شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"أحب والدتي المثلية وأخاف عليها من الناس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 23 فبراير 202004:17 م

رجع عادل دريك في إحدى ليالي الصيف متأخراً إلى المنزل، بعد قضائه وقتاً مع أصدقائه في المقهى، أفراد الأسرة سافروا، وأخوه وصديقه وحدهما في المنزل، فوجئ بهما في وضع حميمي، يجلسان وكأنهما يتبادلان القبل، وصدراهما عاريان.

يقول عادل دريك (39 عاماً)  من الدار البيضاء لرصيف22: "المشهد كان في منتهى الغرابة بالنسبة لي، أحسست بأن هناك خطباً ما، وكان من الصعب التحدث مع أخي عن الموضوع، حتى مع نفسي، لم أستطع الاعتراف بميول أخي الجنسية المثلية".

"ماذا لو عرف أبونا ميولك الجنسية؟"

بعد تلك الليلة، لاحظ دريك أقراص تسجيل لمثليين، صوراً لأخيه مع صديقه وصوراً لشباب عراة، ووجده مرة يتصفح مواقع المثليين.

يقول دريك: "في كل يوم بدأ يكبر في داخلي خوف من أن يُكتشف أمره، وكثير من الأسئلة كانت تراودني حول ماذا لو علم أبي وأمي بميول ابنهما الأكبر؟ وإن كنت قد قررت مع نفسي ألا أفاتحه في الموضوع، وألا أحرجه، واعتبرت بأن ميوله الجنسية هي مسألة شخصية، ولكن كيف ستكون نظرة المجتمع له، خاصة ونحن في مجتمع يهين المثليين ويحتقرهم ويعتبرهم مرضى نفسيين؟".

لطالما كان الإعلان عن المثلية الجنسية من أصعب التجارب التي يعيشها المثليون في المغرب، والمحيطون بهم من آباء وأمهات وأصدقاء وإخوة، ولطالما كانت سلامتهم وأمنهم في خطر، وأن أكثر ما يخشاه المثلي في المغرب، وهو الرفض المجتمعي، وتدخل الشرطة والمهانة من الجميع.

"كيف يمكن لأستاذة مثلي أن تواجه هذا المجتمع، وكيف تتحمّل عقابه لمجرد أنها أم لشاب له ميول جنسية مثلية؟"

في عام 2004، ألقت الشرطة المغربية القبض على 43 شخصاً في مدينة تطوان شمالاً، بتهمة "المشاركة في نشاط مثليّ"، وفي عام 2007، غرمت محكمة القصر الكبير بالشمال أيضاً، ستة رجال لانتهاكهم المادة 489، التي تنص على أن "كل مجامعة على خلاف الطبيعة" تعتبر جريمة، وتتراوح عقوبتها بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 1200 درهم، أي 100 دولار.

وفي عام 2014، حكمت المحكمة على 6 أشخاص بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، بعد شكوى تقدم بها والد أحدهم، الذي اتهم الرجال الخمسة الآخرين بتحريض ابنه على "ممارسة الشذوذ"، وفي عام 2016، تم تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثق الاعتداء على رجلين عاريين في شقتهما الخاصة، وتم سجنهما لكونهما مثليين.

أما في عام 2017، فقد ألقي القبض على فتاتين لتبادلهما القبل، بعد أن اتصلت عائلتاهما بالشرطة، وفي ليلة رأس سنة 2019، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة اعتقال قوات الأمن المغربية بمدينة مراكش، لشخص بملابس وباروكة نسائية، وسط مهاجمة الحاضرين باللعنات والسباب.

كل هذه الأحداث جعلت من المثليين في المغرب، يعيشون حالة من الخوف من ألا يتم تقبلهم من المجتمع، أو من قبل الأهل والأقارب، خاصة الآباء والأمهات.

"كدت أخسر علاقتي بابني"

"تجمدّت في مكاني من هول الصدمة، انهارت أعصابي، انفجرت غضباً في وجهه، صفعته، تفوهت بأشياء لم تخرج من لساني من قبل، كان الأمر مرعباً وصعباً، عندما صارحني ابني ذو الثالثة والعشرين بأن له عشيقاً شاباً".

في البداية تقول سليمة (اسم مستعار)، في عقدها الخامس، أستاذة لغة فرنسية، من الدار البيضاء، لرصيف22: "لم أتقبل الأمر، كدت أخسر علاقتي بابني، صرخت في وجهه: كيف يمكننا أن نخبر أبيك؟ كيف سيتصرف بعد سماعه هذا الخبر؟ ماذا عن العائلة والأصحاب والمعارف والجيران؟ ماذا عن هذا وذاك؟ ماذا؟".

"غادرت المنزل بالصراخ والغضب والخوف، السؤال الذي كان يراودني هو كيف يمكنني أن أحمي ابني من مجتمع مستبد تُعّد فيه المثلية جريمة لا تُغتفر، مجتمع لا يتساهل بإصدار الأحكام وإظهار القسوة التي تجعل الأمر أكثر صعوبة على الشباب المثليين وذويهم، كيف يمكن لأستاذة مثلي أن تواجه هذا المجتمع وكيف تتحمل عقابه لمجرد أنها أم لشاب له ميول جنسية مخالفة؟ كل ما كان يهمني هو سلامته وأمنه وشعرت أنهما في خطر، انتابني خوف شديد حيال المستقبل".

"بعد هدوئي فكرت ملياً، وأدركت جيداً أنه علي تقبل ابني كيفما كان، أن قيمة أبنائنا لا علاقة لها بميولهم الجنسية، وبأن كل ما يحتاجه ابني هو الحب وبأن أحضنه، وأقول له بأن كل شي سيكون على ما يرام"، تقول سليمة.

"الخطر ليس فقط على المثليين، بل حتى على عائلاتهم وذويهم، أنا لا أستطيع أن أتكلم عن مثلية أمي بأريحية، فأم المثلي تعتبر فاسقة لكونها لم تنجح في تربية ابنها، وابن المثلية لا يعتبر رجلاً في مجتمعنا"

يعتبر القانون الجنائي المغربي المثلية الجنسية "شذوذاً"، ويصفها بالجرم ومخالفة للدين والشريعة.

من جهة أخرى، تتعالى أصوات عديدة طالبة بتعديل الفصل المعاقب على المثلية، ورفع العقوبة المقررة في حق كل من يضبط في وضعيته، وكانت قد وجهت قبل شهور جمعية "أقليات" لمناهضة التمييز والتجريم تجاه الأقليات الجنسية، دعوة إلى البرلمان المغربي من أجل تشريع قانون يجرّم الكراهية والعنف تجاه المثليين، معتبرة أن "القانون الجنائي يغذي يومياً حجم الكراهية والعنف الموجه لمجتمعنا المختلف جندرياً وجنسياً"، وطالبت بـ"ضرورة إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي، وإطلاق سراح كل المعتقلين المتهمين على خلفيته".

"أم المثلي يرونها فاسقة"

"معاقبة المجتمع" هو ما يخشاه محمد أحمد، (اسم مستعار) 24 عاماً، على والدته بعد أن عرف ميولها المثلية، يقول لرصيف22: "ميول أمي الجنسية لا تهمني، فحبي لأمي ليس مشروطاً، فالشيء الوحيد الذي أخافه هو معاقبة المجتمع لها إن كشف أمرها، مجتمعنا لا يرحم، لم يكن رحيماً عليها بعد طلاقها من أبي، فكيف سيكون رحيماً إذا اكتشفت ميولها الجنسية، فالمثلية الجنسية في البلد تعتبر جرماً لا يغتفر".

ويشير أحمد إلى أن الأذى لا يلحق المثليين فقط في المغرب، ولكن عائلاتهم أيضاً، يقول: "الخطر ليس فقط على المثليين، بل حتى على عائلاتهم وذويهم، مثلاً أنا لا أستطيع أن أتكلم عن مثلية أمي بأريحية، فأم المثلي تعتبر فاسقة لكونها لم تنجح في تربية ابنها، وابن المثلية لا يعتبر رجل، بمعنى لا يملك كرامة ولا صفات الرجولة، لأنه قبل بمثلية أمه وتقبلها".

ويتساءل أحمد: "من سيتقبَّلني، أو يتفهَّمني كوني أحترم الحياة الخاصَّة لأمي، وكوني أعرف كل تحركاتها مع صديقاتها، حتى أنني أكون شاهداً على جلساتهن، وفي الكثير من الأحيان على دخولهن إلى غرفة النوم، وأسمع أصواتهن من الغرفة الأخرى".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard