شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الجن الأحمر وأساطير الرعب في حمام

الجن الأحمر وأساطير الرعب في حمام "بلاع النساء" و"خطاف الصبايا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الخميس 9 يوليو 202005:38 م

اقترن وجود الحمامات الجماعية في الدول العربية بالطهارة للعبادة، الزواج أو الاستشفاء بالمياه الساخنة، فلا تكاد تمر من مدينة عربية قديمة إلا واعترضك حمام جماعي، وغالباً ما يكون محاذياً للمسجد، لارتباطه بالطهارة من أجل الصلاة.

وقد عرفت تونس، ودول المغرب العربي ككل، بكثرة الحمامات الساخنة الجماعية التي يرتادها الرجال والنساء على حد سواء، فيزورها الرجال قبل منتصف النهار بينما تزورها النسوة بعده.

وقد اشتهرت الحمامات الرومانية وذاع صيتها في تونس، حيث تستقطب المئات من الزوار يومياً، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، فالذهاب إلى الحمام بات عادة لا غنى عنها للبعض، وله طقوسه ومعداته، حيث تأخذ النسوة لوازم الاستحمام، من صابون أخضر بلدي، ليفة، سواك وما تيسر من مواد التنظيف والترطيب الأخرى، ويقضين ساعات داخل الحمام، بين فرك وتقشير وترطيب وتبادل أطراف الحديث مع بقية النسوة، وقصص لا نهاية لها، حتى إن صفة الثرثرة نسبت إليهن.

"الجن الأحمر هو الوحيد الذي أنصف الرجال في هذه البلاد، فقد تساوينا معكن في كل شيء إلا حمام الذهب"

أما الرجال فعادة ما يكون دورهم في الحمام صباحاً، فيختارون الذهاب فجراً أو في الصباح قبيل منتصف النهار، وأغلبهم يذهب بهدف الاستجمام والاستشفاء وإرخاء العضلات بالمياه الساخنة، بعد أسبوع من التعب والإرهاق ولا يتجاوزون الساعة من الزمن غالباً.

يتساوى الرجال والنساء في عدد الساعات المسموح لهم فيها الذهاب إلى الحمام، فحصّة الرجال عادة ما تكون في المنتصف الأول من اليوم، بينما تكون حصة النساء في المنتصف الثاني، بحسب من تحدثوا إلى رصيف22، إلا أن الأسطورة والخرافة أمالت كفة أبناء آدم على بنات حواء بالنسبة لأشهر حمامين في تونس، وهما حمام الرميمي أو كما يعرف بـ"خطاف الصبايا"، الواقع في منطقة باب الخضراء وسط العاصمة، وحمام سيدي محرز الذي يسمى "بلّاع النساء" أو "حمام الذهب"، والموجود قرب ضريح الولي الصالح سيدي محرز في تونس.

لم تدخل امرأة هذين الحمامين منذ قرون إلى يومنا هذا، بسبب أسطورتين تداولهما الناس جيلاً بعد جيل، تقول الأولى إن حمام سيدي محرز كان يسكنه الجن الأحمر الذي يعشق الصبايا، وذات يوم، بينما امرأة وابنتها تستحمان فيه، رأت المرأة ذهباً يلمع في الحوض، فأمرت ابنتها ذات الشعر الأسود الطويل بالنزول، والتقاطه، إلا أن الفتاة بدأت تختفي شيئا فشيئاً، وكانت الصبيّة كلما مدت أمها بسبائك الذهب تطلب منها المزيد، رغم إخبارها إياها بأنّ الحمّام سيُطبق عليها، وأنّ الجن الأحمر سيخطفها ويبقيها عنده تحت الأرض، لكن الأم لم تعبأ لصراخ ابنتها، وواصلت طلب المزيد، وبسبب طمعها ابتلعها الحوض.

وتحكي الأسطورة إن كل يوم موافق لذلك اليوم من كل عام، يبتلع الحمام كل صبية تذهب إليه، فأمر الباي آنذاك بمنع النساء من دخول ذاك الحمام، ومنذ ذلك اليوم لم تدخله امرأة، وقد بقي اسمه إلى اليوم "حمام الذهب".

تقول الخالة فاطمة (70 عاماً)، تقطن في منطقة سيدي محرز، لرصيف22: "بمجرد مروري أمام حمام الذهب أشعر بقشعريرة خوف غير طبيعية، وأتذكر ما حدث لتلك الفتاة المسكينة بسبب طمع والدتها، فعلاً إنه أمر مرعب، وهو درس رباني لمن لا يعتبر ويجري وراء المال بغير حساب."

يسمع كلامها ابن جارتها غسان (30 عاماً)، ويخاطبها ضاحكاً: "الجن الأحمر هو الوحيد الذي أنصف الرجال في هذه البلاد، فقد تساوينا معكن في كل شيء إلا حمام الذهب، دعونا نستمتع بالحمام وحدنا طول اليوم ...لقد أراحنا من زحمتكن"، ترشقه الخالة فاطمة بنظرات غريبة، وتواصل حديثها لتروي الأسطورة بحذافيرها دون توقف، إيماناً منها أنها تزيدها مصداقية.

خطاف الصبايا

ليس بعيداً عن "حمام الذهب" يوجد "حمام الرميمي" أو "خطاف الصبايا" في منطقة باب الخضراء في العاصمة تونس، والذي تقول أسطورته إن فتاة فائقة الجمال كانت ترفض كل متقدم لخطبتها لأنها تحب ابن عمها، الذي يعشقها هو الآخر، وكان الناس آنذاك يستأجرون الحمام لحفلة الزواج للعائلة فقط، لكن خطيبها كان شديد الغيرة وأقسم أنها لن تذهب بلباس نساء، خوف أن يفتن بجمالها أحد أو يختطفها، فألبسها برنسه لتتنكر به، وسبقت عائلتها للحمام، كيلا يكتشف أحد هويتها، لكن عند وصولهم لم يجدوها، نادت أمها بأعلى صوتها فسمعوا صوتها وراء الجدار، و عرفوا أن أحد الجن أخذها وأغلق الحائط، فجاء خطيبها ومعه فأس لكسر الجدار لكنه لم يفلح، فقال بيتاً شعرياً معروفاً إلى اليوم: "يا حمام الرميمي يا خطاف الصبايا، خطفتلي بنت عمي مغطية بردايا".

يقول العم سالم (66 عاماً)، تاجر بمنطقة باب الخضراء: "أعمل هنا منذ 20 سنة ولم أر امرأة زارت الحمام قط".

وأضاف لرصيف22: "أنا أرتاده أسبوعياً تقريباً لكني لم ألحظ شيئاً غريباً إلى حد اليوم، وأظن أن ما يشاع مجرد أسطورة لا غير".

حمام سيدي محرز كان يسكنه الجن الأحمر الذي يعشق الصبايا، وذات يوم، بينما امرأة وابنتها تستحمان فيه، رأت المرأة ذهباً يلمع في الحوض، فأمرت ابنتها ذات الشعر الأسود الطويل بالنزول، والتقاطه، إلا أن الفتاة بدأت تختفي شيئا فشيئاً

يستنكر كلامه أحد زبائنه، قائلاً: "أنا ابن المنطقة ومنذ ولدت وأنا أسمع عما حدث داخل الحمام، الموضوع لا جدال فيه، لا أظن أن الناس سذج إلى هذه الدرجة لو لم تحصل أمامهم تلك المعجزة الغريبة، ثم إن الجن مذكور في القرآن الكريم".

تثني على كلامه سامية (37 عاماً)، إحدى الزبائن قائلة: "كلامه معقول ...وحقيقة نحن لا نتجرأ على دخول ذلك الحمام، وقد أوصتنا جدتي رحمها الله بذلك، وهي من أخبرنا عن قصته أنها فعلاً مرعبة".

رغم مرور قرون على الأسطورتين، إلا أن نساء تونس لا يدخلن حمام الذهب إلى اليوم، بينما فتح حمام الرميمي بعد إغلاقه لسنوات، ولكن بقيت الأسطورتان موروثاً شعبياً مادياً ساهم في نحت موروث لا مادي، تجلى من خلال أساطير، تداولتها الأجيال جيلاً بعد آخر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard