شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"فضحتينا وعرتينا"... كيف "يشارك" الأهل في جرائم العنف الجنسي ضد بناتهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 21 يوليو 202005:47 م

تتعرض الكثيرات في مصر إلى العنف الجنسي بأشكال عديدة، في محيط الجامعة، والعمل، والأصدقاء، ولكن يظل غير قليل من تلك القصص طي الكتمان، ولا تتجرأ الضحية أحيانا بتقديم بلاغ في قسم الشرطة، والسبب... الأسرة.

يلاحق هبة اسم مستعار (25 عاما)، وتسكن في مدينة بصعيد مصر، أحد زملائها، قال لها في البداية مهددا: "إحنا في مجتمع ذكوري، والبنت هي اللي بتشيل الطين مش الولد"، جاء ذلك في سياق الرد على محاولتها ردع ابتزازه بالصور والتسجيلات التي استخدمها في البداية للانتقام منها.

قررت هبة إنهاء علاقتها مع أحد زملائها في عملها السابق بهدوء، لكنها لم تستطع حسم الأمر بسبب رفضه الشديد لمدة أشهر، انتهت بتركها العمل، معتقدة أن ذلك سيكون كافياً لأن يتوقف عن ملاحقتها.

"كنت متخيلة أنه شالني من دماغه، بس هو كان ساكت وبيرقدلي عشان ينتقم مني"، تقول هبة.

"للأسف رضخت"

"بشوية ألاعيب شيطانية خلاني أصدق حاجات كتير ما حصلتش، وهو ده النهج اللي بيتبعوه الـ Abusers "المسيئون" عامة، أنه يقصقص ضحيته واللي حواليها، ويحسسها إن هو اللي مسيطر عشان ميبقاش لا ملجأ منه إلا إليه"، تقول هبة.

بعد فترة قليلة وصلتها رسالة من حساب مزيف، يبتزها بصور شخصية لها إن لم تدفع مبلغاً ضخماً من المال، ليدب الخوف في أوصالها، خاصة وهي من قرية صغيرة على الأغلب يعرف الناس فيها بعضهم بعضاً.

"تبني الأهالي لمفاهيم واهية مثل "الفضيحة" كأولوية يغلبونها على سلامة بناتهن النفسية والجسدية، يفتح باباً خلفياً للمعتدي لممارسة جرائمه، اعتقاداً منه أن ذكورته تحميه من العقاب أو حتى الوصم"

"ما قدرتش أروح أعمل محضر وأحط فيه بياناتي وعنواني لأن لو جالي حاجة عالبيت هروح في داهية"، تعلل هبة انصرافها عن تقديم بلاغ في الشرطة، "للأسف رضخت للابتزاز العاطفي، وهو ضحك عليا من البداية، وخلاني وصلت موبايلي عنده... فسحب كل الداتا اللي على موبايلي"، ليبدأ بعدها الابتزاز الصريح والتهديد بـ"الفضيحة" بالمواد التي باتت في متناول يديه، إذا رفضت الفتاة أن تزوره في بيته لمدة أسبوع كامل قبل خطبته لفتاة أخرى.

"للأسف رضخت، خصوصاً إن أهلي غير متفهمين وغير داعمين بالمرة، وأنا بتعالج نفسياً من وراهم بقالي 3 سنين"، تروي هبة: "بعد ما روحت له فضل يقولي أوعي تفتكري إن في إيدك حاجة، أنا هسيبك بمزاجي، وأنا رحيم بيكي عشان عارف إنك مش هتقدري تعملي حاجة"، قال لها هذه الكلمات نصاً أثناء اعتدائه عليها جنسياً، "مش عارفة فين الرحمة في كدة!".

عاشت هبة أيام في ذعر واكتئاب والشعور بالعجز: "حياتك بالكامل منسوخة عند حد تاني"، حتى قررت تهديده بالاستعانة بإحدى المحاميات المتخصصات، ذلك قبل أن ينفذ هو تهديده، ويبلغ أختها الكبرى التي فضلت الصمت خوفاً من صدمة الأم، والتي بدورها علمت بالأمر في النهاية، فما كان منها إلا أن وصمت ابنتها بسلوكها "المنحرف"، وعلاجها النفسي الذي طالما رفضته في السابق.

"أنا مش اتمنيت يبقى عندي فرصة أحكي لمامتي، اتمنيت يبقى عندي فرصة يكون في مامتي أصلاً! ده الحد الأدنى الطبيعي لأي إنسان"، تقول هبة، مؤكدة أنها لو استطاعت أن تخبر أمها منذ البداية "مكانش كل ده حصل! كل اللي حصل كان بناء على إن أهلك راميينك ولو عرفوا انتي اللي هتتأذي".

"أنا خفت من ماما مش عليها، هي ملهاش عندي رصيد عشان أخاف عليها"، تقول هبة.

صدمة وخذلان وكتمان

تعلق الأخصائية النفسية سلمى البرادعي، على خوف ضحايا العنف الجنسي من الأهل، قائلة: "بالتأكيد هناك دور للأهل في سكوت الناجيات من العنف الجنسي، كما أن العديد من الأسر المصرية تمارس ضغطاً كبيراً على بناتها لعدم الإبلاغ عن جرائم العنف الجنسي، أو حتى الكلام عنها خارج المنزل، خوفاً من "الفضيحة"، هذا إن لم يلقوا اللوم على الفتاة أصلاً".

وتصف البرادعي ما تشعر به الفتاة الضحية، في أوضاع عائلية مماثلة بـ "الصدمة، التي تأتي نتيجة لفقدان الإحساس بالأمان في البيت والعائلة، وتولد لدى الناجيات شعوراً عميقا بالخذلان، قد يتطور إلى العصبية أو إيذاء النفس نتيجة اضطرارهن للكتمان، ما قد يؤدي إلى ظهور أعراض عضوية، كتوقف أحد الأطراف، الصداع المزمن، آلام المعدة، فقدان الشهية أو الشراهة في الأكل، عدم النوم مطلقاً أو النوم لساعات طويلة، وتختلف الأعراض من فتاة لأخرى".

"البنت بتتغير نظرتها لأهلها إلا إذا كانوا بيصدقوا، بيطبطبوا، بيسندوا، وده قليل أوي في مصر".

"البنت بتتغير نظرتها لأهلها إلا إذا كانوا بيصدقوا، بيطبطبوا، بيسندوا، وده قليل أوي في مصر"، تقول سلمى.

مرت هبة ببعض هذه الأعراض النفسية، خاصة مع اضطرارها للتوقف عن المتابعة مع طبيبها النفسي، تقول: "لما الموضوع اتعرف، أمي عايرتني.. عايرتني باللي أنا ماشية معاه مش بمرضي النفسي، في عز اللحظات اللي كنت ممكن أكون فيها منهارة نفسيا كانت بتفكرني".

"البني آدم مش بياخد كل حاجة، بس موضوع الأهل ما ينفعش ميكونش موجود، يعني ما دام ربنا كتبنا على بعض مش هينفع نتبرأ من بعض، الحاجة الطبيعية مفيش حاجة بتعوضها تاني، بس تحديداً الأهل"، تقول الفتاة التي تخطط الآن للاستقلال عن بيت العائلة بعد سنوات من محاولة اتخاذ القرار، الذي حسم بعد الواقعة الأخيرة، ورد فعل أهلها.

"مافيش أي دعم مهما كان صادق وغير مشروط بيعوض الأهل، أبداً مهما كان الناس اللي حواليكي بيحبوا وبيدعموا، الموضوع ده تعبني جداً" تنهي هبة حديثها لرصيف22.

هل الأهل مذنبون؟

ترى سلمى إلى أن العائلة شريكة فيما يحدث للفتيات، الناجيات من العنف الجنسي، توضح رأيها أكثر: "ممارس العنف غالباً ما يستغل عدم قدرة الناجية على مواجهة أهلها بالأمر، فعلى سبيل المثال، إذا كان المعتدي يستند إلى فيديو له مع الناجية في ابتزازها، فنفس الفيديو من المفترض أن يدينه هو الآخر، لكنه يعتمد على الخوف من الأهل الذي سيكسر الفتاة، خاصة وأن المجتمع يتعاطى مع مثل هذه القضايا وكأنه في صف المعتدي لا الناجية".

وتشدد سلمى على أن تبني الأهالي لمفاهيم واهية مثل "الفضيحة" كأولوية يغلبونها على سلامة بناتهن النفسية والجسدية، يفتح باباً خلفياً للمعتدي لممارسة جرائمه، اعتقاداً منه أن ذكورته تحميه من العقاب أو حتى الوصم.

"أهلي مش حيرحموني"

تتشابه قصة مي اسم مستعار (24 عاماً)، مصورة تسكن في القاهرة، مع هبة. حيث قررت الانفصال عن شاب لم يتجاوز ارتباطها به بضع أيام، قام فيها بـ"تجاوزات"، جعلتها تفضل البعد عنه، فما كان من الشاب إلا أن هددها بـ "الفضيحة" داخل الحرم الجامعي، حيث كانت تدرس وقتها، ثم في بيت العائلة.

"كنت صغيرة مش عارفة يعني إيه تحرش أصلاً، وقعدت فترة مش عارفة أن ده اسمه تحرش، فكنت بلوم على نفسي بس كنت حاسة إني مش مرتاحة"، تروي مي التي قررت ترك الجامعة برمتها، والبحث عن فرصة دراسية بعيداً عن ملاحقات الشاب، وتهديداته: "لما بطلت أروح الجامعة افتكرت انه هينساني بقى ويشوف واحدة غيري، بس هو فضل يهددني".

"أهلي لو كانوا عرفوا كان هيجيلهم انهيار عصبي، أمي كانت هتموتني وتموت نفسها وبابا راجل كبير عنده السكر مكانش هيستحمل، فكانت هتبقى مصيبة"، خاصة وأن الشاب من ديانة مختلفة، لكنه ظل يطاردها، حتى علم بارتباطها بشاب آخر، فبدأ بتنفيذ تهديداته برسائل إليه مدعياً إقامة علاقة جنسية معها، وسرد تفاصيل ملفقة لمحاولة "تشويه سمعتها"، تقول مي، تتناوب مشاعرها ما بين الخوف على الأهل من تأثير ما حدث لها، والخوف من رد فعلهم في آن واحد.

توضح مي مخاوفها أكثر، قائلة لرصيف22: "كان أكبر رعب بالنسبة لي، وحتى لوعملت ده وهو بطل يبعت رسايل، طب ما أهلي هيفضلوا عمرهم كله فاكرينلي الموضوع ومش هيسامحوني ومش هيرحموني".

"كان أكبر رعب بالنسبة لي أهلي، وحتى لوعملت محضر في قسم شرطة، وهو بطل يبعت رسايل، طب ما أهلي هيفضلوا عمرهم كله فاكرينلي الموضوع، ومش هيسامحوني، ومش هيرحموني"

"كل حاجة كانت هتتحل لو كان عندي فرصة أواجه أهلي، كنت هاخد الخطوة القانونية بدون تردد"، تقول مي، وتتابع: "لو كنت أقدر أحكيلهم واطلب دعمهم كنت رحمت نفسي من 8 شهور رعب، مبنامش وخايفة من تهديداته".

ورغم مرور سنوات، تركت فيها الدراسة، وعملت بمجال التصوير في القاهرة، تتساءل مي: "لحد انهاردة باقعد أقول لو اتحطيت في نفس الموقف ده وأنا دلوقتي اقوى وعارفة حقوقي أكتر، هل كنت هجيب حقي؟ أرجع أقول لأ مستحيل أحط نفسي في الموقف ده".

تعلق سلمى: "البيت بيأكد اللي بيحصل في المجتمع، هي صورة مصغرة من اللي بيحصل في القسم والشارع كله بيعيد ويعيد نفس المشهد".

"الموضوع ده بيدمر حياة الناس من غير داعي، الناس دي لو اتكلمت واتصدقت مكانش الموضوع وصل لكدة"، تقول سلمى، وتضيف أن في بعض الحالات تخشى الفتاة على أهلها وليس منهم، كاتخاذ رد فعل عنيف قد يودي بهم إلى "التهلكة"، كالاعتداء على الجاني جسديا مثلاً.

في الوقت نفسه ترى سلمى أن ما يحدث هذه الفترة يبشر بمؤشرات إيجابية، من خلال متابعتها، حيث باتت الناجيات أكثر جرأة في الحديث عن وقائع العنف التي تعرضن لها ما قد يوقع بالجناة، إن لم يكن في شرك القانون، فعلى الأقل في الوصم المجتمعي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard