شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"خال من أي ذوق ومهين للمرأة"... أصوات أردنية تناهض إعلاناً لشركة سيارات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 15 فبراير 202002:18 م

هل أصبحت المرأة العربية عبئاً على الرجل، وهل أصبحت في مجتمعنا مادة دسمة للسخرية؟ هل تسمح الأخلاق بالنكت التي تظلم الناس، كالنكت عن أهل الطفيلة في الأردن، والتي ظلمت أهل الطفيلة؟ هذه الأسئلة التي خطرت في بالي ما إن رأيت الإعلان الذي يحمل المقولة "غيّرها".

إن إعلان "غيّرها"، الذي يخص إحدى وكالات السيارات والذي انتشر في شوارع العاصمة الأردنية، عمّان، يرتكز على فكرة أهانت وظلمت وقللت من قيمة المرأة، هذه الخلاصة لا يختلف عليها اثنان، عند رؤية الإعلان الذي جاء فيه:

"عينك ع غيرها؟ غيّرها...

حاسس في أحلى منها؟ غيّرها...

مصروفها كبير؟ غيّرها…"

أسئلة دمجها "مبتكر" هذا الإعلان، والذي يبدو أنه أخذ الـ "أوك" من مسؤوله مع وردة حمراء، ليضرب عصفورين بحجر واحد، بحيث يتزامن الإعلان مع موسم عيد الحب، ويتناغم أيضاً مع عقلية راسخة في مجتمعنا، وليس في عقول رجال فقط بل أيضاً في عقول نساء أيضاً، ألا وهي النظرة الدونية للمرأة، وهو ما سيظهر خلال باقي التقرير.

"مصروفها كبير؟ غيّرها…"، نموذج للأسئلة التي دمجها "مبتكر" الإعلان، والذي يبدو أنه أخذ الـ "أوك" من مسؤوله مع وردة حمراء، ليضرب عصفورين بحجر واحد، بحيث يتزامن الإعلان مع موسم عيد الحب، ويتناغم أيضاً مع عقلية راسخة في مجتمعنا، ألا وهي النظرة الدونية للمرأة

لا شك أن إعلان "غيرها"، بصرف النظر عن نجاح صاحبه في لفت الانتباه إلى وكالة السيارات أم لا، إلا أنه لقى حالة من السخط الأردني فور انتشار الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، واللافت والغريب هذه المرة، أن من بين الذين عبروا عن استيائهم من هذا الإعلان، أشخاص لا يميلون كثيراً إلى الحركة النسوية، واللافت أيضاً انتقاد نساء لحملة الانتقادات لهذا الإعلان، الذي وبعد البيان الذي صدر عن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، سحبته الشركة المسؤولة عنه استجابة لطلب اللجنة.

حيث دعت اللجنة في بيانها: "ضرورة التزام المعنيين بمدونة سلوك في الإعلانات، لضمان حماية كرامة المرأة وعدم تنميط صورتها او امتهانها بأي شكل من الأشكال".

نظرة دونية تجاه المرأة 

"إعلان تفوح منه روائح التمييز الجنسي السيئ بحق المرأة"، هكذا وصف مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي، داود كتّاب، إعلان "غيّرها"، ويتابع في تصريح له لرصيف22، أنه اعتبر الإعلان يلمح للمشاهد باستخدامه عبارات تشي أن مصروف المرأة كبير، كما وأن جملة "في أحلى منها... غيّرها"، تعبّر عن نظرة المجتمع الدونية تجاه المرأة، ويعكس أن هذا المجتمع يعشق تعدد الزوجات، ويرحب بسيطرة الرجل على المرأة كما على السيارة أيضاً، خصوصاً وأن الخطاب في الإعلان موجه للرجل فقط.

ويضيف كتّاب: "في استفتاء غير علمي لعدد من السيدات والرجال، كان واضحاً أن النساء اعتبرن الاعلان مهيناً ومستخدماً للمرأة، في حين اعتبر عدد من الرجال أن الإعلان عادي، وقال أحدهم، لو لم يكن هناك وردة حمراء كان يمكن ألا يفهم أنه متعلق بالمرأة".

ولكن لو قلبنا الفكرة، كما اقترح كتّاب، وقلنا "قوي أكثر من اللزوم.. غيريه"، أو "غير متعاون.. غيريه" أو "كسول.. غيريه" أو "صعب في الطلعة.. غيريه"، لانتفض الرجال واحتجوا على شركة الإعلان وعلى شركة السيارات التي تروّج لهذا الإعلان.

فيما وضّحت الناشطة والأكاديمية، الدكتورة هديل المعايطة أسبال، إشكالية الإعلان، متسائلة: "شو الغلط في هاي الحملة؟"، وذلك من خلال تسجيل صوته نشرته، قائلة: "أسلوب التلميح الواضح في الإعلان، وتناول المرأة الضمني كموضوع للفكاهة، كل ذلك بالطبع من وحي ثقافة مجتمعنا بالتعامل والنظرة للمرأة، ومن الواضح أن صاحب فكرة الإعلان وحتى المسؤول الذي سمح بنشره، اعتبر أن هذه الطريقة ذكية لجذب المستهلك".

وتابعت: "برأيي، هذا الإعلان خال من أي ذوق ومهين بطريقة مباشرة للمرأة، ولا شك أن شركات الإعلانات بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب بحيث تلتزم بالمعايير الأخلاقية".

وفي حديث لرصيف22، قالت المصممة الغرافيكية مرح عرفات، بعد تعبيرها عن استيائها من الإعلان: "الفن بجميع أنواعه وخصوصاً التصميم الغرافيكي، سلاح ذو حدين، فإما يهدم النفوس أو يعمرها، الفن موهبة وبالتالي هي ميزة، لكن للأسف بعض المصممين، وفي عصر السوشال ميديا، أصبحوا يستخدمون التنمر كوسيلة لأعمالهم".

وأكدت أن الفكرة في أي تصميم ليس ما إذا كان جميلاً أم لا... بل هل ينجح في إيصال الرسالة أم لا؟ وهنا تكمن الخطورة بأن ينجح المصمم الذي يستخدم أسلوب التنمر في إيصال الرسالة، مثل ما حدث مع إعلان "غيّرها"، حيث بلا شك نجح في إيصال رسالة تشي بأن هناك صورة نمطية ظالمة ومهينة في مجتمعنا تجاه المرأة.

وتختم المصممة مرح بقولها: "الفن ليس سلاحاً فقط بل حرب بحد ذاته، ولنا في فن المقاومة مثال!".

وبالعودة إلى انتقادات التي وُجهت إلى حملة "غيرها"، علّقت الكاتبة والحقوقية أمل الحارثي، في حديثها لرصيف22، قائلة: قرأت تغريدة إحدى السيدات اللواتي يستغربن من حملتنا المناهضة للإعلان، فبعثت الإعلان لرجال أعرفهم على تويتر، وكلهم بلا استثناء وجدوا في الإعلان تلميحات ضد المرأة".

‏واعتبرت الحارثي أن بعض النساء المستغربات لا يدركن أبعاد مثل هذه الإعلانات، وأضافت أن الإعلان لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن المحيط، واهتمامنا بالأمر وحملتنا لمواجهته ليست سخافة كما تكلمت بعض المغرّدات، هذه تلميحات مقززة تهين المرأة وتضعها في قالب الملكية الشخصية للرجل، فهو يغيّرها إذا وجد أحلى منها، أي إذا انتهت مدة صلاحيتها.

"لا يمكن أن يؤخض الإعلان بمعزل عن المحيط، واهتمامنا بالأمر وحملتنا لمواجهته ليست سخافة كما تكلم البعض، هذه تلميحات مقززة تهين المرأة وتضعها في قالب الملكية الشخصية للرجل، فهو يغيّرها إذا وجد أحلى منها، أي إذا انتهت مدة صلاحيتها"... أصوات أردنية مناهضة لإعلان "غيّرها"

"شو صار بالسيدات اللي تعرضوا لعنف وصل للموت؟"

من الأصوات المختلفة، جاءت تغريدات الصحافية مشيرة الزيود، على حسابها على تويتر، قائلة: "إذا فعلاً قضايا المرأة مهمة، شو صار مع السيدة اللي زوجها اقتلع عيونها قبل كم شهر؟ شو صار بالسيدات اللي تعرضوا لعنف وصل للموت… مثل قضية الصبية اللي وقعت من الطابق الثالث بالزرقاء؟ قضايا التمكين، الغارمات، العمل... قضايا المرأة الأردنية أعمق وأدق من قضية مفتعلة على لوحة إعلانية".


فيما كتبت ضحى غنيم، عبر صفحتها في تويتر: "إحساسك بالأذى أو بالإهانة من لوحة إعلانية لسيارة هو بس دليل إنه أنت ضعيفة وفي عندك شعور إنك تنتمي لأقلّية وشعور بالنقص ينهشك من الداخل، لا يمكن لأحد مساعدتك فيه والجهود اللي انبذلت مشان توقفوا الإعلان كان الأولى تنبذل حتى تساعدوا نساء مقهورات فعلاً وبعيشوا معاناة".


وفقاً لكثيرين، فإن إعلان "غيّرها" قد أعاد للأردنيين ذكرى إعلان سابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي، والذي اكتسح شوارع المملكة عندما حفز تقاعد المرأة بـ: "خذها مضمونة"، كذلك لإعلان ما زال حاضراً لبعض شركات تجهيز الأعراس، والذي كان مفاده: "العروس عليك والباقي علينا".

نعم يجب الاعتراف بأن إعلان "غيّرها" نجح في لفت العيون إلى السيارة التي هي هدف الإعلان الخفي، ويجب القول أيضاً إن هذا التقرير سيلقى نصيباً لا بأس منه من الانتقاد، لأنه أشار إلى موضوع مس كرامة المرأة، باعتبار أنه من الممكن أن يكون "مبالغاً" بالحديث عنه، لما قد يشتت الانتباه عن قضايا أردنية محلية أهم، أو قد يعرقل حركة إلغاء صفقة القرن!

لكن من الجدير ذكره، أن صاحب الإعلان قد "غيّر" عبارة "غيّرها"، لكن ربما الطريق ما زال طويلاً لتغيير عقليات ذكورية تعيش بيننا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard