شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"تعرّضت للتشويه والسرقة"... الأغنية الكردية بين زمَنَيْ تركيا الكمالية والأردوغانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 28 يوليو 202003:08 م

"قرار محكمة ديار بكر الأول كان منذ حوالي ثلاث سنوات، حُكم عليّ حينها بثلاث سنوات وستة أشهر، ألغت المحكمة العليا لاحقاً هذا الحكم، لكن مرة أخرى، وقبل أسبوع تحديداً، عادت محكمة ديار بكر وأصدرت حكماً"، يقول الفنان الكردي آزاد بدران لرصيف22.

جاء الحكم الصادر بحق بدران على خلفية أغنيته "بارتي زان"، وتعني باللغة العربية "المناضل الحزبي". رغم أن الأغنية حازت سابقاً على موافقة الحكومة التركية قبل أن يُصدرها بدران، وذلك حين كانت عملية السلام جارية في تركيا، ولكن حين تغيّرت الأمور سياسياً أصدرت الحكومة التركية هذا الحكم، كما يخبر بدران.

وكان القضاء التركي قد أصدر كذلك حكماً على الفنانة الكردية الشهيرة هوزان جانيه، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018، بالسجن مدة ست سنوات وثلاثة أشهر، بتهمة "الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني". وفي الخامس من شهر حزيران/ يونيو الماضي، أمرت محكمة استئناف تركية بإعادة فتح ملف الفنانة الكردية، والتي تحمل الجنسية الألمانية، لـ"نقص الأدلة". اعتُقلت جانيه أثناء مشاركتها في حملة انتخابية لـ"حزب الشعوب الديمقراطي" المرخّص في تركيا والمشارك في البرلمان.

آزاد بدران

وفي عام 2018، حُكم بالسجن مدة عام وثمانية أشهر على المغنية الكردية روجدا آيكوج، بتهمة "القيام بالدعاية لمنظمة إرهابية"، وذلك إثر مشاركتها في مهرجان الثقافة والفنون في مدينة آمد/ديار بكر.

وعام 2019، حُكم على المغني الكردي فرهاد تونك، لمدة ثماني سنوات، بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية"، كما حكمت تركيا على المغنية الكردية في فرقة "سورخوين" نودم دوراك بالسجن لتسعة عشر عاماً، لأنها غنّت باللغة الكردية.

في زمن حكومة "العدالة والتنمية"

بعد بدء مفاوضات عملية السلام في تركيا، بين "العمال الكردستاني" والحكومة التركية، منحت حكومة حزب "العدالة والتنمية" بعض الحرية للعمل الثقافي والفني الكردي في تركيا، وسمحت للأكراد بمزاولة فعاليات ونشاطات ثقافية واجتماعية وسياسية؛ إلا أن هذا المتنفّس عاد وأُغلق بوجههم بعد انهيار عملية السلام.

منذ عام 1983 وحتى 1991، كان التحدث باللغة الكردية ممنوعاً، وامتلاك الأكراد للأشرطة الموسيقية جريمة... وسط هذه الظروف، حافظَ الأكراد على أغانيهم ولغتهم، من خلال عقد جلسات غنائية في منازلهم في الريف والحواضر الكردية والتي كانت بعيدة عن أعين المخابرات التركية

بعد انهيار العملية، دمّر الجيش التركي ثلاث مدن كردية، وهجّر مئات الآلاف من سكانها، واعتقل عشرات الصحافيين والناشطين والسياسيين والفنانين الأكراد، وهكذا بدأت تركيا عصراً جديداً من الدكتاتورية ضد هؤلاء.

وغالباً ما يتم اعتقال الفنانين والناشطين والصحافيين الأكراد بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية" أو بتهمة "إهانة الرئيس التركي وتحقيره"، ويُقصد بالمنظمة الإرهابية إما "حزب العمال الكردستاني" أو "حزب الشعوب الديمقراطي" المرخّص في تركيا، أو تنظيمات كردية أخرى.

قضية بدران وفنانين آخرين

يقول بدران: "قرار المحكمة يتعارض مع القانون التركي. قمنا بالطعن بالقرار ومرة أخرى الطعن رُفع للمحكمة العليا، نحن الآن بانتظار قرارها".

ولا يحق للأمن التركي أن يتخذ حتى الآن أي إجراء بحق بدران، على اعتبار أن المحكمة العليا تدرس القضية، ولم تُصدر الحكم النهائي بعد الطعن، فيما يعتقد الفنان الكردي أن القضية ستأخد أربعة أشهر على أقل تقدير.

يعتبر بدران أن حكم المحكمة لا يستهدفه بشكلٍ شخصي، بل هو "استهداف للشعب الكردي بأكمله، لأنهم (السلطات التركية) لا يريدون أن تتطور الثقافة ولا الفن الكردي، ولا أن يتطور الفنانون الأكراد"، مشيراً إلى أهمية الاستمرار بالغناء، والبقاء في الساحات، فحسب تعبيره: "القضية قضية مئات السنين وليست قضية اليوم والأمس، وإن لم تُحل هذه القضية فسنستمر في الغناء بهذا النمط".

بدورها، تقول الفنانة الكردية هيجا نه ترك (وهي فنانة كردية اسمها هيجا ترك، لكنها ترفض كنيتها وتفضّل كتابة "نه ترك" أي غير التركية): "لو كانت الدولة لنا، لكان من الجيد أن تقوم دولتنا بحماية ثقافتنا بشكلٍ مستدام، لكن أي دولة احتلال تقوم بحظرِ أغانينا، أو تشويهها، وتغيير لغتنا وتنسبها لنفسها".

هيجا نه ترك

وتضيف: "لسنوات لم يستطع شفان برور وجوان حاجو، وهما من أشهر الفنانين الأكراد أن يزورا الوطن، لأن حكومة العدالة والتنمية تحاول ترهيبنا، وتحاول أن تخفي فاشيتها تحت أثواب عدة"، مردفة "الفنانون الأكراد يتم اعتقالهم، ومنعهم من إحياء الحفلات، ولا تقدم الدولة دعماً مادياً لهم، ولا حتى الدعم الاجتماعي، وتتم مراقبتهم بشكلٍ دائم. معتقلونا كُثر، لكن للأسف ليسوا معروفين بالنسبة لنا جميعاً".

بين زمَنَين

في عام 1998، أعلن الفنان الكردي المعروف أحمد كايا عن نيته إصدار أغنية باللغة الكردية في ألبومٍ جديد حينها؛ كان هذا التصريح نقطة تحوّل كبيرة في حياة الفنان الكردي الذي عُرف بأنه "رمزٌ للمقاومة والثورة والحبّ لدى ملايين الأكراد والأتراك".

تعرّض كايا وعائلته، بعد تصريحه، لملاحقةٍ أمنية واستجواب من قبل الأمن التركي، كما طال الهجوم عائلته ولحقها التشويه في وسائل الإعلام التركية، حتّى أُجبر على اللجوء إلى فرنسا، وبقي فيها حتى وفاته.

دُفن كايا في مقبرة بيرلاشيز في باريس، وهي المقبرة ذاتها التي دفن فيها المخرج السينمائي الكردي يلماز غوني، الحاصل على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي، والذي كان قد تعرّض للملاحقة والسجن أكثر من مرة، حتى أنه أخرج جزءاً من فيلمه "الطريق" الحائز على جوائز عالمية داخل السجن، من خلال توجيه كادر التصوير.

منذ تشكّل الجمهورية التركية، تعرّضت الأغنية الكردية للتشويه والسرقة، فتحوّلت الأغاني الكردية إلى تركية. وكانت تهمة المعارضة على هذه الأفعال هي "إهانة الأمة والدولة" و"إهانة الشخصيات المثالية للأمة والدولة" كما في زمن أتاتورك، و"إهانة الرئيس وتحقيره" في زمن أردوغان

منذ عام 1983 وحتى عام 1991، كان التحدث باللغة الكردية ممنوعاً، وامتلاك الأكراد للأشرطة الموسيقية أو الكتب بالكردية جريمة يُحاسب عليها القانون التركي.

وسط هذه الظروف، حافظ الأكراد على أغانيهم ولغتهم، من خلال عقد جلسات غنائية في منازلهم في الريف والحواضر الكردية في كردستان- تركيا، والتي كانت غالباً تقام في منزل أحد الوجهاء، وتكون بعيدة - إلى حد ما - عن أعين المخابرات التركية.

وتقول نه ترك من جهتها: "وصولاً لعام 2000، كانت أي أغنية تُعرض فيها كلمة كردية تُحظر، وبعد عام 2000 تمّ منع الكلمات السياسية الكردية، وحين أقول السياسية أتحدث عن سياسة الاستقلال، ولذلك من الطبيعي والمؤكد أن كلمة كردستان مثلاً محظورة".

في زمن الحكومة الكمالية

يروي البروفسور التركي الشهير إسماعيل بيشكجي، في كتابه "كردستان مستعمرة دولية"، أنه من السياسات المهمة للأيديولوجيا الرسمية التركية تدمير الثقافة الكردية.

لبلوغ ذلك الهدف، وفق بيشكجي، تتبع الدولة الأسلوب التالي: "تعمد أولاً إلى الحصول على الأغاني الشعبية الكردية بصيغتها الأصلية، وتتولى تنفيذ هذه المهمة مجموعة من الخبراء في الموسيقى والأدب الشعبي والفولكلوري، إلى جانب عدد من ضباط الجيش، ثم تترجم نصوص تلك الأغاني إلى اللغة التركية، وتضاف تعديلات على مضمونها كما تُكيّف ألحانها لتنسجم مع الموسيقى التركية، ويستمر إدخال التعديلات على الأغنية الكردية الشعبية فترة معينة، وخلال هذه الفترة يلعب خبراء أتراك في الأغاني الشعبية من أمثال محمد أوزبيك دوراً كبيراً في هذه العملية، وبعد ذلك تُذاع الأغنية بحلتها الجديدة وتعرض على شاشة التلفزيون، ويختار الخبراء مطربين من أصل كردي لأداء هذه الأغاني".

تتبع الدولة الأسلوب التالي: "تعمد أولاً إلى الحصول على الأغاني الشعبية الكردية بصيغتها الأصلية، وتتولى تنفيذ هذه المهمة مجموعة من الخبراء في الموسيقى والأدب الشعبي، إلى جانب عدد من ضباط الجيش، ثم تترجم نصوص الأغاني إلى التركية".

وكما يشير بيشكجي، فإن لأداء هذه الأغاني بصوت فنانين من أصل كردي ميزتان هما: من المعتقد أن للأكراد صوتٌ ملائمٌ لأداء الأغاني الشعبية الكردية، ثم إن أداء هؤلاء المطربين لأغنية كردية الأصل بلغة تركية يلعب دوراً مهماً في دعم جهود "تتريك الأكراد".

ويضيف بيشكجي: "تلقى الخبير التركي الشهير بالأغاني الشعبية محمد أوزبيك جائزة على تأليفه لأغنية ′بيار غول، كرايزي غول′، والتي اعتُبرت ′الأغنية الشعبية التركية للعام′، ولم تكن هذه الأغنية في الواقع سوى أغنية شعبية كردية سبق أن سجّلها المطرب والشاعر تحسين طه".

وتعرّض المنتقدون من الأكراد والأتراك لقيام الدولة بذلك إلى عقوبات عدة بتهمتي "إهانة الأمة والدولة"، و"إهانة الشخصيات المثالية للأمة والدولة".

تقول نه ترك عن ذلك لرصيف22: "في بادئ الأمر، كان جلال كوزلسيس وأشخاص آخرون مثل إبراهيم تاتليسيس ومعصوم كورمزكول يقومون بصهر الثقافة الكردية وأغلبهم بالأصل من الأكراد. والدولة كانت تقوم برعايتهم"، معقّبة: "قبل شهرٍ من الآن، قام شخص يدعى أليشان بتحويل أغنية ′كجا كردا′ (فتاةُ الكرد) إلى اللغة التركية، وقام حزب العدالة والتنمية بالتكفل بمصاريف الحفل الذي أقيم بدون جمهور. الحكومة التركية صارت حكومةً كمالية".

منذ تشكّل الجمهورية التركية، تعرّضت الأغنية الكردية للتشويه والسرقة، وحوّلت الجمهورية التركية الأغاني الكردية إلى التركية. وفي كل الحقبات، كانت تهمة المعارضة على هذه الأفعال هي "إهانة الأمة والدولة" و"إهانة الشخصيات المثالية للأمة والدولة"، كما في زمن مصطفى كمال أتاتورك، ومن ثم "إهانة الرئيس وتحقيره" في زمن رجب طيب أردوغان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard