شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
وطن في حقيبة... الحياة المتجددة في بلد اللجوء

وطن في حقيبة... الحياة المتجددة في بلد اللجوء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 1 فبراير 202001:53 م

فيما يكوّن الجمهور الغربي فكرته عن اللاجئين السوريين، العراقيين، الإيرانيين والأفغان من منظور سلبي، توجهها الميديا الغربية والمصالح السياسية، يستخدم الفن أفكاراً مبتكرة واستثنائية في إيصال القصص المهمشة لضحايا الحرب من زاوية أكثر إنسانية، بالصوت والصورة. وهذا ما نجده في أعمال الفنان والمهندس المعماري السوري محمد حافظ، الذي تعاون مع الكاتب والشاعر العراقي أحمد بدر، في تقديم معرض فني يسلط الضوء على التجارب الإنسانية المؤثرة، لعائلات من بلدان مختلفة اضطرت للنزوح من أوطانها تحت وطأة الحروب.

ماذا يقدم مشروع حقائب اللاجئين؟

يحاول محمد حافظ محاكاة قصص اللاجئين عبر تجسيد منازلهم التي دمرتها الحرب، باستخدام عشر حقائب سفر بمحتويات ثلاثية الأبعاد، تروي كل واحدة منها قصة لاجئ غادر وطنه. تتضمن هذه الحقائب تفاصيل دقيقة عن المنازل المهدمة والأسقف المنهارة تحت القصف، موصولة بسماعة تمكن المشاهد من سماع قصة العائلة المهجرة قبيل ساعات من مغادرتها. وهذا السرد ذاتي تماماً، مبني على مقابلات مع اللاجئين أنفسهم، قد تصل مدتها لسبع ساعات، أجراها وكتب عنها أحمد بدر، فيما رسم صورها وجسّدها محمد حافظ.

هؤلاء اللاجئون، على تنوع خلفياتهم الاجتماعية المتنوعة واختلاف دياناتهم، إلا أنهم جميعاً احتكوا بمخاطر الحرب عن قرب، تركوا ذكرياتهم وحياتهم خلفهم بحثاً عن حياة آمنة، عاشوا أزمة اللجوء واختبروا النظرة النمطية للاجئين. وفي الربط بين الصوت والصورة، تدعو هذه الأعمال الفنية المشاهد إلى مغادرة الأطر التقليدية لحياة اللجوء، وإعادة النظر في التصنيفات المعلّبة التي يتم إلصاقها بمجتمعات لم يألفها خارج نشرات الأخبار.

يذكر حافظ في مقابلة له، أن ستين ثانية اقتطعت من المقابلات الحقيقية مع هؤلاء اللاجئين، لتخبر قصصهم برفقة مجسمات جدارية عن منازلهم، موضوعة في حقائب سفر ليست مخصصة للبيع، بل "لتسمح لهم بالتغلب على فوبيا الغرباء والمفاهيم الخاطئة عنهم".

حقائب الأمس تروي قصص اليوم

ماذا يفكر المواطن الغربي حين يتخيل لاجئاً سورياً، عراقياً أو أفغانياً؟ كيف يتخيل تفاصيل الحرب في هذه المناطق من العالم؟ هل يرى الدمار والخطر المحدق في أبسط تفاصيل الحياة، أم يكتفي بأن يسمع عن خطر هؤلاء اللاجئين على المجتمعات الغربية في القنوات الإخبارية؟

يطرح حافظ هذا الأسئلة، معتقداً بأن الفن الذي يقدمه هو خطوة لرأب الفجوة بين التصور والواقع، عبر بناء جسر بين الظروف التي عاشها هؤلاء اللاجئون ودفعتهم للفرار مرغمين، وبين ما يتخيله المشاهد الغربي عن قصصهم.



وهذا برأيه ما دفع الناس من كل أنحاء العالم ليشاركوا في مشروعه الفني: "مهاجرون يهود، أيرلنديون، أفارقة ولاتينيون تبرعوا بحقائب سفر تعود لآبائهم وأجدادهم الذين هُجِّروا في الماضي، ليساهموا في الإضاءة على قصص هؤلاء المهجرين اليوم. لقد أدركوا أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن قرروا أن لا يسمحوا له بتكرار أخطائه".

يذكر حافظ أن المنحوتات التي يقدمها تعرض اللقطة الأخيرة في حياة أسر اللاجئين قبيل سقوط قذيفة، ولكنها "لا تلخص وجودهم بأكمله"، فحياتهم استمرت بعدها ليقوموا بدورهم كمواطنين في المجتمعات التي استضافتهم.

ماذا يفكر المواطن الغربي حين يتخيل لاجئاً سورياً، عراقياً أو أفغانياً؟ كيف يتخيل تفاصيل الحرب في هذه المناطق من العالم؟ ماذا لو فكرت في الفن والإبداع عند رؤية لاجئ عراقي بدلاً من مشاهد الدمار والحرب؟

أبطال في الحقيبة

ماذا لو عرفت أن الصورة النمطية للاجئة أفغانية محجبة تحمل بين طياتها قصة بطولية لامرأة ثائرة؟ ماذا لو فكرت في الفن والإبداع عند رؤية لاجئ عراقي بدلاً من مشاهد الدمار والحرب؟ ماذا لو كان مشهد المائدة المهجورة في منزل مهدم في دمشق لا يلخص حياة العائلة السورية التي كانت تقطنه قبل تفجيره بساعات؟

يشرح حافظ أن الهدف من مشروعه لا يقتصر على تقديم قصص اللاجئين من وجهة نظر إنسانية وحسب، بل يسعى إلى خلق استمرارية لحياة تلك العائلات التي أعاد أفرادها بناء أنفسهم من الأنقاض في بلاد اللجوء.

فمثلاً تروي إحدى الحقائب لحظات مؤلمة من حياة فاريشتي، امرأة أفغانية استقبلت 300 من النساء الأفغانيات اللواتي حرمن من حقهن في التعليم، بسبب عدم حصولهن على ثبوتيات شخصية، في مدرسة سرية أسستها في قبو أحد المباني، وهي اليوم تعلّم في إحدى المدارس الأمريكية المحلية وتدرس في كلية التمريض. أما ماهر الذي فرّ من الحرب العراقية، فهو الآن مصور مقيم في نيويورك ويعمل لدى غوغل. وكذلك غنى اللاجئة السورية، أصبحت عالمة حاصلة على منحة ممولة بالكامل من الأكاديمية الخاصة في الولايات المتحدة، وهي ابنة طاه موهوب افتتح مؤخراً مطعمه الخاص.

"ما أريد قوله هو أننا جميعاً نمر بلحظات قاسية، لكنها لا تعبر عن حقيقتنا الكاملة، فحقيقتنا هي ما نحن عليه اليوم"، على حد تعبير حافظ.

مشروع المعماري السوري محمد حافظ في مشروع "حقائب اللاجئين" لا يقتصر على تقديم قصص اللاجئين من وجهة نظر إنسانية وحسب، بل يسعى إلى خلق استمرارية لحياة تلك العائلات التي أعاد أفرادها بناء أنفسهم من الأنقاض في بلاد اللجوء

مبادرات أخرى

وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة حافظ بالصوت والصور ثلاثية الأبعاد، لم تكن الوحيدة التي عرضت صراع اللاجئين تحت وطأة الحرب وفي مجتمعات اللجوء على شكل عمل فني، فقد قدم الفنان التشكيلي السوري الأرمني كيفورك مراد، بالتعاون مع المؤلف الموسيقي السوري كنان العظمة، المقيمان في نيويورك، عرضاً سمعياً بصرياً جال في أمريكا الشمالية ومعظم أنحاء أوروبا. 


وهدف هذا العرض لتقديم رسالة إنسانية للعالم عن الحراك السوري السلمي، والمأساة التي تبعته من حرب ودمار ولجوء، عبر لوحات ثلاثية الأبعاد، رسمها مراد ورافق عرضها أداء العظمة على آلة الكلارينت، وهذا ما شكل نقطة الانطلاق لتعاون الفنانين في مشروع فيلم الرسوم المتحركة القصير بعنوان "أربعة فصول من أجل سوريا"، الذي مزج بين رسومات مراد وموسيقا العظمة.



صورة المقال، لوحة للفنان كيفورك مراد، نرفق هنا موقعه الرسمي (رابط). 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard