شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تخيّل أن دماً سائلاً بين فخذيك"... الدورة الشهرية بين الخرافة والاكتئاب والشتيمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 6 أبريل 202003:08 م

نكديّات، حزينات، فاقدات الأمل، بائسات وتعيسات أيضاً... كلها قوالب جاهزة للتعبئة في الأوساط التي تُدرك ماهية الشعور الإنساني، وترى في نفسها النخبة القادرة على تصنيف النساء في رفوف متوازية... أما في مجتمعات أقل وعياً فنحن قذرات، ذوات رائحة كريهة ونجسات... كل هذا وأكثر ما نكونه لمدة أسبوع كامل من كل شهر.

إذا كتبت مثلاً في الزاوية المخصصة للبحث في صحيفة الجارديان "period shaming" أول ما سيظهر لك: فتاة في الرابعة عشرة قتلت نفسها بداية العام الدراسي في كينيا، بعد أن شتمها المعلم بالقذرة، وطردها من الصف بسبب بقعة دماء على ملابسها، لتخرج أمها فيما بعد وتشرح أنها كانت أول دورة شهرية لابنتها ولا تملك الفوط الصحية، وكأن تصرف المعلم مُبرر لو كان طمثها الثاني أو العاشر مثلاً.

علمياً، ثلاث من كل أربع نساء تعاني من أعراض تناذر ما قبل الطمث، يُعرف باضطراب قلق ما قبل الطمث.



أمّا إذا حاولت أن تبذل جهداً مضاعفاً لتقرأ عن نساء أرياف الهند وغرب النيبال، ستكتشف وجود ما يسمى بأكواخ الطمث، حيث تُنفى النساء بحجة القذارة التي تستوجب العزل، ويجبرن على الإقامة في أكواخ غير صالحة للسكن البشري، حيث يكن مهددات من الحيوانات المفترسة، الثعابين والمغتصبين.

وغير هذا، أذكر جيداً حين شتمتني جارتنا لأنني مددت يدي في قطرميز المخلل وأنا حائض، فكنت السبب في فساده، وأذكر الصديقات اللواتي يُرجعن تقصف الشعر أو تساقطه إلى الحلّاقة التي أخفت السر الكبير "طمثها" على الزبونة المسكينة.

والخرافات هذه ليست حكراً على الدول النامية فحسب، بل نجد العالم كلّه يتفنن في تحقير المرأة أثناء الدورة الشهرية، ففي ألمانيا تسيل الكريما وفي إيطاليا العجين لا يختمر، وفي كوكب اليابان، كما يسميه الحالمون، تفشل المرأة في صنع السوشي.

وبعيداً عن الخرافات، بعض الرجال ينامون في غرف منفصلة عن شريكاتهم، وغيرهم يمنعوهن عن الطهو حتى لأنفسهن، وفي أحسن الأحوال يغرق الشريك في أنشودة الرجل المقهور الذي يعاني من نكد شريكته قبل الحيض وبعده.

علمياً، ثلاث من كل أربع نساء تعاني من أعراض تناذر ما قبل الطمث، يُعرف باضطراب قلق ما قبل الطمث.

حيث تواجه المرأة آلاماً جسدية عدة ترافق اضطرابات نفسية كالقلق، التوتر، الاكتئاب، تأرجح المزاج وفقدان السيطرة على ذاتها، وكلها غالباً ما تكون مرافقة لنوبات بكاء.

في بعض الحالات، وتحت الضغط النفسي الشديد، قد يتحول لاكتئاب مزمن مثلاً، أو تسقط المرأة فريسة لنوبات قلق أو هلع، وفي الخلفية أنشودة شريكها الحزين المُتفهم.

بعيداً عن الخرافات، بعض الرجال ينامون في غرف منفصلة عن شريكاتهم، وغيرهم يمنعوهن عن الطهو حتى لأنفسهن، وفي أحسن الأحوال يغرق الشريك في أنشودة الرجل المقهور الذي يعاني من نكد شريكته قبل الحيض وبعده

وغالباً ما يؤثر اضطراب ما قبل الطمث على علاقات المرأة، سواء المهنية أو العاطفية وحتى الاجتماعية، حيث تكون المرأة عاجزة تماماً عن تفسير سبب حزنها، غضبها وانفعالها المفاجئ، خاصة للجنس الآخر، فتكون أضعف من شرح معضلة شلالات الدموع التي تكاد تكون لا إرادية، وقطعاً ليست أحد أنواع الابتزاز العاطفي.

في بعض الحالات تختفي الأعراض مع بداية الطمث أو بعده، فترتاح المرأة أسبوعاً، لتعود وتظهر مجدداً مع الإباضة أو بعدها، ليتحول الشهر إلى انفجار هرموني، أيام الراحة فيه تترافق مع النزيف.

وهنا، وبمعزل عن كل الاضطرابات النفسية، تخيل عزيزي القارئ للحظة، أنك وليوم واحد، تذهب إلى عملك مع دمٍ سائل بين فخذيك، تنهض عن كرسيك بعد اجتماع في غرفة المديرة تاركاً خلفك بقعة دم، أن توقف زميلك في العمل أو أي رجل آخر ولو كان غريباً، تتقدمه بخطوتين لينظر إلى مؤخرتك ويربت على كتفك بحنو، ويطمئنك أن بنطلونك نظيف... نعم إنها لمأساة حقاً!

مؤخراً ومع انتشار فيروس كورونا تحولنا من كائنات حيّة إلى صفحات على فيسبوك، المنصة التي تسمح لأشخاص، نتجاهلهم في المقاهي ونحيد نظرنا عنهم في الشوارع، بالتفوه بأي هراء يرغبون به، ليمارسوا ما يسمى بـ"التغوط الفكري" على الملأ.

فانتشرت النكات التي كانت أثقلها التهكم على التغيرات الهرمونية، وتقلبات المزاج أثناء الدورة الشهرية، واستخدامها كشتيمة لأي شاب متذمر ليتهافت عليه جمهور الفيسبوك ويكتب له: "جاييتك معلم؟!".

تخيل عزيزي القارئ للحظة، أنك وليوم واحد، تذهب إلى عملك مع دمٍ سائل بين فخذيك، تنهض عن كرسيك بعد اجتماع في غرفة المديرة تاركاً خلفك بقعة دم، أن توقف زميلك في العمل أو أي رجل آخر ولو كان غريباً، تتقدمه بخطوتين لينظر إلى مؤخرتك ويربت على كتفك بحنو، ويطمئنك أن بنطلونك نظيف... نعم إنها لمأساة حقاً!

من فضلك تعال هنا أيضاً عزيزي القارئ، وتخيل نفسك للحظة وحيداً تنزف في جزيرة رماك الموج عليها، فكنت الناجي الوحيد من تحطم سفينة غرقت وغرق معها أحبابك، تتذكر للحظة أنك الناجي فتفرح لثوانٍ معدودة قبل أن يهجم عليك ذئاب الجزيرة.

مكان مجهول، مُظلم، فيه ذئاب، وحوش مفترسة وعفاريت شرسة، تأتيك من كل صوب وأنت تبكي وتركض إلى اللامكان وحدك.

أعتقد أننا نتفق الآن: إنها ليست دعابة ولا شتيمة، وإن صاحب النكتة يفتقد لروح الفكاهة تماماً.

وبين الدعابات والشتائم، أذكر حديثي الأخير مع صديقتي التي تحاول أن تنجو من اكتئاب تطور لديها بعد متلازمة مبيض متعدد الكيسات، واستخدامها لحبوب مانعة للحمل لفترة طويلة، وهنا لن أتطرق لشرح سيل الأحزان الذي يجرفنا بمجرد قراءة الآثار الجانبية لموانع الحمل، التي تصل إلى تسرّع ضربات القلب أو التحذير من العقم والأورام الخبيثة، ولن أسرد التغييرات الهرمونية الكفيلة بتعكير المزاج، من البلوغ والإباضة التي ترافقنا كل شهر، إلى حملٍ ننجو فيه من الدورة الشهرية لنهلع من اكتئاب ما بعد الحمل، ولنقف في المحطة الأخيرة مهدودات تماماً أمام سن ما قبل انقطاع الطمث، سأكتفي بآخر جملة قلتها لها: "حقاً كنّا نستحق هرمونات أكثر انتظاماً".

ودائماً نستحق شركاء لا يكونون هم والهرمونات علينا، ففي الوقت التي تكون فيه الدورة الشهرية، فيزيولوجياً، انسلاخاً لبطانة الرحم يخرج على شكل نزيف، فهو نفسياً، انسلاخ للراحة والأمان، وتهديد شهري للسلام الداخلي عند كل أنثى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard