شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تزوجت مثل أمي في حظر التجوال بسبب كورونا والاحتلال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 أبريل 202005:54 م

اصطحب العريس عماد شرف، يسكن في الظاهرية، عروسته براء عمارنة، تقيم في مخيم الدهيشة في الضفة المحتلة، بلا مراسم زفاف، وسط إجراءات احترازية تمثلت بفستان أبيض، كمامة وقفازات طبية، بحضور عائلتيهما فقط وسط انتشار فيروس كورونا.

نشر عماد منشوراً عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، يضم بطاقة زفافه، مكتفياً بدعوة العائلة والمقربين فقط، ووفق ما جاء فيها: "بخصوص فرحي وتماشياً مع الأحداث الأخيرة بسبب كورونا، وقرارات تخفيف التجمهر والتجمعات، سيبقى فرحي بتاريخه المحدد عليه بتاريخ 20-3-2020 لكن سيتم إلغاء الحفلات، دون أي مراسم أخرى، وندعوكم للالتزام منازلكم والدعاء لنا بالبركة".

"أنا من الخليل وهي بيت لحم"

اتخذ عماد وبراء قرارهما نتيجة إعلان الحكومة الفلسطينية فرض حظر التجول في كافة المحافظات، وذلك في إطار جهود مواجهة فيروس كورونا المستجد، وبمنع خروج سكان الضفة الغربية من بيوتهم تطبيقاً للحجر الإلزامي، وعدم التنقل بين المحافظات نهائياً، وأنه يجب على المواطنين البقاء في منازلهم.

يروي عماد كيفية إتمام مراسم فرحه في ظل الإجراءات التي استدعتها أزمة كورونا، والتي فصلت المدن الفلسطينية بفرض حظر التجوال، قائلاً لرصيف22: "أسكن في مدينة الخليل، وعروستي في مدينة بيت لحم التي كانت مغلقة تماماً، شعرنا بكآبة بالبداية حينما بدأت الأزمة تشتد، وأهم ما فكرت فيه كيفية انتقال مراسم الفرح بين المدينتين، ذهبت لوحدي الى بيت أهل العروس ولم أدخل بمركبتي إلى بيت لحم، بل استعملت مركبة معقمة ومجهزة بالإجراءات الوقائية، وذلك بالتنسيق مع الأمن الفلسطيني ذهاباً وإياباً، الأمر بالطبع غريب وليس مألوفاً بالنسبة لنا، رغم ذلك لم أمتنع عن إتمام الزواج".

"ذهبت لوحدي الى بيت أهل العروس ولم أدخل بسبارتي إلى بيت لحم، بل استعملت سيارة معقمة ومجهزة بالإجراءات الوقائية، وذلك بالتنسيق مع الأمن الفلسطيني، الأمر بالطبع غريب"

لم ير المتحدث أن هناك دواعي لأي تأجيل أو إيقاف الزفاف، فكان الأفضل بالنسبة له ولعروسته التأقلم مع الوضع الراهن، وذلك بهدف نشر رسالة توعوية لكل شخص يبحث عن الكماليات التي لا داعي لها بإقامة فرح أسطوري، فالأهم حياة الإنسان واتخاذ الإجراءات الصحية السليمة والوقائية اللازمة التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية، كذلك لم تبد عروسته براء أي علامات تذمر، بل وافقت شريكها الرأي بعد أن مرّ على خطوبتهما 9 شهور.

لعل المتابع لمجريات أحداث القضية الفلسطينية منذ بداية الانتفاضة عام 1987 حتى اتفاق أوسلو 1990، يلحظ أنّ تبعات حظر التجوال بين المدن الفلسطينية أمر ليس بالجديد.

وجاءت الاستعدادات الاحترازية لكورونا لتعيد ذاكرة الفلسطينيين إلى ما قبل ثلاثة عقود، رغم اختلاف المسبب، فقد عهد الفلسطينيون أن يتم فرض حظر التجوال عليهم بسبب إجراءات عسكرية يتخذها الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما على كافة الأصعدة في حياتهم اليومية، وتحديداً فيما يتعلق بمراسم الزفاف، التي كانت تتم بصمت دون حضور مدعوين، فقط يقتصر الأمر على اصطحاب العريس عروسته من منزلها لمنزله، وسط إجراءات مشددة من جنود الاحتلال الإسرائيلي.

عهد الفلسطينيون فرض حظر التجوال عليهم بسبب إجراءات عسكرية تبناها الاحتلال الإسرائيلي.

في قطاع غزة، لا يختلف الأمر كثيراً، فما بين تأجيل حفل زفافهما أو إتمامه تحت سطوة "كورونا"، كان لا بد لإبراهيم (28 عاماً)، وهو مهندس، وهناء زغبر، الاختيار، فلا بدائل أمامهما سوى أن يرضخا للأمر الواقع الذي فُرض عليهما، والقبول به وفق الإمكانات المتاحة، فقرَّرا أن يقيما العرس بأجواء احتفالية بسيطة في منزل أحد أقربائهما، والتعايش مع فرحتهما المنتظرة منذ أربعة شهور.

بدا شعورهما بأجواء العرس منقوصاً، وفق تصريحهما لرصيف22، فهما لطالما تمنيا إجراء مراسم "ليلة العمر" بالنسبة لهما كما خطّطا، ووفقاً للعادات المجتمعية السائدة.

تقول هناء (26 عاماً) وتعمل في مجال الهندسة: "كثيراً ما كانت تحدثني والدتي عن أحداث فرحها في فترة الانتفاضة الأولى، وكيف أنها تزوجت أبي في ظروف منع التجول التي كان يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بين أحياء مدينة غزة، لكن لم أتوقع يوماً أن أعيش نفس الواقعة رغم اختلاف الظروف".

تضيف هناء لرصيف22: "إن إمكانية استمرار الفرح كانت أكبر من تأجيله، لا سيما أن قرار منع إقامة الأفراح والتجمعات في غزة جاء في توقيت زمني متأخر مقارنة بالضفة، ومفاجئاً بالنسبة لنا، فمن المفروض أن يتم الإعلان في وقت مبكر وليس في ساعة المساء".

"بعدما كنا قد أنهينا إجراءات الحنة وهي تسبق ليلة الفرح، وكذلك سهرة العريس، فليس من المعقول أن يتم تأجيل الفرح في هذه الأثناء، هذا ما دفعنا لإتمام الزفاف، لكن ألغينا بعض التفاصيل، مثل حجز قاعة الأفراح والذي كلفنا مبالغ مالية ليست بسيطة، واقتصر بنا الأمر على أخذ بعض الصور الفوتوغرافية التذكارية لي بفستان الفرح برفقة العريس"، تقول هناء.

"تذكرت زواجي"

جاء فرح هناء بالتزامن مع إعلان وزارة الصحة بحكومة قطاع غزة وجود حالات جديدة مصابة بفيروس كورونا، هذا ما دفع الحكومة لفرض مزيد من الإجراءات على السكان، على غرار القرارات السابقة المتعلقة بتوقف قطاع التعليم، المؤسسات الأهلية، الحكومية، قطاع النقل الخاص، قطاع المطاعم والفندقة، حتى تم تطبيق قرار منع التجمعات وإغلاق قاعات الأفراح.

"كثيراً ما كانت تحدثني والدتي عن أحداث فرحها في فترة الانتفاضة الأولى، وكيف أنها تزوجت أبي في ظروف منع التجول التي كان يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، لكن لم أتوقع يوماً أن أعيش نفس الواقعة رغم اختلاف الظروف"

تذكرت انتصار رشدي، امرأة في الخمسينيات من عمرها، زواجها في فترة الانتفاضة الأولى، وسط إجراءات عسكرية إسرائيلية مشددة آنذاك، وهي فرض منع التجول والذي كان يسمى "الطوق الأمني"".

تقول رشدي لرصيف22: "رغم صعوبة الأحداث السياسية التي تزوجت بها في تلك الفترة، إلا أن الزواج كان له بهجته الخاصة، والتي تكمن في بساطته وقلة تكاليفه، جاء زوجي في ذلك الوقت لأخذي من منزلي في مخيم جباليا، إلى حي النصر الذي لا يبعد كثيراً عنا، لم أرتد فستاناً أبيض بل اكتفيت بارتداء ثوب فلسطيني فلاحي مطرز قامت والدتي بحياكته لي، ولم يكن هنالك أي مراسم زفاف، لا زغاريد أو طبل، وعندما خرجت من المنزل تم تغطيتي بعباءة سوداء كانت لوالدي في ذلك الوقت، حتى لا يعرف الاحتلال الإسرائيلي أني عروس فيمنعني من الانتقال لمنزل زوجي".

"أخذني زوجي من المخيم وأنا أرتدي ثوب فلسطيني فلاحي بلا مراسم زفاف".

تنتقد رشدي بشدة تكاليف الزواج المرتفعة في هذا العصر، مقارنة بزمانها، تقول: "لم يتكلف العروسان في ذلك الوقت أي تكاليف مقارنة بالحاضر، حيث تصل قيمة تكاليف حفل الزفاف بغزة إلى 12 ألف دولار أميركي".

لذا تشعر رشدي برضا عندما تسمع عن انتشار زيجات هذه الأيام بلا أفراح باهظة التكاليف، تماماً كما كانت في شبابها، تقول: "في حالة استمر انتشار فيروس كورونا سيضطر الجميع أن تتم مراسم الزواج كما حدث معي، وبهذا تعيد المرأة للفرح نكهة الماضي، وتوفر على عريسها تكاليف الفرح، لاستثمارها في تلبية أغراض أخرى لهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard