شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لن يرضى عنك المتشددون حتى تصبح إلهاً... التطرف يضرب الجميع

لن يرضى عنك المتشددون حتى تصبح إلهاً... التطرف يضرب الجميع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 7 أغسطس 202004:45 م

قد يظن البعض أن فِرق الحديث عن الحريات في مصر تنقسم بين فرقة التديّن الرافض لإطلاق الحريات الشخصية دون قيود، وفرقة أخرى تحارب من أجل الظفر بالوضع الطبيعي للحريات غير المنقوصة، بلا سلطة دينية أو أبوية، لكن الأمر أكثر تفصيلاً من ذلك، والفِرق لا تنحصر في اثنتين فقط.

فعلى أقصى اليمين ستجد مجموعة من الناس لا يرون فارقاً بين الفرض الديني والفرض القانوني، أي أنهم يرفضون إعطاء حرية أداء الفروض من عدمها للناس. تشمل تلك الفروض السلوكيات والملابس، وبالطبع الاعتقاد ذاته. تلي تلك الفرقة مجموعة أخرى ترى أن بعض الفروض لا يجب أن يتم إجبار الجميع على أدائها، عكس فروض أخرى لا بد أن يقوم بها الناس عنوة بلا خيارات، النوع الأول من الفروض غير واجبة النفاذ الإجباري، تتمثل في ارتداء الحجاب وأداء الصلوات مثلاً، فيما تفضل تلك الفرقة إصدار قوانين تردع الملحدين والمثليين والتعري من وجهة نظرهم، وبطبيعة الحال فالفرقة الثالثة والأخيرة تخوض معركة دائمة ضد المجموعتين الأولى والثانية.

لأوقات طويلة ظلت الجبهات على هذا الحال، قصف وقصف مضاد معظمه تجاه فرقة المتحررين، لكن مؤخراً تغيرت وجهات القصف الصادر من الفرقة الأكثر تمسّكاً بتطبيق الشرع بالقوة والإجبار، لتطال متديّني الوسط. فبدلاً من الهجوم على دعاة التحرر دون قيود فقط، رأى المتشددون أن الفرقة الثانية، والتي أطلقوا عليها اسم "المسلمين الكيوت"، يجب ردعها هي الأخرى. هذا التغيير أربك حسابات كثيرة كلها تقع داخل صفوف الفرقة الأولى والثانية، فيما بقيت الفرقة الثالثة تسير نحو هدف واضح لا جدال فيه، وهو أن الحرية لا يجب أن تتجزأ، أما الارتباك فتمثل في انشقاق بعض المتشددين عن فرقتهم ليلتحقوا بالفرقة الوسطية، والعكس أيضاً حدث.

مؤخراً تغيرت وجهات القصف الصادر من الفرقة الأكثر تمسّكاً بتطبيق الشرع بالقوة والإجبار، لتطال متديّني الوسط. فبدلاً من الهجوم على دعاة التحرر دون قيود فقط، رأى المتشددون أن الفرقة الثانية، والتي أطلقوا عليها اسم "المسلمين الكيوت"، يجب ردعها هي الأخرى

قصتان متشابهتان جعلتا من هذا الهجوم المتغير الصادر عن الفرقة المتشددة أكثر وضوحاً.

القصة الأولى نشرها بهاء الدين سليمان، أحد الناشطين الذين ينادون بضرورة ارتداء النقاب وتشجيع الفتيات على الالتزام به، لكن زوجته صارحته بأنها تريد خلع النقاب لعدم ارتياحها له، ومباشرة وافقها على ذلك، لأنه لا يريد إجبارها على فعل ذلك خشية منه هو لكن حباً في النقاب، فما كان من متابعيه إلا أن قاموا بإهانته بمجرد نشره صورة شخصية مع زوجته بالحجاب بعد تخليها عن النقاب، اضطر لحذفها فيما بعد، ولكن قبل ذلك انهالت عليه اللعنات والسباب، ما جعله يلتفت إلى ما صنعته يداه من مجموعة متابعين متشددين للغاية، ذهبوا إلى التنمّر عليه وعلى زوجته لأنه تزحزح عن منهاجهم لوهلة. يقول بهاء: "اضطررت لحذف الصورة، ولا أعلم ماذا فعلت لينتشر هذا السرطان بتلك الطريقة في حسابي وحساب زوجتي، ناعتين كلينا بالحقارة والفُجر والدعوة إلى جهنم".

القصة الثانية بطلها هو الفنان المصري يوسف الشريف، والذي لم يهنأ باحتفاء المتشددين دينياً والوسطيين أيضاً، بتصريحاته حول رفضه أداء المشاهد الحميمية في أعماله، حتى انطلقت أصوات المتشددين للنيل من سمعته بسبب صورة أراد أن يهنئ بها جماهيره بمناسبة عيد الأضحى. في الصورة ظهرت إنجي علاء، زوجة يوسف الشريف، كعادتها غير محجبة وترتدي بلوزة بلا أكمام، حينها هاجمهما من كانوا يصفقون لهما بالأمس القريب، واصفين يوسف بالديوث، ذلك اللفظ القميء الذي يعمل كأداة ابتزاز للرجال في مجتمعنا، لجعلهم يقمعون زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، وطالبوه بفرض رداء أكثر احتشاماً على زوجته، وإلا فإنه لن يشرفهم اقترابه من صفوفهم.

أمثلة أخرى من الممكن رؤيتها بسهولة تتكرر دون تسليط الضوء عليها، وتعطي صورة واضحة لما يحدث من هجوم عنيف للمتشددين دينياً على الوسطيين، كأن تذم بعض المنتقبات المحجبات لأنهن يرين أنفسهن أكثر التزاماً، أو أن يوجه أحد المشايخ أصابع الاتهام في زيادة نسبة التحرش لألوان النقاب المستخدمة، وهكذا يعلو السقف أكثر فأكثر، وكأن هؤلاء لن يرضوا عنك حتى تصبح إلهاً فقط.

نعم الفارق بين المايوه والرداء المحتشم عدة طبقات من الأقمشة، لكن الفارق بين الرداء المحتشم وعقول المتطرفين طبقات أكثر سمكاً، صُنعت من اللعنات والسباب والتنمر والتهديدات والعنف أحياناً، ولا مجال للتخلص منها إلا بإطلاق الحريات الشخصية دون قيود

أتذكر أن أحد النشطاء الليبراليين كان يحكي قصة سمع عنها، عن شيخ سلفي تعرض لموقف محرج بعد ثورة 25 يناير، أثناء زيارته لما أسماهم "الإخوة المجاهدين"، حينها لم يكن هؤلاء الإخوة يعرفون توجه الشيخ، وبتجاذب أطراف الحديث قالوا له إن السلفيين في مصر مثلهم كمثل المرتدين، لأنهم يرفضون حمل السلاح وفرض شرع الله بالقوة، فكتب الناشط الليبرالي يتساءل: بما أن بعض الجهاديين يكفرون السلفيين، وبعض السلفيين يكفرون الإخوان المسلمين، وبعض الإخوان يكفرون شباب الثورة الليبراليين، فترى ماذا نعني نحن الليبراليين بالنسبة للجهاديين؟ وأجاب بنفسه: "بالطبع سيروننا كائنات لا وجود لها ولا حق في الحياة".

إذا ما المقصود؟ ما هي الرسالة التي قد تهمك؟ الرسالة بسيطة، وهي أنه مهما تخيلت أنك في صفوف المتطرفين دينياً، أو أن المسافة بينك وبينهم أقرب من تلك التي بينك وبين دعاة التحرر فأنت مخطئ. نتحدث عن مجموعة من الناس لا يمتلكون أدوات ردع بعد ورغم ذلك يطيحون بالجميع إن لم يتشبهوا بهم دون أي اختلاف، فالاختلاف في رأيهم كفر. لا يكفي أن تكون مؤمناً أو مسلماً طالما أن إيمانك ليس نسخة من إيمانهم وإسلامك لا يخضع لتدقيقهم.

نعم الفارق بين المايوه والرداء المحتشم عدة طبقات من الأقمشة، لكن الفارق بين الرداء المحتشم وعقول المتطرفين طبقات أكثر سمكاً، صُنعت من اللعنات والسباب والتنمر والتهديدات والعنف أحياناً، ولا مجال للتخلص منها إلا بإطلاق الحريات الشخصية دون قيود.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard