائيلي إيدي كوهين إن "اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل لا يزال بارداً، ولا تزال مصر معادية مؤسسياً لإسرائيل".

بحسب التقرير، فإن المواطنين المصريين الذين يقيمون في إسرائيل، سواء كانوا طلاباً أو أصحاب أعمال صغيرة أو مجرد أزواج لسيدات من عرب48، يواجهون التمييز والريبة في مصر.

كثيراً ما يقول الإسرائيليون إن "هناك سلام بين حكومتي مصر وإسرائيل، لكن ليس بين الشعبين".

ومع ذلك، يزعم كوهين أن مصريين كثر ليس لديهم مشكلة مع إسرائيل، لكن المواطنين المصريين يمتنعون عن زيارة إسرائيل وإقامة أي نوع من العلاقات الحميمة معها خوفاً من غضب الحكومة التي تعتبر مثل هذه المحاولات خيانة محتملة.

ويلفت كوهين إلى أن اتفاق السلام بين رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات حدّد بعض المبادئ التوجيهية، والتي تشمل وقف العداء في وسائل الإعلام والقيام بزيارات متبادلة من قبل السياح.

ويُذكّر بالمادة الثالثة من معاهدة السلام، وفيها "يتفق الطرفان على أن العلاقة الطبيعية التي ستقام بينهما ستشمل الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية والحواجز التمييزية أمام حرية تنقل الأشخاص والبضائع والاحتكام إلى الإجراءات القانونية الواجبة".

كما نصّت المعاهدة على "التبادل الثقافي في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز ستة أشهر بعد الانتهاء من الانسحاب المرحلي من سيناء، والدخول في مفاوضات بهدف إبرام اتفاقية ثقافية".

ليس من السهل أن يزور مصري إسرائيل، ولا يسمح لأي عضو في نقابة بالتواصل مع إسرائيلي، ولا يمكن لأي إسرائيلي أن يتجوّل في مصر مثل باقي جنسيات العالم، بل لا يزال الجيش ينتج أفلاماً سينمائية تشعل العداء… فبماذا يختلف التطبيع الإماراتي مع إسرائيل؟

وفقاً لكوهين، لم يحدث أي شيء من ذلك، منذ توقيع الاتفاقية، بل يؤكد أنه لا يمر يوم إلا وتتعرض فيه إسرائيل أو اليهود بشكل عام للهجوم في وسائل الإعلام المصرية.

ويقول الكاتب: "لأسباب عديدة وعميقة الجذور، تمتلك مصر أكثر وسائل إعلام معادية للسامية في أي بلد عربي. وبغض النظر عما تنص عليه معاهدة السلام، فإن القيادة المصرية لا تزال لا تريد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي تعاقب كل من يحاول ذلك".

في السنوات القليلة الماضية، صدّق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على عدة قرارات بإسقاط الجنسية عن مواطنين مصريين لأنهم يعيشون في إسرائيل.

يعتبر كوهين أن السبب الرسمي لإلغاء الجنسية المصرية هو أنهم لم يسعوا للحصول على موافقة مسبقة، على الرغم من أن المصريين الذين يسعون للحصول على جنسية مزدوجة مع أي دولة أخرى لا يجبرون على طلب الإذن مسبقاً.

ويلفت إلى أن كل مصري يرغب في زيارة إسرائيل كسائح عليه الاتصال أولاً بالسلطات المصرية للحصول على إذن، بعد ذلك سوف يتعرّض للإذلال والتحذير وإذا حاول الاتصال بالسفارة الإسرائيلية مسبقاً، فقد يُسجن للاشتباه في التجسس.

ويستخلص أن المصري الوحيد المسموح له بالاتصال بإسرائيل هو الرئيس عبد الفتاح السيسي.

قبل أربع سنوات، دعا النائب المصري السابق توفيق عكاشة السفير الإسرائيلي في مصر إلى منزله، لكن بعد الزيارة تعرض لهجوم غير مسبوق، حتى أنه تعرض لاعتداء جسدي وتم طرده من البرلمان.

أما المصريين المقيمين في إسرائيل فيترددون في العودة إلى ديارهم لزيارة عائلاتهم بسبب المضايقات التي يتلقونها حتماً من السلطات، وإذا جاءوا لزيارة مصر فإنهم سيتعرضون لتأخيرات طويلة عندما يحاولون العودة إلى إسرائيل على الرغم أنهم يكونون مرتبطين بمواعيد عمل في إسرائيل ويحتاجون للعودة سريعاً.

يقول كوهين: "في المحادثات التي أجريتها مع مواطنين مصريين، علمت أنهم بحاجة إلى تصريح خاص للعودة إلى إسرائيل، رغم أنهم يعيشون في اسرائيل أصلاً ...ولا يرتبط عملهم بأي مؤسسات أمنية".

وحسب كوهين فإن أكثر من ستة آلاف مصري يعيشون في إسرائيل، معظمهم متزوج من عرب ولديهم تأشيرات قانونية، ويسعون للعمل أو الدراسة، ولديهم أبناء أو أحفاد، ومع ذلك لا يعيشون حياة طبيعية.

البعد النفسي

في حديثه لرصيف22، يرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية عمرو هاشم ربيع أن اتفاق بين مصر وإسرائيل لا يزال حبراً على ورق، ولم ينفذ منه شياً سوى بعض اللقاءات الرسمية.

"لم يعش الإماراتيون صراعاً على الأرض أو حرباً قتلت العشرات مع إسرائيل، وبالتالي ليس لديهم البعد النفسي ذاته الذي يختزنه المصريون في نظرتهم لإسرائيل"

ويُرجع هاشم عدم تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل إلى أن طبيعة الشعب المصري لا تتقبل التعامل مع الإسرائيليين. وبرأيه، فإن الرغبات الشعبية حالت دون تنفيذ اتفاقية السلام أو استمرارها ونجح منها جزء رسمي بسيط للغاية، واجه صعوبات كبيرة في تنفيذه مثل السماح للسياح الإسرائيليين بدخول سيناء، ومع ذلك يجدون أنفسهم غير مرغوب فيهم من قبل المضيفين.

وعليه، يؤكد هاشم أن نفسية الشعب المصري أجبرت القيادة السياسية على إيقاف التطبيع، وكان عليها الخضوع لهذه الرغبة التي تولدت نتيجة حقد ونفور كبيرين داخل المصريين تجاه الاسرائيليين.

ويلفت هاشم إلى أن الإماراتيين لم يعيشوا صراعاً على الأرض أو حرباً قتلت العشرات مع إسرائيل، وبالتالي ليس لديهم البعد النفسي ذاته الذي يمتلكه المصريون في نظرتهم لإسرائيل.

ويلفت هاشم إلى أن النقابات المهنية تحاكم وتفصل أي عضو لها إذا طبّع مع إسرائيل، ولم تتدخل الدولة المصرية في إثناء النقابات عن القيام بهذا الإجراء.

في آذار/مارس الماضي، أكدت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصريين، تمسكها بقرارها التاريخي الخاص بـ"حظر كافة أشكال التطبيع المهني والشخصي مع الكيان الصهيوني، وحظر لقاء أي من أعضائه لحين تحرير كافة الأراضي المحتلة في فلسطين"، معلنةً "تعريض كل من يخالف القانون للمحاسبة".

بحسب اتفاقية السلام، لا يوجد عداء عسكري بين مصر وإسرائيل، وهناك بعض العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، كما تتوسط مصر بين إسرائيل وحماس، وهناك حديث عن تنسيق أمني بين الطرفين.

بدوره، يقول الكاتب والباحث في الشؤون السياسية الدكتور كامل الحواش إن مصر وإسرائيل كانتا في حالة حرب لكن الإمارات وإسرائيل ليستا كذلك، وما يجمع الحالتين هو وجود زعيمين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومحمد بن زايد اللذين رأيا في الاتفاقية مصلحة لدولتهم.

ويلفت الحواش الذي ينشط في مجال التضامن مع الفلسطينيين إلى أن صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر يحاول أن تتجاوز هذه الاتفاقية الحكومتين إلى الشعبين، فقد استنتج هو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الاتفاقيات السابقة مع الأردن ومصر لم تترجم لتقبل شعبي.

وبرأيه فإن مظاهر الترحيب الشعبي في الإمارات محدودة ومدفوعة من القيادة، وهذا ما سيتم التركيز عليه في الاتفاقيات القادمة مع دول أخرى، ولكن هذه المساعي لإيجاد تقبل شعبي واسع لن تنجح لأن الشعوب العربية ما زالت تساند الفلسطينيين.

في المقابل، يعتبر متابعون أن التطبيع الإماراتي مع إسرائيل هو تطبيع في عالمي الأعمال والسياسة، وترجمته اقتصادية أكثر منها ثقافية، وبالتالي فإن الاتفاقية معنيّة بهذا الجانب بشكل أساسي ولو رافقتها مظاهر "احتفال"  على وسائل التواصل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard