شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هل أصبحنا ملكية خاصة لأولادنا؟"… عن الزواج "الثاني" لأمهات غزاويات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 18 يوليو 202005:15 م
تفقد المرأة شريكها إما بالطلاق أو بالوفاة، وتبقى في كلا الحالتين ورغم كل شيء، كائناً بشرياً له احتياجاته النفسية والجسدية، خاصة إن كانت في مقتبل العمر، ولكن هذا الحديث لا يعجب الكثيرين.

يريد المجتمع في غزة لهذه المرأة التقوقع في الصورة النمطية للأم، التي عليها فقط أن تضحي من أجل أطفالها، وألا تتأرجح في المنطقة الفاصلة بين كيانها الخاص وأمومتها، بل أن تعيش دور "المضحية" إلى النهاية.

ولا يتوقف الأمر على المجتمع فقط، بل يبدأ الأولاد أيضاً في التحليق داخل حلقة مفرغة من التفكير بأنانية مفرطة، الأم بالنسبة لهم ملكهم فقط، ولا يجب عليها أن تلتفت إلى حياتها ومستقبلها مع رجل آخر في تجربة زواج جديدة، والحجة دائماً: ماذا سيقول الناس عنها؟

وهنا تقع الأم بين خيارين كلاهما مر، فمن الصعب عليها أن تترك أطفالها، ولكن الأصعب أمامها أن تكمل حياتها وحيدة دون شريك على الصعيد العاطفي والجسدي.

"أنتِ عجوز"

تقول أم محمد (54 عاماً)، مدرسة، بأنه بعد طلاقها بعشر سنوات تعرفت إلى زميل يعمل معها، وحدث بينهم تقارب فكري، واقترح عليها أن يتوّجا الأمر بالزواج، وحين علم ابنها بنيّتها الزواج اعترض بشدة، رغم أنه يعيش مع والده، وقال لها: "هذا الرجل يريد راتبك فأنت عجوز".

تقع الأم الأرملة والمطلقة بين خيارين كلاهما مر، فمن الصعب عليها أن تترك أطفالها، ولكن الأصعب أمامها أن تكمل حياتها وحيدة دون شريك على الصعيد العاطفي والجسدي

تضيف أم محمد لرصيف22: "وكون لا والد لدي ولا أخ، فإن محمد ابني هو وليي في المحكمة، وكونه غير موافق على زواجي حينها، اضطررت للزواج رغماً عن أنفه، ومنذ ذلك اليوم وأنا لا أعلم عنه شيء، سوى أنه لا يريد رؤيتي ولا محادثتي، وأنه يعيش ظروفاً نفسية سيئة، فأنا في نظره قد تخليت عنه".

وتنهي أم محمد حديثها قائلة: "أنا بشر ومن حقي الزواج، ولكن للأسف المجتمع يريد فقط للأم أن تدور في الصورة النمطية لها، وأن تفني عمرها نزولاً عند رغبة من حولها دون الاهتمام بمشاعرها".

"قالوا عني أم سيئة"

وتشعر بعض الأمهات اللاتي قررن الخوض في تجربة جديدة مع رجل آخر بالذنب، رغم كونهن لم يخالفن "الشرع" لإشباع احتياجاتهن العاطفية والغريزية، ومارسن حقاً من حقوقهن.

تقول رحيمة أرشيد (37 عاماً)، ربة منزل، عن شعورها بعد أن تركت أطفالها لزوجها السابق، وتزوجت برجل آخر، لرصيف22: "قالوا عني إني أم سيئة، بل وجاحدة، وأنني أنانية إذ لم أفكر سوى بنفسي. وهذا الأمر جعلني أعيش الإحساس بالذنب لأنني عرفت ما يقال خلف ظهري ومن أقرب الناس، إذ اتهموني بأنني شردت أطفالي من أجل رجل، وأنني تنازلت عنهم لطليقي لأعيش حياتي".

وتضيف رحيمة: "الأمر مزعج جداً، وجعلني أعيش تأنيب الضمير، ألا يحق لي أن أتزوج؟ أليس من حقي أن أرفض الوحدة النفسية والعاطفية؟ هل هذه أنانية؟ ماذا يريد المجتمع منا كأمهات، ولماذا لا ينظر بنفس العين إلى الرجل الأب الذي يتزوج مرة أخر؟".

"ابني هددني بالضرب".

تشارك رحمة في مشاعرها، الأربعينية أم أحمد، ربة بيت، والتي تقول عن تجربتها، والأذى الذي لحقها: "بعد طلاقي من زوجي كنت في سن الـ 36، وتقدم لخطبتي شاب متزوج فوافقت، ولكن ابني الأكبر، 12 عاماً، اعترض على هذا الزواج وبشدة، لدرجة أنه هددني بالضرب والقمع في حال تم الزواج، كما وهددني بالتعرض لزوجي، وكانت اتهاماته لي بأني ألهث وراء نزواتي ليس إلا".

بات ابن أم أحمد يتحدث عنها في كل مجلس، أنه لا يتشرف بها كونها تريد رجلاً آخر بعد والده.

تبكي أم أحمد قائلة لرصيف22: "ما أصعب أن تعيش المرأة وحدها، وما أصعب أن تأتي الخيانة من أقرب الناس، لم أكن أتوقع يوماً أن يقف ابني عائقاً أمام سعادتي".

لاقت هويدة التركماني (46 عاماً)، عاملة في مجال المرأة، هي الأخرى انتقادات جمّة بعد وفاة زوجها، رغم أنها لم تتزوج مثل الأخريات، وتسرد معاناتها قائلة لرصيف22: "بعد وفاة زوجي لم أفكر في الزواج لأني أحب زوجي جداً، ولا أحتمل فكرة أن أعاشر غيره، ولذلك بقيت على أولادي، ولكن المجتمع أيضاً لم يرحمني في هذه الحالة، فإذا خرجت واشتغلت وعدت للبيت في وقت متأخر، تبدأ التعليقات بأني أم سيئة وأن أولادي أصبحوا أيتام الأم والأب".

وتضيف هويدة: "حتى إن خرجت مع صديقاتي في وقت متأخر يتهمونني بأني "ماشية ع حل شعري" وأنني بئس الأم لأني منشغلة عن أولادي"، وتتساءل: "ماذا يريد مني المجتمع؟ ألا يكفي لقب أرملة؟ ألا يكفي أن عمري يضيع هباء دون متعة أو شريك؟".

"هل أنا أنانية؟"

هناك طائفة من النساء ترى أن من حقها الزواج مرة أخرى بعد وفاة الزوج أو الطلاق منه، لأنها تعتقد أن تربية الأولاد مضيعة للعمر، لأن الأولاد سيكبرون عاجلاً أم آجلاً، وكل منهم سيبحث عن حياته ومزاجه، وبالتالي سينتهي بها المطاف وحيدة. لماذا تكون مضطرة هي لدفع الثمن من حياتها وعمرها، لماذا هي وليس الأب؟

تقول سامية العمدة (44 عاماً)، ربة بيت ولديها 4 أطفال: "بعد الطلاق تمسكت بأطفالي، وكانوا معي وتحت وصايتي، وعندما كبروا قليلاً علمت بأن أبيهم قد تزوج، فبدأت فكرة الزواج تلوح أمامي، ولذلك قررت التنازل عن أطفالي لصالح والدهم، وهنا بدأت التعليقات والاتهامات".

وتضيف العمدة بحسرة: "لقبوني بالأنانية لأني اضطررت للتخلي عن أطفالي لصالح والدهم، لدرجة أنني بدأت أعيش في صراع ذاتي بيني وبين نفسي، هل أنا أنانية؟ بدأت أشعر بالذنب وتأنيب الضمير حيال أولادي".

"أنا كأنثى بحاجة لرجل".

"لدي احتياجاتي التي لا يلقي لها بالاً، لا المجتمع ولا الأولاد، فأنا كأنثى بحاجة لرجل يكون سندي في هذه الحياة، ناهيك عن متطلباتي الجسدية فأنا لازلت في مقتبل العمر".

تعلق الاخصائية النفسية والاجتماعية، نيبال حلس، لرصيف22، قائلة: "من ناحية اجتماعية، تواجه المرأة داخل مجتمعنا الفلسطيني عدة عقبات أو تحديات، منها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية".

"للمرأة الحق في أن تعيش في كنف رجل يحتويها ويحميها، ولها الحق في اختيار شريك جديد تكمل حياتها معه، وليس لأحد منعها أو التدخل في شؤونها، رغم كم التحديات والصعوبات التي تواجهها من قبل المجتمع، والنظرة السلبية للمرأة الأرملة التي يكون لديها أبناء، فقد تتعرض للأقاويل والإشاعات بصفة مستمرة، وتكون دائماً في قفص الاتهام، وكأن زواجها مشكله لا تغتفر، وقد ينظر على أنها المرأة الجاحدة، وغير الوفية لأبنائها"، تقول حلس.

"الأمر مزعج جداً، وجعلني أعيش تأنيب الضمير، ألا يحق لي أن أتزوج؟ أليس من حقي أن أرفض الوحدة النفسية والعاطفية؟ هل هذه أنانية؟ ماذا يريد المجتمع منا كأمهات، ولماذا لا ينظر بنفس العين إلى الرجل الأب الذي يتزوج مرة أخر؟"

وتنهي حلس حديثها بالقول: "ونحن كمجتمع تحكمه العادات والتقاليد، قد تكون النظرة الأعم هي النظرة السلبية بحكم الأبناء، متغافلين عن حاجات الأم، ومتطلباتها ورغبتها في الشعور بالمساندة من قبل زوج لإكمال حياتها معه".

أما الأخصائية الاجتماعية سلمى أبو عمرة، فتقول لرصيف22: "كأخصائية اجتماعية وبعد التعامل مع العديد من الحالات، فإن ما يحدث أكبر جريمة ترتكبها الأم بحق نفسها، الأولى أن تعيش، لأن الأولاد عند مرحلة معينة سيكملون مشوارهم بعيداً عنها، وتبقى وحيدة في نهاية المطاف".

وهكذا، ما إن تقرر الأم الخروج من دور الضحيّة المضحيّة، حتى تبدأ تهم المجتمع تُكال ضدها، كأن يقولون: "شو بدها بالجواز، تربي أولادها أحسن"، "مين يربي ولادها"، "ما أجحدها فضلت رجل غريب على ولادها"... ولا التفات لكونها إنسانة بحاجة إلى رجل، يتقاسم معها عموم الحياة، بحلوها ومرها، تماماً مثلما يفعل كثير من الآباء الذكور في وضعها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard