شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كرة القدم حين تنصف المهزومين في سوريا… وكل مكان أيضاً

كرة القدم حين تنصف المهزومين في سوريا… وكل مكان أيضاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 11 مارس 202002:07 م

" لقد رغبت مثل جميع الأورغوانيين بأن أصبح لاعب كرة قدم، وقد كنت ألعب جيداً، كنت رائعاً، ولكن في الليل فقط في أثناء نومي... لاحقاً عرفت حقيقتي أنا متسوّل كرة قدم، لا أكثر".

- إدواردو غاليانو -

حسب كلام غاليانو، فإن عدد المتسولين في العالم يقارب الستة مليارات تقريباً... يجلس المتسوّلون متفرّجين في الملاعب، أو أمام شاشات التلفاز، وكل واحد منهم يصرخ في داخله: "حبّاً بالآلهة... انتصروا"، هذا ما يحدث قبل صافرة البداية، أما والمباراة قد بدأت، فلك أن تتابع العيون الجاحظة والانتباه المركّز، والأنفاس القصيرة المتلاحقة والتوتر المتبدّي عَرَقاً على الجبين، ثم التأوّهات على الفرص الضائعة، أو التمريرات الخاطئة المتبوعة بأفخر أنواع الشتائم التي لم يسبق لك أن سمعت بها قبلاً، ولن تسمع بها في مكان آخر غير مدرجات الملاعب... كل هذا لم يقنع صديقي بالذهاب معي لمشاهدة مباراة الديربي، بين قطبي مدينتي (تشرين وحطين)، ما أقنعه حقاً هو اعتباري مشجعي حطين شعراء ورسامين بينما جمهور تشرين محاربين، أراد أن يتأكّد من سلامتي العقلية حيث اعتبرني مجنوناً، فذهب معي.

في الطريق أخبرته عن وجه التشابه بين ألبير كامو وعمار عوض وآخيل وعبد القادر كردغلي، بدا صديقي شارد الذهن ومتململاً وغير مصدّق ولم يفق حتى دخلنا وجلسنا... رأى المدرج الشمالي "جمهور حطين" كيف يستعد للرسم أو الكتابة، وسمع من المدرج الجنوبي "جمهور تشرين" خطبة ما قبل المعركة، وشاهد كيف يصعد الدم إلى الرؤوس ولا ينتهي إلا بالنصر أو الموت.

بعد تسع سنوات من الدم، القهر، العذاب، التشظي، الفقد، التخلي، النزوح، الرفض والفقر، جلس السوري بجانب السوري واتفق معه، دون مؤتمرات خارجية ولقاءات صحفية وأطراف حيادية

كل شيء منظّم في الجهة الشمالية ومخطط له، يشبه تركيب النص أو اللوحة في رأس الشاعر أو الرسام، في لحظات ما قبل البدء بالكتابة أو الرسم، وهذا ما ينعكس على أرض الملعب، لطالما كان نادي حطين يتفنن في تصدير لاعبي خط الوسط والهجوم: هشام عابدين، سليم جبلاوي، عمار عوض، عارف الآغا، السيد بيازيد وزياد شعبو، يكفي أن تذكر هؤلاء حتى تشعر بدافنشي وبيكاسو وأنجلو وبورخيس ورامبو وكفافيس. بديهيّ أن يكون لاعب الوسط رساماً، فيما ينفرد المهاجم بصيحات الجماهير وآهاتهم.

هذا الإبداع كان يقابله إبداع آخر، يوازيه بالقوة وردة الفعل ويعاكسه بالاتجاه، إنّهم الـ 300 أو مقاتلو الجنوب، هنا الجميع عاري الصدر، الجميع ممسكٌ حنجرته، ويضغطها بأقصى ما يستطاع كي تُخرج أكبر قدر من الصوت، هنا لا مجال للتراجع أو الاستسلام فالبحر ليس صديقهم، ورغم أنهم لا يضاهون الجهة الشمالية بالخيال، إلا أنهم يفوقونهم بالشرايين البارزة والمفاجآت المتتالية، هذه الجهة أنجبت محاربين أشداء وأكثر من قائد مئة وأمراء وملك واحد: محمد عكارة، مروان نحلوس، عمار حبيب، زكريا رمضان، عبدالله مندو والملك عبد القادر كردغلي.

الفرق بين الجهتين إذن يشبه الفرق بين من نحت تمثال موسى ثم قال له: انطق، وهكتور أمير طروادة.

الغني بجانب الفقير، الموالي بجانب المعارض، الطبيب بجانب البائع الجوال، المثقف بجانب الأمي، جميعهم كانوا بجوار بعضهم منسجمين، متآلفين، متضامنين، جميعهم نسوا ما مرّوا به خلال سنوات الحرب القاسية

أفاق صديقي من شروده حين دخلنا وجلسنا... حين رأى ثلاثين ألف متسوّل بكل اختلافاتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وميولهم وانحيازهم وموافقتهم ورفضهم وإيمانهم وكفرهم، الغني بجانب الفقير، الموالي بجانب المعارض، الطبيب بجانب البائع الجوال، المثقف بجانب الأمي، جميعهم كانوا بجوار بعضهم منسجمين، متآلفين، متضامنين، جميعهم نسوا ما مرّوا به خلال سنوات الحرب القاسية، وجميعهم تذكروا بنفس اللحظة ووحّدهم انحياز الحكم لأحد الطرفين كل حين، فباشروا به وانتهوا باللاعبين رقم تسعة من كلا الفريقين، الذين أضاعا فرصة تحقيق هدفين محققين على التوالي – قصداً – كي تخرج النتيجة بالتعادل.

بعد تسع سنوات من الدم، القهر، العذاب، التشظي، الفقد، التخلي، النزوح، الرفض والفقر، جلس السوري بجانب السوري واتفق معه، دون مؤتمرات خارجية ولقاءات صحفية وأطراف حيادية.

ما وحّدهم كان حكماً منحازاً لهذا الفريق حيناً وللفريق الآخر حيناً آخر، وأملاً بهدف ينتزع القلب من الصدر ويشقّ الهواء بصرخة، أصحابها خمسة عشر ألف مشجّع من أحد الطرفين: "غوووووووول".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard