شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لا تقل محبوسين احتياطياً، بل قل معتقلين"... الدولة المصرية التي تحوّلت إلى سجن كبير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 29 فبراير 202005:56 م

قبل أيام، طالبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية، متخصصة في الدفاع عن حرية التعبير في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، المجلس الأعلى للهيئات القضائية، مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، بأن يتقدموا بطلب للمحكمة الدستورية العليا بتفسير المادتين رقم 143 و380 من قانون الإجراءات الجنائية، لوجود تعارض بينهما جعل الحبس الاحتياطي عقوبة.

حيث أن المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية تضع حداً أقصى للحبس الاحتياطي: في جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي، وسائر مراحل الدعوى الجنائية، ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام.

وتعطي المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية الحق لمحكمة النقض والإحالة، فقط إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو بالسجن المؤبد، أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد، دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة، نجد في هذه المادة مدد الحبس الاحتياطي محددة بما لا يدع مجالاً للشك أو أي تأويل آخر، والمادة 143 هي المادة التي استندت عليها محكمة الجنايات عام 2013، لإخلاء سبيل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، في قضية قتل المتظاهرين.

لكن يظهر التعارض في الحبس الاحتياطي والمدد المتعلقة، حيث تستند بعض محاكم الجنايات لنص المادة 380 التي أعطت الحق لمحكمة الجنايات في جميع الأحوال، بأن تأمر بحبس المتهم احتياطياً في أي مرحلة من مراحل الدعوى، حيث أصبحت المحاكم تعبث بحريات المواطنين.

ورغم أن المشرع المصري لم يضع تعريفاً واضحاً للحبس الاحتياطي، إلا أنه وضع شروطاً يجب أن تتوفر لفرض الحبس الاحتياطي على المتهم، مع مراعاة أن الأصل في الإنسان البراءة.

ويعتبر القانون المصري والمشرع أن الحبس الاحتياطي إجراء احترازي يجب أن يتخذ في أضيق الظروف، وهو ما أكدت عليه محكمة النقض، وهي واحدة من أكبر المحاكم المصرية، حيث قالت في أحد أحكامها: "خير للعدالة أن يفلت ألف مجرم من العقاب على أن يدان بريء".

ويعتبر القانون المصري والمشرع أن الحبس الاحتياطي إجراء احترازي يجب أن يتخذ في أضيق الظروف، وهو ما أكدت عليه محكمة النقض، وهي واحدة من أكبر المحاكم المصرية، حيث قالت في أحد أحكامها: "خير للعدالة أن يفلت ألف مجرم من العقاب على أن يدان بريء"

وفي حكم لمحكمة القضاء الإداري قالت إن "الحبس الاحتياطي هو أبغض الإجراءات القانونية"، إلا أن النظام المصري يستغل الحبس الاحتياطي للتنكيل بكل المعارضين من مختلف التيارات، وحول الحبس الاحتياطي لعقوبة، وأصبحت مصر سجناً كبيراً يكسوه اللون الأبيض، لون بدلة الحبس الاحتياطي.

لا يوجد تعداد رسمي للمحبوسين احتياطياً في مصر، حيث يصعب تحديد ذلك من خلال المنظمات الحقوقية المستقلة، بسبب اتساع دائرة الاعتقال لتطال الجميع، سواء كانوا سياسيين، نقابيين أو حتى أشخاصاً عاديين، قرروا التعبير عن رأيهم في الأوضاع الاقتصادية، أو وضع الحريات في مصر بشكل عام.

ولم تعلن الدولة عن أعداد المحبوسين احتياطياً، لأنها أبعد ما يكون عن الشفافية، تهتم فقط بالنفي المطلق أن وضع الحريات يزداد سوءاً يوماً بعد يوم،

ويطال الحبس الاحتياطي آلاف المصريين، ومن يدخل تلك الدوامة المسماة قانوناً بالحبس الاحتياطي، لا يمكن لأحد أن يعرف متى سيخرج منها.

ومن بين ضحايا الحبس الاحتياطي في مصر، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهو مرشح رئاسة سابق في انتخابات عام 2012 في مصر، حصل على 4 مليون صوت، وهو أيضاً وكيل مؤسسي حزب مصر القوية. قُبض على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح منذ عامين، وهو محبوس انفرادياً منذ ذلك الوقت. وقبل انتهاء مدة الحبس الاحتياطي المقرر قانوناً، تم وضعه على ذمة قضية جديدة وحبسه على ذمتها مدة 15 يوماً، تبدأ عقب إخلاء سبيله في القضية الأولى. لم يقنع وضعه الصحي الصعب أو كبر سنه السلطة في مصر، بتحسين ظروف حبسه الصعبة، أو حتى عدم التعسف في استخدام السلطة ضده، فأصبح محبوساً على ذمة قضيتين احتياطياً.

ومن بين قصص ضحايا الحبس الاحتياطي في مصر، قصة مؤلمة للغاية، هي قصة المحامي إبراهيم متولي، كان متولي يناضل لنحو أربع سنوات قبل القبض عليه في أيلول/ سبتمبر 2017، لمعرفة مصير نجله "عمر" المختفي قسرياً منذ أحداث "الحرس الجمهوري" في عام 2013.

وقام متولي بتأسيس رابطة "أسر المختفين قسرياً في مصر"، لمكافحة تلك الظاهرة التي تفشت بعد عام 2013، فقُبض عليه من مطار القاهرة وهو في طريقه إلى سويسرا، لحضور إحدى جلسات الأمم المتحدة، للحديث عن ابنه وعن المخفيين قسرياً في مصر.

واختفى متولي قسرياً ثلاثة أيام تعرض فيها للتعذيب طبقاً لأقواله في محضر التحريات. في تشرين أول/ أكتوبر عام 2019 أصدرت نيابة أمن الدولة قراراً بإخلاء سبيله بعد قضائه مدة الحبس الاحتياطي المقررة قانوناً وهي عامان، لكن القرار لم ينفذ.

وأثناء إجراءات إخلاء سبيله، تم عرضه مرة أخرى على نيابة أمن الدولة التي قررت حبسه احتياطياً، ومازال قيد الحبس الاحتياطي. ولا نعلم حتى اللحظة لماذا أصدرت نيابة أمن الدولة قرار إخلاء سبيل المحامي ابراهيم متولي، طالما ستقوم بحبسه مرة أخرى على ذمة قضية، تتشابه فيها التهم الواهية التي لا تستند إلى أي أسس أو أي دلائل، غير تحريات الأمن الوطني التي تقول محكمة النقض إنها لا يمكن أن تعتبر دليلاً كافياً للإدانة.

ولكن لا حياة لمن تنادي: الجهات المسؤولة عن تنفيذ القانون في مصر هي نفسها التي تعبث بالقانون وبحريات المواطنين، وتهدر المبدأ المقرر دستورياً، بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وفي حكم لمحكمة القضاء الإداري قالت إن "الحبس الاحتياطي هو أبغض الإجراءات القانونية"، إلا أن النظام المصري يستغل الحبس الاحتياطي للتنكيل بكل المعارضين من مختلف التيارات، وحول الحبس الاحتياطي لعقوبة، وأصبحت مصر سجناً كبيراً يكسوه اللون الأبيض، لون بدلة الحبس الاحتياطي

توجد آلاف القصص للمحبوسين احتياطياً في مصر، ولكن في القصتين السابقتين تجد المعنى الحرفي لـ "فجر في الخصومة": حبس احتياطي مطول لمعارض سياسي، أب يناضل لكشف مصير ابنه المختفي قسرياً، التعسف في استخدام السلطة سواء بظروف الحبس الصعبة، باستخدام الحبس الاحتياطي المطول، أو بتوجيه قضايا جديدة بعد صدور قرار بإخلاء السبيل، وهو ما يحدث مؤخراً مع الكثير من النشطاء. على سبيل المثال وليس الحصر، محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية، والمدون الساخر شادي أبو زيد، أنس البلتاجي، علا القرضاوي وغيرهم الكثير.

في حقيقة الأمر، أصبحت السلطة في مصر تستخدم الحبس الاحتياطي كما كان نظام المخلوع حسني مبارك يستخدم أوامر الاعتقال، حيث كانت وزارة الداخلية تصدر أوامر الاعتقال، وكان المواطنون يلجؤون للقضاء للطعن في تلك القرارات.

ولكن الآن، في ظل قانون الحبس الاحتياطي الظالم، وتدخل السلطة التنفيذية في أعمال وقرارات السلطة القضائية، أصبح المواطنون معتقلين بأمر من القضاء والنيابة العامة، فتحولت الدولة المصرية لسجن كبير، وأصبح الحبس الاحتياطي في مصر عبارة عن "حبس بلا نهاية"، لذلك لا تقل: "محبوسون احتياطياً"، بل قلْ: معتقلون.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard