شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"ماذا لو كنّ بناتنا؟“... عن حقوق العاملات في الجنس بالحماية والعمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 3 يونيو 202004:17 م

نشرت أمس منظمة "التجمع الإنكليزي للمومسات" (English Collective of Prostitutes (ECP) تغريدة على موقع تويتر بمناسبة اليوم العالمي للعاملات بالجنس.

تحيلنا إلى التاريخ القريب لهذا اليوم، حيث جاء بعد أن ردت مجموعة من المومسات على سلسلة من الهجمات العنيفة والاعتقالات التي قامت بها الشرطة الفرنسية في الثاني من يونيو عام 1972 باقتحامهم لكنيسة في مدينة ليون الفرنسية وتعليقهم للافتة تقول "أطفالنا لا يريدون أمهاتهم في السجن". وقد شجع هذا امرأتين من المهاجرين إلى إنكلترا على تأسيس "التجمع الإنكليزي" لمحاربة القوانين المتعلقة بالعمل بالجنس. وفي عام 1982، اتبعت عضوات الجمعية مثال النساء الفرنسيات واحتللن كنيسة الصليب المقدس في كينغ كروس بلندن لمدة 12 يومًا للاحتجاج على الإجراءات الصارمة ضد عمال الجنس. وجاء في لافتتهم "الأمهات بحاجة إلى المال. أوقفوا تجاوزات الشرطة والعنصرية في كينغ كروس".

وعلى الرغم من أن العاملين في الجنس في جميع أنحاء العالم يكافحون اليوم من أجل إلغاء تجريمهم، إلا أن وضع قانون عمل خاص بهذه المهنة لا يزال قيد الجدل ولا تزال تدور معارك شبيهة بتلك التي خيضت عام 1972 في الكثير من البلدان. ولا يمكن الإجابة ببساطة عن سؤال ما إذا كان عمل الجنس قانوني أو غير قانوني في أي بلد بـ "نعم" أو "لا"، فالإجراءات القانونية تتراوح من إمكانية ترخيص هذا العمل إلى تجريمه واحتمالية عقوبة تصل إلى الإعدام خاصة في البلدان الإسلامية. إلا أن ما يمكن تأكيده هو مخاطر هذه المهنة وافتقار العمال فيها للضمانات الصحية والشيخوخة الآمنة لا سيما وأن سوق العمل بالجنس يفرض تقاعداً مبكراً، هذا عدا عن التجاوزات التي تتم في ظل عدم قوننتها من تشغيل القاصرات وإتجار بالبشر. إن وجود ما يزيد عن 13% من النساء العاملات فيها عالمياً مع ارتفاع قابلية إصابتهن بأمراض عوز المناعة المكتسبة بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يجعلها واقعاً، ويضعنا أمام سؤال ما إذا كان الحل حالياً هو قوننة صناعة الجنس ومنح العاملين فيها حقوقهم الإنسانية والعمالية بمعزل عن النظرة الأخلاقية والإدانة الاجتماعية لهم؟

لنكفّ عن اضظهاد ممتهني وممتهنات الجنس تحت مظلة القانون

"إذا عملت في الجنس فالقانون يرغمك على الاستمرار"

هذا ما تشرحه الناشطة في مجال حقوق العاملين بالجنس جونو ماك "من الصعب الحصول على عمل بوجود سجل إجرامي، وتجريم الدعارة يورط العاملين بها إلى الأبد". وتضيف إن فرض غرامات على عاملي الجنس في بعض البلدان يجبرهم في النهاية إلى العودة للعمل لسداد تلك الغرامات. وهذا ما يضعنا ضمن حلقة مفرغة من التجاوزات تصل إلى الإتجار بالبشر. فبحسب تقرير يونيسف لعام 2001 قدر أن الصناعة الجنسية تستغل 400 ألف طفل/ة من الهند، 100 ألف طفل/ة من الفلبين، 300 ألف طفل/ة تايلاند، 100 ألف من تايوان و325 ألف في الولايات المتحدة. وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 500 ألف طفل/ة من الصين، وعلى مدار العام يبيع الطفل خدماته ل2000 رجل وسطياً.

"قبل أن تسال "هل نريد بناتنا أن يعملن بالجنس"، تخيل أنهن فعلاً ممتهنات له، ألا تريد حمايتهن؟"

هذا على صعيد أسواق الرقيق، فماذا عن سوق الأفلام الإباحية؟

أصبحت هولندا في عام 1989 موقعاً مفضلاً للسياحة الجنسية العالمية. كما أنها ثالث أكبر صناعة في الدانمارك وتعمل واجهات العرض في بلجيكا أو الغرف في مراكز "ايروس" في ألمانيا كأقفاص لعرض السلع، 80% من البغايا في أوروبا من أصل أجنبي و70% منهن بلا وثائق، كل هذه الأرقام تصب في حساب ما يسمى بصناعة الفن الإباحي، كالأفلام والمجلات وحقوق البث، بحصيلة مذهلة: 52 مليار دولار فقط!

يذكر ريتشارد بولين في كتاب البغاء والجريمة المنظمة والسلع، أنه في العقود الثلاثة التي سبقت الألفية، شهد نصف الكرة الجنوبي نمواً هائلاً في الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض الجنس، كما هو الحال في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية. وقدرت الأمم المتحدة بأنه يتم الاتجار ب 4 ملايين شخص سنوياً، ما يدر بين 5-7 مليار دولار سنوياً، تقديرات عام 2002، ويقدر عدد الأشخاص الذين أودت هذه التجارة بحياتهم قبل الألفية بثلاث عقود ب 30 مليون شخص، ويصل الناتج الإجمالي للأعمال الخاصة بالاتجار بالجنس في تقديرات نفس السنة إلى 1.2 تريليون دولار، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أي ما يشكل 15% من حجم التجارة العالمية.

في البلدان العربية والشرق الأوسط

"لقد بدأت الفتيات بعمر 14 أو 15 يمارسن عملنا، وهذا يصعب علينا الأمر كثيراً" تقول إيبتاف، عاملة جنس إيرانية تبلغ الثلاثين من عمرها، "يبدو أنني سأتقاعد بعد سنة أو سنتين ولا أعرف كيف أعيل طفلي". إيبتاف، التي تندم دخولها إلى هذه المهنة، وجدت نفسها مضطرة لها بعد أن تكرر تحرش أرباب العمل بها لأنها مطلقة ووحيدة: "لماذا عليّ أن أصبح عاهرة بأجر ضئيل؟ أفضل اختيار زبائني بنفسي". تصل عقوبة العمل في الجنس بإيران إلى الإعدام، ويبدو أن القانون يتضافر مع الظروف الاجتماعية القاسية ضد العاملات بالجنس، ومعظمهن من المطلقات اللواتي طردن من العائلة وأصبح عليهن إعالة أطفال وتامين مأوى، دون أن يلاحق المسؤولين عن تشغيل القاصرات بهذه المهنة.

أما في الخليج العربي فنجد أنفسنا أمام تسلسل هرمي على رأسه المواطنون المحليون وارتباطاتهم السياسية ويقبع في أسفله النساء، مقدمات الخدمات الجنسية، كما تذكر الصحفية الأمريكية برديس مهدوي في كتابها "طريق مسدود" قراءة أنثروبولوجية لمساحات عمل المهاجرين في دبي، وغيرها من الممالك الخليجية. حيث يشكل عدد المهاجرين ما نسبته 92% من عدد السكان، وتحظى دبي بسمعة "طيبة" كجنة للجنس المدفوع في المنطقة. وقد أجرت الصحفية مقابلات مع 60 مهاجراً في وظائف مختلفة وجنسيات، معظمهم من النساء العاملات في تقديم الخدمات الجنسية لتلاحظ أنه بالرغم من كونه عملاً يحظره القانون إلا أنه موجود بكثافة رمال الصحراء، ويطغى عليه جانب عنصري طبقي أيضاً، حيث تعمل "العبدات الجنسيات" من الدول العربية وإيران وأوروبا الشرقية في المناطق الغنية والأنيقة، في تناقض مع مكان إقامة ورواتب الأخريات من جنوب شرق آسيا ووسطها مثلاً، الذين يعملون في بيوت الدعارة وصالونات التدليك والحانات والنوادي الليلية. أما الإفريقيات والإثيوبيات تحديداً، فيجدن أنفسهن على أرصفة وسط المدينة، متعرضات لعنف رجال الشرطة وقسوة الزبائن عديمي الضمير.

وتضيف الصحفية، أن الحملات المتكررة على السلطات الحكومية الإماراتية من قبل وزارة الخارجية الأميركية وغيرها من المنظمات الحكومية، لم تؤد إلى تعزيز وضع المهاجرين/ات بشكل عام، لكنه فقط أضاف حافزاً إضافياً لوصم النساء بالعهر وطرد بعضهن، من اللاتي كن قد استهلكن تماماً بالاستعباد الجنسي.

أزمة اللجوء زادت الطين بلة

"أكيد هم يستغلونني، يعرفون وضعي. زوجي قتل في الحرب ولدي خمسة أطفال لأعيلهم" تقول هبة اللاجئة السورية التي بدأت العمل في الجنس عن طريق صاحب سوبرماركت بدأ يعرفها على أصدقائه.

لقد فرض وضع اللاجئين في لبنان تقسيماً طبقياً من نوع مختلف يتعلق بالأمان لعمالة الجنس، لتحصل العاملات في الملاهي على حماية أرباب العمل الذين يستغلون حاجتهم لها في ظل تهديد قوانين مكافحة العمل في الجنس، وتبقى طبقة العاملات في الشارع مهددة بكل أنواع التعنيف من العملاء ورجال القانون.

"كل السحر يحصل في الطابق الثاني" يقول طوني حنا لمراسل بي بي سي. السحر بالنسبة لطوني هو "الجنس"، حيث أنه يمتلك ملهى ليلي وفندقاً ويعد بحسب تعبيره "القواد الأشهر في لبنان" بتسهيله بيع هذه السلعة لرواد الملهى وضمن جدران فندقه نفسه. يؤكد حنا أن مهنة الجنس غير قانونية بالمطلق في لبنان، ولكن معظم الفتيات اللواتي يعملن في العلن "كفنانات" في الملهى لن يحصلن على المال ما لم يقدمن خدمات جنسية للزبائن في السر. ولكي يقدم حمايته "إنه شبيه بالحجز المؤقت، يمنع خروجهن من الملهى قبل الواحدة، وهذا مثبت في عقودهن". ويضيف حنا "بالطبع لسن سعيدات بهذا، ولكن من يهتم، كان بمقدورهن ألا يخترن هذا العمل منذ البداية". وفيما يقدم أصحاب الملاهي حماية وسكناً للعاملات تبقى المهنة محفوفة بالأخطار في الشوارع، حيث تكون الفتيات أكثر عرضة للاعتقال والتجريم والحبس. تذكر إحدى الناشطات اللبنانيات التي أخذت على عاتقها مساعدة من تستطيع من الفتيات اللواتي تورطن في المهنة أن لبنان كان وجهة للسياحة الجنسية التي تقدمها مثل هذه الملاهي، لكن الطلب أصبح أقل بسبب ازدياد نشاط عاملات الجنس في الشارع اللواتي يقدمن خدمات أقل ثمناً وخاصة بوجود اللاجئين السوريين.

ما الذي يريده من يعمل بالجنس؟

تقترح جونو ماك إزالة جميع القوانين التي تجرم العمل بالجنس، واعتباره مثل أي عمل آخر. وبرأيها إذا كان لا بد من تجريم أحدهم فليتم تجريم المستهلك أولاً الذي أتاح فرصاً للعمل بهذا المجال.

لماذا لا تزال القوانين تجرم العمل بالجنس ولا تعتبره مثل أي عمل آخر يحتاج ممتهنوه وممتهناته الحماية والحقوق؟ وإذا كان لا بد من تجريم أحدهم فلماذا لا يتم تجريم المستهلك أولاً الذي أتاح فرصاً للعمل بهذا المجال

لا شك في أن عمل الجنس يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ويقع تحت مسمى العبودية وبالأخص للنساء اللاتي تستمر الثقافات الغربية بالتبجح في تحريرها لهن. ومع أن هذا العمل يحرم العاملين من المساواة والكرامة والسلامة في مكان العمل، غير أن معظمهم لا يملك خيارات عمل أخرى وسط الفقر والعوز. يخلق هذا حاجة ماسة إلى فهم أفضل للقوانين الموجودة وكيف تؤثر على العمل الجنسي للانتقال إلى أطر قانونية وتنظيمية جديدة وأكثر فعالية لضمان حقوق العاملين. وبرغم أن بعض البلدان قد أخضعت هذا النوع من العمل لإطار قانوني مثل فرنسا، إلا أنها لا تشمل اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين لا يمتلكون أوراقاً رسمية. وقد أشارت جونو ماك إلى "أن القوانين أرغمت المهاجرين غير الشرعيين على تعريض أنفسهم لمهربي الرق" وتضيف "قبل ان نسأل (هل نريد أن تعمل بناتنا بالجنس؟)، فلنتخيل أنهن فعلاً ممتهنات له، ألا نريد حمايتهن عندها؟".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard