شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل يدفع الفنّانون ضريبة مزايدة العالم الغربي على الأنظمة القمعية في بلادهم؟

هل يدفع الفنّانون ضريبة مزايدة العالم الغربي على الأنظمة القمعية في بلادهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 30 مارس 202005:45 م

اختتم يوم السبت 7 آذار/ مارس 2020 معرض "ديزرت إكس" في صحراء العلا، شمال غرب السعودية؛ عرض خلاله فنانون من كاليفورنيا، السعودية ودول عربية أخرى، أربع عشرة قطعة فنية ضخمة، متجاوبة مع الطبيعة الصحراوية للموقع الذي كان مفتوحاً للعموم.

وديزرت إكس هي فعالية تقام كلّ سنتين، بدأت في كاليفورنيا عام 2017، "تُأسّس لربط المجتمعات والثقافات الصحراوية من خلال الفن المعاصر"، بحسب موقعها على الإنترنت.

رغم النجاح الكبير الذي حقّقته معارض ديزرت إكس خلال 2017 و2019، إلا أن دخولهم كشركاء مع الحكومة السعودية، ممثلة بالهيئة الملكية لمحافظة العلا، لإطلاق المعرض المذكور في 31 كانون الثاني/ يناير، أثار جدلاً واسعاً: ثلاثة من أعضاء مجلس ديزرت إكس استقالوا "باشمئزاز".

يعود ذلك إلى سجلّ السعودية الحافل بالتضييق على حقوق الإنسان وحرّيات التعبير. فقبل إعلان التعاون بين ديزرت إكس والحكومة السعودية بأيام، نشرت محطة PBS لقاء مع ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، يقرّ فيه بمسؤوليته عن مقتل الكاتب والصحافي جمال خاشقجي، الذي استُدرج إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، ليتم تعذيبه وقتله داخلها، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018.

لكن السعودية واحدة من 59 دولة مصنفة "غير حرّة" بحسب منظمة "بيت الحرية". يعيش في تلك الدول مليارات الناس، بينهم فنانون لا علاقة لهم بالحكومة، ولكنهم يرون أنفسهم في نفس الوقت ضحايا قمع تلك الأنظمة وضحايا مقاطعة الدول الأكثر حرية لها.

هل يدفع الفنّانون والفنانات ضريبة مزايدة العالم الغربي على الأنظمة القمعية في بلادهم/ن؟

جذور الفن في المملكة

"المشهد الفني موجود منذ زمن، منذ حوالي 50 أو 60 سنة. هنالك فنانون ممارسون في السعودية": قالت ريبيكا آن بروكتور، رئيسة التحرير السابقة القسم الفني وقسم التصميم الداخلي في مجلة "هاربرز بازار" السابقة، في لقاء مع بودكاست زاوية الفن، "وهو مشهد كان الفنانون أنفسهم يقودونه، إلى جانب بعض الرعاة الأثرياء المنفصلين إلى حد كبير عن الحكومة".

وتأتي بروكتور على ذكر فنّانات مثل منيرة موصلي وصفية بن زقر، اللتين تعتبران من رواد الفن التشكيلي في المملكة، إذ أقامتا أول معرض للفن تشكيلي في السعودية عام 1968 في مدرسة دار التربية الحديثة.

كما تتحدث عن تأسيس الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبد العزيز آل سعود، مؤسسة المنصورية، التي تهدف إلى "دعم الإبداع في المملكة"، عام 1990.

في العام 2003، أسّس الفنان البريطاني ستيفن ستابلتون، بالتعاون مع الفنانين السعوديين، أحمد ماطر وعبد الناصر غارم، إدج أوف آرابيا (Edge of Arabia)، وهي مبادرة فنية تسلط الضوء على الفن المعاصر في السعودية، بدعم من مجموعة الملياردير السعودي عبد اللطيف جميل وعائلته.

وفي العام 2013، أسست مجموعة من رعاة الفن السعوديين مجلس الفن السعودي في جدّة، "للاستجابة إلى الاحتياجات المتنامية لمشهد الفن والثقافة".

يرى البعض في إصلاحات محمد بن سلمان في مجال الثقافة والفن محاولة "للتحكّم، بشكل أو بآخر، بفكرة التعبير الإبداعي لدى الناس"

ما سر اهتمام السعودية المفاجئ بالفن؟

وصفت بروكتور مشهد الفن والثقافة في السعودية سابقاً، بأنه "مشهد يقوده الفنانون أنفسهم، إلى جانب بعض الرعاة الأثرياء المنفصلين إلى حدّ كبير عن الحكومة".

لكن المملكة بدأت محاولات تسلم زمام قيادة الحركة الفنية، بحسب بروكتور، مع تأسيس مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية "مسك"، التي أنشأها ولي العهد عندما كان المستشار الخاص لأمير منطقة الرياض، عام 2011.

"يرى العديد من الناس في ذلك سعياً بروباغاندياً، تهدف الحكومة من خلاله إلى السيطرة على مشهد الفن والثقافة، وإلى التحكم، بشكل أو بآخر، بفكرة التعبير الإبداعي لدى الناس". قالت بروكتور، "ولكنها أيضاً تتخطى ذلك، السعودية تحاول تقليص اعتمادها على النفط، وما أدركته هو أنه لن يكون موجوداً ‘إلى الأبد، وأن الأزمة تلوح".

عيّن محمد بن سلمان، الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، كأول وزير ثقافة سعودي، منتصف العام 2018، وتعيين بدر بن عبد الله، المحافظ السابق للهيئة الملكية لمحافظة العلا، الجهة التي تعاونت معها ديزرت إكس، يأتي في سياق محاولات بن سلمان للتحكم بمسار الفن والثقافة في البلاد.

تعرّف العالم على بدر بن عبد الله عندما تبيّن أنه الوسيط الغامض الذي اشترى لوحة منسوبة إلى ليوناردو دافنشي، مخلّص العالم "سالفاتور موندي"، لقاء 450.3$ مليون دولار عام 2017، لصالح محمد بن سلمان، الذي أعارها لاحقاً إلى ولي عهد إمارة أبو ظبي، محمد بن زايد، لتعرض في متحف اللوفر هناك.

تمرّ السعودية، بحسب ما تنقل بروكتور عن صحافيين وفنانين سعوديين التقت بهم خلال زياراتها، بمرحلة دقيقة. "هناك دفعة إلى الأمام، هناك حرية": تقول بروكتور، "ولكن هناك أيضاً دفعة إلى الوراء في الوقت ذاته".

هل نعتبر إقامة معرض يشارك فيه فنانون محليون سعوديون في بلدهم خطأ، وتنظيم المثل في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب صواباً؟

تكمن الأزمة في أن الفعاليات التي تقام في السعودية تقام، بشكل أساسي وشبه كامل، بدعم رسمي حكومي مع الإشارة المستمرة لهذا الدعم، ولذلك تأخذ الجهة الرسمية كل الفضل الإعلامي ويبقى الفنانون في الظلّ، فلا وجود لمساحات غير رسمية قادرة على إقامة فعاليات على نطاق كهذا. بالمقابل، ينسب الفضل الإعلامي للفنانين في الغرب، أصحاب الجهد والإبداع، وأي حدث مدعوم من جهة حكومية ما غالباً ما لا تتم الاشارة إليه. 

مأزق الفنانين المحليين

لا شك أن للعديد من الأنظمة حول العالم باع طويل في قمع حرية التعبير بكافة أشكالها، وبشتى الوسائل، ما يجعل من تعامل الدول الغربية والمنظمات والمبادرات الناشطة فيها مع هذه الحكومات أمراً مرفوضاً بالنسبة لكثيرين. ولهذا السبب شهدنا التهليل لاستقالة ثلاثة من أعضاء مجلس ديزرت إكس، بعد إعلان المبادرة تعاونها مع الحكومة السعودية.

ولكن أحد الأعضاء المستقيلين من مجلس ديزرت إكس، سبق وعرض عمله الفني في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي شهدت رئاسته قصفاً على اليمن وأفغانستان وليبيا وغيرها، بحسب ما أشارت بروكتور، فهل يمكن الفصل بين الفنانين وحكومتهم فقط عندما يتعلق الأمر بالغرب، كالولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية؟

هل نعتبر إقامة معرض يشارك فيه فنانون محليون سعوديون في بلدهم خطأ جسيماً، في حين يمكن عمل أية فعالية فنية في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي "لا يبالي بحقوق الناقدين والأقليات في سعيه لتحقيق أجنداته الشعبوية"، بحسب تقرير بيت الحرية لعام 2020.

طرح مقدم زاوية الفن وجهتي النظر اللتين أحاطتا بموضوع ديزرت إكس. الأولى، الاتجاه نحو "ذمّ السعودية ومشهدها الثقافي بالكامل، كأنه نوع من العقوبة الجماعية؛ في حين أننا نتكلم عن شخصٍ واحد، أمر بقتل صحافي في الخارج، فلماذا نلوم البلد بكامله؟" قال المقدّم. والثانية، "هي أن البلد كله هو محمد بن سلمان"، نتيجة حرص الأخير على السيطرة على كافة جوانب الحياة فيها.

العملية ليست سهلة، وخطر مساعدة الأنظمة القمعية بشكل غير مباشر على إعادة إنتاج صورتها هو خطر لا يمكن تجاهله، ولكن هل هنالك جهود حقيقية لدعم الفنانين المحليين الذين يقطنون دولاً كالسعودية، ليصل صوتهم وفنهم إلى العالم، دون النظر إليهم على أنهم أدوات بروباغاندا؟ تستذكر بروكتور مقولة لجلال الدين الرومي وتوظفها بهذا الصدد: "خارج كل هذا الصواب والخطأ يوجد فناء، لنلتقي هناك".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard