شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لا يمكننا شراء الطعام"... المراهقون في لبنان بين الأزمة الاقتصادية وكورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 20 يونيو 202001:31 م

تضافرت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ أشهر مع انتشار جائحة كورونا وقرارات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة اللبنانية للسيطرة عليها في إنهاك المراهقين من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين مقيمين في لبنان.

"أشعر بكثير من الاكتئاب في البيت منذ بدء الحجر الصحي... لا أترك البيت وحالتنا المادية أصبحت سيئة جداً. أشعر بالحزن معظم الوقت وأقلق على مستقبلي... أنا قلقة جداً على أهلي لأننا لا نستطيع شراء الأكل خاصة بعد ارتفاع الأسعار بشكل غريب. أمي تجلس كل يوم قرب الشباك وتبكي لأنها قلقة علينا وعلى مستقبلنا، أشعر بالحزن لرؤيتها بهذه الحالة"، تقول لولو، فتاة لبنانية عمرها 15 سنة.

أما زينة، لاجئة سورية عمرها 17 سنة، ومتزوجة منذ سنة، فتقول: "الحياة كانت صعبة أصلاً. أما الآن مع الوباء فأصبحت أصعب. أصبحت ظروفي لا تطاق مع مرور الوقت. أنا أعاني مع مولودي الجديد ولا أعرف ماذا أفعل عندما يبكي. أمي في سوريا ولا يمكنها أن تكون معي بسبب الحجر حتى تساعدني على الطفل. زوجي عاطل عن العمل ويتشاجر معي دائماً لأنه متوتر بسبب وضعنا المادي. ارتفعت الأسعار كثيراً ولا يمكننا شراء شيء. أخاف ألا أقدر على شراء الحليب والحفاضات لابني. تعبت من الحياة ولا يمكنني الخروج من اكتئابي".

نفس القلق من الوضع الاقتصادي ومن المستقبل عبّر عنه محمد، فتى فلسطيني عمره 18 سنة من مخيم عين الحلوة. يقول: "اضطررت أن أشتري الكثير من البضائع لصالون الحلاقة بسبب خوفي من تضاعف الأسعار في اليوم التالي. أنا لا أملك هذا المتجر، يجب أن أدفع إيجاره في أول كل شهر. أنا أخسر المال مؤخراً، وقد أُضطر إلى إقفال المحل إذا استمرت الأزمة الاقتصادية والوباء. أنا ووالدي مصدرا الدخل الوحيدين في البيت. هو سائق تاكسي. نرجع إلى البيت معنا 20,000 ليرة لبنانية (4 دولارات بحسب سعر الصرف الحالي) كل يوم... يمكنني القول إننا بالتأكيد لا نأكل مثل السابق، خاصة اللحم والدجاج، فقد ارتفع سعرهما كالصاروخ في الفترة الأخيرة".

هذه الشهادات وردت في "موجز سياسة" بعنوان "أزمة مزدوجة: تأثير الجائحة والأزمة الاقتصادية على اليافعين الأكثر استضعافاً في لبنان"، أنجر في إطار "برنامج النوع الاجتماعي والمراهقة: دليل عالمي"، وهو برنامج بحثي ممول من منظمة المعونة في المملكة المتحدة ويهدف إلى استكشاف تجارب اليافعين في سياق جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية في المجتمعات المضيفة واللاجئة المستضعفة في لبنان.

استند التقرير الذي كتبه كل من سالي يوسف، نيكولا جونز، أجنيشكا مالاشوفسكا مع مارسيل صالح، على بيانات من 60 محادثة هاتفية أجريت في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 2020 مع مجموعة مراهقين ومراهقات تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة، بينهم مراهقون من المجتمعات الأكثر استضعافاً في لبنان، كالفتيات المتزوجات أو المعرّضات للتزويج المبكر، ومتسربون من المدرسة أو معرضون لخطر التسرب من المدرسة، ومعرّضون لخطر الانضمام أو منضمين إلى قوات مسلحة.

وتشمل العيّنة مراهقين من المجتمع اللبناني ولاجئين سوريين يعيشون في مخيمات عشوائية أو ملاجئ جماعية من منطقة بعلبك، ولاجئين فلسطينيين يعيشون في مخيم عين الحلوة في محافظة الجنوب.

وبحث التقرير في سلوك المراهقين وممارساتهم في ما يتعلق بالوقاية من فيروس كورونا وحاول استكشاف الآثار المباشرة للاستجابة للجائحة مقترنة بأسوأ أزمة اقتصادية في لبنان على حياتهم اليومية ورفاههم.

صعوبات يواجهها اللاجئون السوريون

بيّن التقرير أن غالبية الفتيان السوريين المقيمين في ملاجىء جماعية في المجتمعات المضيفة فقدوا مصدر دخلهم، فمعظمهم عمال بأجر يومي وتأثروا بتعليق أعمال البناء والأشغال العامة أثناء الإقفال التام، كما التزموا الحجر الصحي في منازلهم خوفاً من استهدافهم من قبل السلطات المحلية أو المجتمع في حال خرجوا.

وذكر فتى سوري عمره 16 سنة: "كان علينا أن ننتقل إلى بيت جديد لأننا لا نقدر على دفع الإيجار. لا يمكننا زيارة أقاربنا أو أصدقائنا لأن جيراننا خائفون من أن نكون مصابين بالكورونا. كل مرة يروننا خارج البيت يتصلون بالشرطة، إنهم يزعجوننا كثيراً. نبقى في البيت ونغلق الشبابيك حتى لا يرانا أحد".

ما جرى مع هذا الفتى ليس حالة خاصة. حدث مثله مع فتيات سوريات. وأفادت إحداهنّ، وتبلغ من العمر 17 عاماً، أنها تعرّضت لتحرش لفظي عندما خرجت من بيتها لشراء الحاجيات. تقول: "ذهبت إلى السوق المحلي القريب منا وطلبت مني امرأة لبنانية الابتعاد عنها لأنني مصابة بالكورونا، قالت لي: ‘أنتم السوريون مصابون بالفيروس’. انزعجت ولكنني لم أقدر على فعل أي شيء. بدأت تطلب مني مغادرة المحل. إنهم (اللبنانيون) يعتقدون أننا لا نهتم، ولا نعرف، ولا نفهم هذه الأشياء، يعتقدون أننا همج".

خلال فترة الحجر الصحي، بقيت بعض الفتيات السوريات المقيمات في مخيمات عشوائية والعاملات في الزراعة يذهبن إلى العمل، لكن بساعات عمل أقل، إذ صرن يعملن من الساعة الخامسة فجراً حتى الـ11 صباحاً، بسبب الخوف من القبض عليهنّ من قبل السلطات المحلية وتغريمهن.

لم يتلقَّ المقميون في مخيّمات عشوائية أية إرشادات حول كيفية حماية أنفسهم أثناء العمل. وأكّد العديد من المراهقين والمراهقات أن الالتزام بإرشادات الحماية صعب مادياً، خاصة أنهم يواجهون صعوبة في دفع ثمن الطعام والإيجار.

وقال فتى سوري عمره 17 سنة: "لا يمكنني شراء كفوف، ولا يمكنني شراء كمامة... كان سعر كمامة الوجه 2,000 (ليرة لبنانية)، الآن أصبحت تكلف 20,000... نحن لسنا قادرين على شراء الخبز لنأكل، كيف سنشتري كفوف وكمامات؟".

قلق على المستقبل

من بين ما رصده التقرير، أثر إقفال المدارس الذي بدأ مع الاحتجاجات اللبنانية واستمر بسبب انتشار فيروس كورونا. ومن أهم ما بيّنه، إضافة إلى صعوبات التعلّم عن بعد، قلق المراهقين على مستقبلهم الدراسي، بسبب الأزمة الاقتصادية.

"أنا قلقة جداً على أهلي لأننا لا نستطيع شراء الأكل خاصة بعد ارتفاع الأسعار بشكل غريب. أمي تجلس كل يوم قرب الشباك وتبكي لأنها قلقة علينا وعلى مستقبلنا، أشعر بالحزن لرؤيتها بهذه الحالة"

فقد قالت فتاة لبنانية عمرها 15 سنة: "أصبح صعباً جداً عليّ التعلم وأخاف من عدم قدرتي على الذهاب إلى المدرسة مجدداً بسبب الوضع المادي".

وأشارت فتاة فلسطينية عمرها 19 عاماً إلى أن "هذا الوضع يؤثر علينا كثيراً. لقد وضعنا في وسط المجهول ... لا ندرس الآن ولا أعرف إذا كنت سأستطيع الدرس لاحقاً. لقد توقفت مسبقاً عن الدراسة لمدة سنتين لأن عائلتي لا تملك المال، كان أصلاً من الصعب دفع قسط هذه السنة والآن حالتنا أسوأ".

قلق واكتئاب

وأفاد المراهقون والمراهقات بأنهم يشعرون "بالضيق"، "الاكتئاب"، "التوتر"، "الخوف" و"الاختناق" وأنهم يعانون من "حالة نفسية سيئة" و"رغبة قوية في البكاء" بشكل متواصل، مما يعكس تأثير الجائحة والأزمة الاقتصادية على حالة اليافعين النفسية المتدهورة.

وقالت فتاة لبنانية عمرها 16 سنة: "أبي مريض ونخاف على صحته، نحن دائماً قلقون في البيت وخائفون عليه من التقاط الفيروس. وضعنا المالي سيئ، لا أحد يعمل هنا وليس لدينا دخل، لا يمكننا حتى شراء ما يكفي من الأكل. أشعر دائماً بالاكتئاب. أحاول ألا أبدو متوترة حتى لا يحزن أبي، لكن رأسي يؤلمني طيلة الوقت".

وبيّن التقرير أن شعور اليافعين بالقلق يتفاقم بسبب التوترات داخل أسرهم، إثر اضطرار جميع أفراد العائلة إلى البقاء مع بعضهم في المنزل.

وأشار المراهقون والمراهقات إلى أن الضغوط الاقتصادية هي السبب الأساسي لهذه المشاكل. فقد ذكرت فتاة فلسطينية عمرها 15 سنة: "صارت حالتي النفسية سيئة لأنني توقفت عن شراء الكثير من الأشياء. الظروف الحالية أثّرت علينا كثيراً. بدأت عائلتي تتخلى عن أشياء كثيرة من أجل دفع الإيجار والإنترنت. حتى أننا توقفنا عن شراء العديد من المأكولات بسبب غلاء الأسعار. هناك الكثير من المشاكل في عائلتي، لأن (الوالدين) قلقون حول كيفية تلبية حاجاتنا. حالياً ليس لدي رغبة في القيام بأي شيء، أنام فقط لأهرب من هذه الظروف".

"وضعنا المالي سيئ، لا أحد يعمل هنا وليس لدينا دخل، لا يمكننا حتى شراء ما يكفي من الأكل. أشعر دائماً بالاكتئاب. أحاول ألا أبدو متوترة حتى لا يحزن أبي، لكن رأسي يؤلمني طيلة الوقت"

وذكرت فتاة لبنانية عمرها 16 سنة: "ازداد التوتر بشكل كبير بسبب الوضع الحالي. كلنا في البيت نعاني من حالة نفسية سيئة. أبي متوتر جداً، ونحن كلنا مثله نشعر بالحزن، نحاول أن نخفي توترنا لكنه يظهر على وجوهنا. سبب هذا التوتر في عائلتي هو الخوف من الغد والبقاء على قيد الحياة".

وإذا كانت كل المراهقات اشتكين من زيادة أعباء الأعمال المنزلية، إلا أن وضع الفتيات السوريات المتزوجات أصعب كونهنّ يواجهن مسؤوليات إضافية في رعاية الأطفال.

وتحدثت الفتيات المتزوجات عن زيادة التوترات الزوجية الناتجة عن الضغوط المالية المتزايدة بعد أن أصبح أزواجهن عاطلين عن العمل ويقضون طيلة وقتهم في المنزل.

وأوضحت فتاة سورية تبلغ من العمر 17 عاماً أن "هناك الكثير من التوتر في المنزل، جميع الرجال يجلسون في البيت دون عمل يغضبون ويتشاجرون كل الوقت، طلبات الرجال في البيت لا تنتهي أبداً وهم يصبّون غضبهم علينا، مع أننا نعمل خارج البيت وداخله وهم جالسون طول اليوم لا يفعلون شيئاً أبداً. نحن لا نرتاح... نعمل ونطبخ كل الوقت".

كما قالت فتاة سورية عمرها 17 عاماً: "أنا دائماً عصبية وأصرخ على الأطفال. كانوا من قبل يلعبون في الخارج، أما الآن هم معي كل الوقت وأنا أعمل وأخبز. لا يمكنني تحمل كل هذا وعندما أغضب أضربهم حتى يخف غضبي".

طعام أقلّ

أدى تدهور الأوضاع في لبنان، بسبب الكورونا والأزمة الاقتصادية، إلى نقص في الغذاء وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية كالأدوية لأفراد الأسرة المصابين بأمراض مزمنة والفوط الصحية للفتيات.

وكان البنك الدولي قد توقّع، قبل جائحة كوفيد-19، ارتفاع معدلات الفقر في لبنان إلى 50% في عام 2020 بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، ثم أتت الجائحة لتفاقم الوضع، فقد توقع صندوق النقد الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة 12% هذا العام.

وفقدت الليرة اللبنانية 60% من قيمتها الشرائية في السوق وفرضت البنوك ضوابط غير رسمية على رؤوس المال بحيث منعت المودعين من الحصول على أموالهم.

وأفاد معظم المراهقون الذين أجرى معدّو التقرير مقابلات معهم بأن عائلاتهم إما خفّضت كمية الطعام، أو توقفت عن شراء بعض المواد الغذائية بسبب ارتفاع الأسعار أو حتى أنها لم تكن قادرة على شرائه أصلاً، ولجأت إلى ما لديها في المنزل.

وكرر المراهقون والمراهقات وبشكل مقلق عبارة أن "الموت من الفيروس أفضل من الموت من الجوع"، الأمر الذي يعكس خطورة الوضع المتدهور بين جميع المجتمعات في لبنان.

وروى فتى لبناني يبلغ من العمر 17 عاماً: "لا يمكننا شراء الطعام كما قبل، لا يمكننا شراء اللحم، الدجاج أو المعلبات، نأكل فقط مما لدينا من مؤونة. أمي مريضة جداً ولا يمكننا شراء الدواء، ولا يمكننا تعبئة هواتفنا".

أيضاً، ذكر فتى سوري في الـ16 من عمره:  "لا يمكننا شراء الأكل لأننا لا نعمل وليس لدينا المال. نأكل كل يوم البرغل فقط".

وأفاد معظم المراهقون والمراهقات السوريون والفلسطينون بأنهم لا يستطيعون شراء الخضار والفاكهة بسبب الغلاء ويعتمد معظمهم على البطاطا أو الحبوب والبقوليات مثل البرغل، العدس والأرز كأساس لوجباتهم الأساسية.

وشرحت الفتيات السوريات أنهنّ أصبحن يصنعن الخبز في البيت لأنهم غير قادرين على شرائه.

وتتضخم المخاوف الاقتصادية لدى الفتيان العاملين، وبخاصة السوريين منهم، لأنهم المعيلون الرئيسيون لأسرهم. فَقَدَ معظمهم مدخولهم بسبب الإقفال، في ظل عدم وجود مصادر أخرى للدخل أو مدخرات.

توصيات

بعد عرض الواقع، يقدّم "موجز السياسة" توصيات من بينها الحاجة الماسة إلى وضع خطة مساعَدة اجتماعية وطنية لدعم جميع الأسر المتضررة من جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية الراهنة، وضروة وضع وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة إجراءات أكثر تنسيقاً لتقديم الحماية الاجتماعية لدعم اللاجئين لتلبية حاجتهم المتزايدة من مستلزمات غذائية وصحية في هذه الفترة، خصوصاً في ظل تزايد الشقاق الاجتماعي، والتوسّع في تقديم الرعاية الصحية والأدوية المجانية لجميع المجتمعات في جميع المناطق، والاستثمار في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لليافعين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard