شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل يلتفت الجنس في الإسلام إلى متعة النساء؟

هل يلتفت الجنس في الإسلام إلى متعة النساء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 15 مايو 202005:24 م

عبر كل "اكتشاف" لهوية جنسية لشخص على قدر من الشهرة مثل ابن الممثل المصري هشام سليم، مؤخراً، يعود النقاش في العالم الإسلامي حول أحقية المثليين جنسياً بالتعبير عن هويتهم بل وبالتواجد حتى، إلى نقطة الصفر، هل كان الأمر كذلك على الدوام في العالم الإسلامي؟ هل كان المثليون دوماً موضع انتقام للمتشددين؟ كيف تناولهم الفن والأدب الإسلاميان، وكيف سُمح للمثليين بالتعبير عن هوياتهم/هن؟

"أوه عرفت ميكانيك الأمر، إدخال القضيب في المهبل، الأورغازم، ثم الانسحاب، لكن لم أعرف ماذا يحب، لم أعرف ماذا أحب أنا"، هذا المقطع مأخوذ من مقدمة الكاتبة الأميركية "أم ملذات" لكتابها "دليل الجنس الحلال للمسلمة" THE MUSLIMAH SEX MANUAL، وتجيب الكاتبة على سؤال لصحيفة الأوبزرفر، حول تركيز كتابها على "الجنس الحلال" فقط، بأن الجنس في الإسلام ليس من أجل الإنجاب فقط، بل من حق الزوجة أن تكون راضية.

شكل الأدب الديني إيروساً إسلامياً خالصاً يركّز على متعة الرجال، واتسعت هذه الرؤية لتنقض ما عداها من متع، كالعلاقات المثلية أو "غير الشرعية"، وأصبحت مصدراً للمعرفة الجنسية الشرعية، واليوم تحول الثقافة الإسلامية إلى ثقافة قضيبية بحتة، من المسؤول عن ترويج هذه الصورة وكيف استولت على صورة الشرق "الليالي العربية الحمراء"، المليئة بالإيروتيك والإيكزوتيك، كيف انتشرت هذه الصور المألوفة في الثقافة الغربية عن العالم الشرقي؟

تشكل إيروس إسلامي خالص يركّز على متعة الرجال، واتسعت هذه الرؤية لتنقض ما عداها من متع، كالعلاقات المثلية، وأصبحت مصدراً للمعرفة الجنسية الشرعية، واليوم تحول الثقافة الإسلامية إلى ثقافة قضيبية بحتة، من المسؤول عن ترويج هذه الصورة وكيف استولت على صورة الشرق "الليالي العربية الحمراء"، المليئة بالإيروتيك والإيكزوتيك

المنمنمات الفارسية و"الخيال الإباحي الإثني"

في عام 1948، حصل الدكتور ألفريد كينزي على أكثر من 50 لوحة ورسماً فارسياً مثيراً، تم وضعها في معهد كينزي لأبحاث الجنس والجندر، تمثّل الرسومات طيفاً واسعاً من الممارسات الجنسية المثلية والمغايرة، في الهواء الطلق أو في المَخادع، ممارسات بدائية وأخرى تصاحبها الزخرفات، البغاء والتلصص والتحول الجنسي، كذلك الاستهلاك المتزايد للكحول، عمل مجموعة من الباحثين على تلك الصور لاستخلاص صورة مقاربة لهذا العالم البعيد كلياً، في ذلك الوقت، عن الفكرة المعتادة. كريستين غروبر Christinae J. Gruber، الأستاذة المشاركة في الفن الإسلامي ومديرة قسم تاريخ الفن في جامعة ميشيغان، تشارك الباحثين دراسة هذه الصور الإيروتيكية المثيرة والتعليق عليها والإجابة عن بعض الأسئلة التي يطرحها وجودها. "To Not Toil in Lonely Obserssion": Modern Persian erotic in Kinsey Institute".

الفن الجنسي

السلوكيات المشابهة كما تقول الباحثة، كانت موجودة قبلاً، لكنها أصبحت أكثر شيوعاً تحت حكم سلالة قاجار، 1795-1925، فانتقل الرسامون من رسم اللوحات الزيتية وتزيين الأواني بالمينا، لتأخذ المواضيع المرسومة شكلاً أكثر جرأة، برسم العراة والنساء اللواتي يرتدين ملابس شفافة، كما في اللوحة التالية الموجودة في جامعة برنستون ومؤرخة في 1085 

التي تظهر مجموعة من النساء العراة بالإضافة إلى رجل عار، ربما يقمن باستعراض أنفسهن أمام المشتري أو المالك، او ربما يقوم باستعراض "ما ملكت أيمانه" فحسب.

والصورة التالية التي تظهر ثنائياً يحتفل بالرقص والشرب وسماع الأغاني، بوجود مختلط للجنسين.

كما تذكر الباحثة غروبر، كيف شكّل هذا العالم بالنسبة للرحالة والباحثين عن المتعة الأوربيين، قبلة إثارة وبحث عن الغرائب التي ملأت مخيلتهم بها قصص ألف ليلة وليلة، فتذكر الكاتب الألماني بيرنهارد كيلرمان، 1879-1951 الذي زار إيران وترك سجلاً مفصلاً نشره في برلين عام 1940 بعنوان "رحلاتي في آسيا" كما كتاب "النفق" وكتاب"9نوفمبر" قبلاً في عام 1920، والذي تم دفنه من قبل النازية، حيث يتحدث في كتبه عن مغامراته الشخصية في الأسواق والمقاهي، ويذكر بشكل خاص مشاركته سجائره مع الناس حيث لم تكن معروفة في تلك الأيام، ويستعاض عنها بتدخين النرجيلة والأفيون والمشروبات الكحولية بشكل مستمر، رحلات تصفها الباحثة بـ"الاكتشافات الطفولية".

كما تنضم إليه الفنانة اليهودية النمساوية لين شنايدر كاينر 1885-1971 التي كانت تبحث عن مغامرات جديدة بعد طلاقها، فعاشت سنتين في آسيا، اكتسبت فيهما، ليس فقط خبرة حياتية، بل شهرة جدية من خلال المواضيع التي كانت ترسمها والمأخوذ أغلبها من أسلوب الرسم الفارسي من حيث تطرقه لمواضيع الأنوثة والعري والممارسات الجنسية الإيروتيكية، ولاحقاً قامت ببيع مجموعتها الفنية في مزاد، وهكذا وصلت إلى متاحف نيويورك وهواة جمع النوادر والغرائب.

لقد اشتكى الإيرانيون بإسهاب من التصوّرات الخاطئة عنهم من قبل الأوربيين، فهم من جهة يرغبون بإظهار أنفسهم كمغايرين لجيرانهم وأقرب للأوربيين بحياتهم اليومية، وأيضاً يرغبون ببيع ما يرغب به الأوربيون أيضاً: الخيال الغرائبي والممارسات المعجونة بالشبق"، أي الصورة النمطية نفسها، "الخيال الإباحي الإثني"

الكحول والحشيش والمثلية

تتحدث الباحثة عن العديد من الرسومات التي تظهر استهلاكاً متزايداً للكحول والمنشطات الأخرى كالحشيش والأفيون، وتوفر قائمة مثيرة للاهتمام داخل التقاليد الفنية الفارسية، بالإضافة إلى الممارسات الجنسية التي تشبع خيال الزائر الأوروبي، حيث تقول: " تبرز اللوحات الفارسية المثيرة دور الشحن الجنسي داخل المشهد الثقافي في إيران"، وبالرغم من أنها لم تكن موضوعاً للبحث إلا أنه تم استخدام مجموعة مختارة من العناصر كرسوم توضيحية للشبقية الشرقية من قبل غابرييل ماندل، وهو عالم آثار وفنان إيطالي، في "واحدة من الدراسات النادرة لدراسة الإثارة الجنسية في المصادر النصية والمرئية الإسلامية"، كما تقول غروبر، لا تخوض دراسة ماندل في تفاصيل الموضوعات أو أنماط الشبقية، لكن أغلب الرسومات منفذة على الورق وبقلم رصاص أو بحبر أسود، وأحياناً يتم تمييز تفاصيلها باللون الذهبي، أو بالألوان المائية، وتتنوع المواضيع الشبقية هنا من الممارسات المثلية إلى الأوضاع المتباينة للممارسة العادية، إلى تواجد المشروبات الكحولية بشكل غير معتاد، كما تظهر الصور المأخوذة من مقال كريستين غروبر.

وتقول غروبر إن هذا السلوك الجنسي لم يكن أمراً نادراً، كما أشارت إلى نوع من الممارسات الذي تظهره الصور وهو الممارسات البيدوفيلية، حيث يقوم رجل باتخاذ شخص يافع ويقوم بالاعتناء به وإيوائه وتعليمه، والاهتمام برفاهيته ونظافته، كما باستخدامه كرفيق جنسي "شوغر دادي" بتعابير اليوم:


وتذكر غروبر أن الممارسات تلك كانت شائعة كما يذكر المسافر الفرنسي جان شاردان، في كتابه Tratels in Persia of 1691، وأن الفتيان الذكور كانوا يلبسون ملابس مغرية، وينتشرون في الشوارع لاصطياد الزبائن، كما تنوّه للشعر الصوفي كما الغزلي، الذي يمتنع عن ذكر المحبوب بالتأنيث بل بالتذكير، كدلالة على انتشار المثلية واعتياديتها، كما تربط هنا بين النبيذ والكحول عموماً والنشوة الروحية التي كان يصل إليها المتصوّفة من اتحاد بالخالق ومستويات مذهلة من الارتقاء الروحي.

الصورة المتخيلة

بالعودة إلى السؤال الأول الذي طرحته الباحثة غروبر: هل كانت الرسومات تلك تصوّر واقعاً حقيقياً، أم أنها كانت استجابة لطلب المستشرق الذي ملأ مخيلات الزائرين الأوربيين؟

تقول غروبر أن المدن الفارسية أبهرت الزائرين الأوربيين، وبعض الصور لا تعدو كونها "إرضاء" لخيال السائح الغربي الباحث عن المتعة والغرابة، فتذكر مثلاً صورة بعنوان "الحريم المتخيل" التي تظهر امرأة غربية مبتسمة ترتدي التشادور وتحمل نرجيلة بطريقة مبتذلة

بحيث تظهر كدعامة مبتذلة لانتحال شخصية إيرانية أصلية، وبالطبع فإن هذه الصورة "المعدّة للاستهلاك" ليست محايدة ولا موضوعية، كأنها عروض مسرحية فحسب، فالحياة الفارسية والشبقية الشرقية مدينة إلى حد كبير بتصورات المستشرقين عن الشرق الغريب والجنساني المفرط، كما يلاحظ علي بيداد، أستاذ أستاذ جون تشارلز هيليس للأدب في جامعة كاليفورنيا، هذه الأنواع من المنتجات التصويرية يوجهونها بشكل حاسم باتجاه المجال الجنسي والمتع المحظورة، ويشمل هذا الأمر التوجه الأوروبي للأشياء الغريبة كالتشادور والشيشة والحشيش، كما إعادة نشر الصورة النمطية عن الصبيان البغايا، عبر وصف السائح شاردان، الذين يلبسون ملابس الإناث وبنفس الوقت يرتدون عمامات ويطلقون لحى خفيفة.

هذه الممارسات الجنسية والترفيهية ذات الطابع الجنسي كانت موجودة في العصر العباسي، لكنها في الرسومات تظهر مضللة، بدون هوية جنسية واضحة، تبرر غروبر الأمر بأنه عودة إلى "العصر الذهبي" الصفوي، وبنفس الوقت استجابة للهوس الغربي بامتلاك "لوحات" أصلية مرسومة، قابلة للامتلاك وتميّز "الشرق الغرائبي والشبقي"، حتى يمكن أن نسمي هذه الأعمال بـ"المزيفة الحقيقية"، مزيفة لأنها تأتي استجابة لطلب خيال مفعم بالتفوّق ونمطي عن "الشرق الشبقي" وحقيقية لأنها تظهر جانباً ربما قد يكون غير شائع لهذا الحد لكنه موجود ويتم التعبير عنه.

لقد اشتكى الإيرانيون بإسهاب من التصوّرات الخاطئة عنهم من قبل الأوربيين، فهم من جهة يرغبون بإظهار أنفسهم كمغايرين لجيرانهم وأقرب للأوربيين بحياتهم اليومية، وأيضاً يرغبون ببيع ما يرغب به الأوربيون أيضاً: الخيال الغرائبي والممارسات المعجونة بالشبق"، أي الصورة النمطية نفسها، "الخيال الإباحي الإثني"، فانخرط الفنانون الفارسيون في مجموعة من التلفيقات عبر المزج بين الماضي والحاضر، الخيال الغربي والممنوع الشرقي، الحقيقي والمتخيل، في إنتاج "تواصل هجين" بين "الهويات التفاضلية"، فظهر الفنانون الفارسيون كمصفوفة للتبادل بين الثقافات وإعادة إنتاجها، فتمثل الرسومات للزائر الغربي "العناصر المسيئة للعين المؤمنة" وبنفس الوقت يقبلون على شرائها بنهم الشياطين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard