شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"جنود الربّ المجهولين"... يوميات أطباء وطبيبات من سوريا مع كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 أبريل 202004:53 م

في السادس من آذار / مارس 2020،  تغزّل الطبيب علي نصر عبد الله، بغروب الشمس في بيروت، وكتب على صفحته الشخصية بالحرف: "لا يوجد غروب جميل... فهو ينسحب ويختفي معلناً الرحيل، وتاركاً للذاكرة الكثير من الكركبة"، ربما لم يكن يدري الطبيب المناوب في مشفى "دمشق المجتهد"، أن هذا الرحيل الذي كتب عنه في بيروت، سيتحول لرحيل قسري عن دمشق التي تغزل بها بعد يومين من بيروت، وكتب" الزهر ع خدودك صلاة"، ولم يكن يدري أيضاً أن ذاكرة السوريين ستحمل الكثير من "الكركبة" مقارنة بحرب استنزفت طاقتهم ولم تخرجهم من الشوارع، وخطر فيروس جرهم إلى بيوتهم قسراً من كل الشوارع السورية.

يجر فيروس العصر، كورونا، أحداثاً متسلسلة مع أطباء وطبيبات مناوبين/ات يعاصرون/ يعاصرن كورونا في مشافي دمشق، وتُجر حياة أطباء وطبيبات بين المواقف الصعبة والمرحة، كما وتمر حياتهم بين جدران المستشفيات والمعقمات والفيروس.

"أصعب شعور في قسم الإسعاف، عندما ترى عيون المريض وعيون مرافقيه بعد اتخاذنا قرار إدخاله (قسم العزل) في المشفى"

ما قبل كورونا ليس كما بعده

قبل بداية شهر شباط/ فبراير 2020، كانت كل منظومات الصحة في العالم، تعيش أكبر همومها في مواجهة مع مرض السرطان، لكن فيما بعد، غيّر فيروس كورونا مسار الكوكب بأكمله، وباتت المواجهات أصعب، ولربما السرطان أصبح أسهل من كورونا، كان الأطباء، وخصوصاً في قسم الإسعاف، يعيشون حياتهم اليومية الروتينية، مثلاً: مواجهة حوادث السير في طرقات المدينة، ربما نوبة قلبية لشاب أنهكته الحرب، أو حالة صحية لعجوز يلفظ أنفس الحياة الأخيرة، على حد تعبير الأطباء الذين التقاهم رصيف22 وأجمعوا على ذلك.

وقد أشار الأطباء أن ما قبل كورونا ليس كما بعده، حيث أشار الدكتور محمد الشرع، وهو طبيب مناوب في قسم الإسعاف بمشفى المجتهد بدمشق، منذ بداية الإعلان عن أول حالة في سوريا، تغير التعاطي مع الأمور كلياً.

ويضيف: "تدربنا على البروتوكولات العالمية للتعامل مع المرضى المصابين، وأصبحنا نعتقد أنّ أي حالة تدخل المشفى من المرجح أن تكون حاملة للفيروس، حيث أعلنت وزارة الصحة السورية حالة الطوارئ، وتم تخصيص قسم للعزل الطبي في كل مشفى من المشافي، وبعد الإعلان عن الحالات، تم تخصيص أكثر من قسم في المشافي، ومؤخراً تم الإعلان عن مشفى الزبداني ليكون كاملاً مجهزاً للعزل الصحي".

وتابع الدكتور محمد معقباً على بروتوكول التعامل، أنه للشك بالمريض، يفترض أن يكون قادماً من مناطق موبوءة، وبالتالي إذا كان لديه حرارة، سعال أو ضيق نفس، وكل واحدة تأخذ نقطتين أو نقطة، وبناء عليها يتم تقييم الحالة. بينما أشارت الدكتورة ليلى سلوم، أنه قبل أن يتم الإعلان عن الحالات، كان لديها قناعة أنه لطالما هو فيروس موجود بكل دول العالم فهو أكيد موجود بسوريا، ونصحت كل الأطباء، حتى قبل الإعلان عن أول حالة، أن يتعاملوا مع أي مريض على أنه مصاب كورونا، وإذا مرض الكادر الطبي "بيكون على الدنيا السلام"، وتشير الدكتورة ليلى أن هذا الفيروس ليس آخر الأوبئة وهي ليست خائفة، إنما قلقة كون الناس حتى اللحظة لم تلتزم بالإجراءات الاحترازية بشكل كامل.

يجر فيروس العصر أحداثاً متسلسلة مع أطباء وطبيبات مناوبين/ات يعاصرون/ يعاصرن كورونا في مشافي دمشق، وتُجر حياة أطباء وطبيبات بين المواقف الصعبة والمرحة، كما وتمر حياتهم بين جدران المستشفيات والمعقمات والفيروس... هذا التقرير يلقي نظرة على واقعهم/ن اليوم

بين الحلو والمرّ

"أصعب شعور في قسم الإسعاف، عندما ترى عيون المريض وعيون مرافقيه بعد اتخاذنا قرار إدخاله (قسم العزل) في المشفى، وأجمل شعور عندما تدمع ذات العيون بعد أن تأتي نتيجة الفحص سلبية"، هذا أحد المواقف التي يمر بها الطبيب علي نصر عبد الله، وغيره من الأطباء يومياً في زمن كورونا، ربما يمرون به بفترات متقطعة عند مقابلة مرضى مصابين بالسرطان، لكن تحول إلى مشهد يومي، يحمل بين طياته خوفاً ورعباً على حياة مرضاهم وحياتهم، و منذ بداية الشهر الجاري، عندما لوّح خطر الفيروس الجديد في أفق سوريا، بدأت حكاياتهم الجديدة بحلوها ومُرّها، التي يرويها بعض الأطباء المناوبين في المشافي والمستشفيات لرصيف22.

من قلب الحدث

الدكتور طارق العبد، وهو طبيب أورام، يناوب في مشافي دمشق بقسم الإسعاف، يتحدث لرصيف22 عن أصعب المواقف التي يمر بها يومياً، ويقول: "قبل كورونا كان الكل ينظر للأطباء على أنهم شريحة تمارس عملها فقط، لكن بعد الفيروس بات كل التركيز علينا، أسئلة في المشافي، وأسئلة في المنزل ومن الأصدقاء، سواء كنا مختصين أو غير مختصين".

وبالتالي هذه الحالة خلقت نوعاً من الضغط على الأطباء. يتحدث الطبيب طارق العبد، عن أصعب المواقف التي مرّ بها: أتى إليهم مريض تم الاشتباه بإصابته بكورونا، وتم عزله، وكان من الأطباء المشرفين على التعامل معه ومراقبته، وعندما عرفت والدة الطبيب ذلك منعته من الجلوس معهم على طاولة الطعام.

ويضيف: "كل يوم نتحدث مع بعضنا كيف يجب أن نتعامل مع أهلنا نحن الأطباء، رغم أنه لم تظهر علينا أي علامات حتى اللحظة"، يتفق قلق أهل الدكتور طارق العبد مع القلق الشخصي للدكتورة ليلى التي ترفض زيارة أهلها خوفاً أن تكون حاملة للفيروس، كونها على تماس مباشر مع المرضى، ربما أصعب المواجهات للطبيب طارق كانت مع عائلته.

بينما كانت مواجهة زينب العاصي، وهي طالبة طب سنة سادسة، وضعت نفسها تحت تصرف المركز الصحي في المنطقة التي تسكن بها، مع مديرة المركز التي استغربت اتخاذ زينب للإجراءات الوقائية من كفوف وكمّامة، والمواجهة الأخرى مع محيطها الذي بات مصاباً بوسواس كورونا... فكل من أصابه الزكام يريد أن يجري تحليل لكورونا.

بينما يشير الدكتور علي عبد الله أن أصعب المواقف تتمثل بقدوم مريض مصاب بزكام شديد ولا يضع كمامة ويعطس بوجهك، وأصعب موقف أيضاً عندما تحاول إقناع أهل مصاب، أو شخص مشتبه بإصابته، أنه دخل الحجر ولا يستطيعون أن يروه إلا بعد نتيجة التحليل أو الشفاء.

بينما تشير الدكتورة ياني حاج حسن، وهي طبيبة في مشفى دمشق، تستقبل الناس في الإسعاف، أنه يوجد شريحة من الناس أصبحت تخاف من التعامل مع الأطباء، لكنها تضيف أن المرحلة القادمة تفرض أن نتعامل مع الظروف بلحظيتها مهما كان رأي الناس فينا، ومن حقهم أن يخافوا.

هذه حكايات بعض  أطباء وطبيبات سوريا في زمن كورونا... في دفاتر ذكرياتهم سيبقى الكثير من هذه القصص طي الكتمان، سيخبرون دمشق يوماً بعد أن يفك القدر حظر التجوال عنها، أنهم كانوا حراس فجر في زمن الفيروس وجنود الرب المجهولين

الجنود المجهولون في العالم

مع لحظة كتابة هذا التقرير، زادت الحالات التي صرحت بها الحكومة السورية لعدد المصابين بوباء كورونا، حيث بلغت 10 حالات، اثنين منهما فارقتا الحياة، حيث توفيت سيدة عند وصولها قسم الإسعاف في أحد مشافي العاصمة، ليتبين فيما بعد أنها مصابة بكورونا، وفي 30 آذار/مارس 2020، أعلنت وزارة الصحة السورية عن وفاة حالة ثانية، لكن الوقع كان أخفّ من وفاة الحالة الأولى، ربما تهيأ الناس نفسياً من بداية اجتياح الفيروس، وبين كل هذه الحالات طبيب يعلق مصولاً وريدية، وآخر يضع أوكسجين على وجه مريض بفيروس العصر، وآخر يسدل الستارة الأخيرة على وجه مريض خنقه كوفيد 19... وهذه كانت بعض حكايا أطباء في زمن كورونا، في دفاتر ذكرياتهم سيبقى الكثير من هذه القصص طي الكتمان، سيخبرون دمشق يوماً بعد أن يفك القدر حظر التجوال عنها، أنهم كانوا حراس فجر في زمن الفيروس وجنود الرب المجهولين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard