شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عندما غيّر كلبي

عندما غيّر كلبي "النجس" حياتي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 16 يناير 202003:00 م

"الإنسان حيوان عاقل"، أو على الأقل هذا ما أخبرونا إياه وما قرأناه في مراجع عديدة.

"الكلب حيوان نجس"، أو على الأقل هذا ما قرأناه في كتب تراث قديمة وما أخبرنا به أهلنا.

عندما كنت ما أزال أعيش لبنان، كان لدي خوف من الحيوانات وخاصة الكلاب. أينما ذهبت أسمع روايات مختلفة حول نجاسة الكلب والأمراض التي قد يسببها للإنسان، لأن لعابه مقرف ونفسه مليء بالجراثيم.

وجد علماء أن علاقة الصداقة بين الكلب والإنسان تساعد على تخفيف القلق والتوتر لدى الفرد، وتقلل مستويات الضغط والكآبة.

كبرت على كره الكلاب، لم أقترب من كلب في حياتي إلى أن وصلت إلى أمريكا، فوجدت للكلب هالة مقدّسة. فمنهم من يعشق كلبه حدّ التأليه، ومنهم من يعتبره فرداً من العائلة، لا بل يفضّله على باقي الأبناء.

استفزني هذا الموضوع، خاصة أني جئت من مكان تستخدم فيه كلمة "كلب" للشتيمة والتحقير.

بدأت أراقب الناس في مكاني الجديد، وأدركت أن هناك أشياء لا أفهمها، وبالتالي قررت أن أتبنى كلباً صغيراً كي أختبر هذا الإحساس الغريب الذي يشعر به معظم من حولي، حسب تعبيراتهم.

استطعت أن أتخطى خوفي وقرفي لمدة دقيقة، كي أحمل بين يديّ الكلب الأسود الصغير الذي أحضره زوجي.

ولكن ما إن حضنته بين ذراعي، حتى اغرورقت عيناي بالدموع، واجتاحتني مشاعر من الحنان من الصعب وصفها... كالحبّ اللا متناهي.

أردت أن أتعرّف أكثر على هذا المخلوق الذي قلب كياني وغيّر مفاهيمي بين ليلة وضحاها، فبدأت أبحث وأقرأ، ووجدت العديد من الدراسات التي تتطرق إلى أن تربية الحيوانات في المنزل، ومنها الكلاب، تُساعد على تخطّي العديد من الأزمات النفسية، إذ عندما تتلاقى نظرات الإنسان مع نظرات الكلب تحدث تغيرات في كيمياء الدماغ لكل منهما، وتزيد نسبة هرمون الأوكسيتوسين، سواء عند البشر أو الحيوان. ويساعد هذا الهرمون على زيادة الشعور بالثقة والانتماء، كما وله تأثير مهدئ ومزيل للقلق.

وهذا بالفعل ما شعرته مع "نيو" كلبي الأسود.

غيّر هذا المخلوق حياتي، جعلني أشكك بكل المفاهيم المغلوطة التي تعلّمتها من أهلي ومجتمعي. اكتشفت أنني لست بحاجة لأن تدخل الملائكة بيتي، لا بل بإمكانها أن تلعنه ألف مرة، فكلبي هو ملاكي الحارس.

كبرت على كره الكلاب، لم أقترب من كلب في حياتي إلى أن وصلت إلى أمريكا، فوجدت للكلب هالة مقدّسة. فمنهم من يعشق كلبه حدّ التأليه، ومنهم من يعتبره فرداً من العائلة، لا بل يفضّله على باقي الأبناء

غيّر هذا المخلوق حياتي، جعلني أشكك بكل المفاهيم المغلوطة التي تعلّمتها من أهلي ومجتمعي عن الكلاب. اكتشفت أنني لست بحاجة لأن تدخل الملائكة بيتي، لا بل بإمكانها أن تلعنه ألف مرة، فكلبي هو ملاكي الحارس

في وقت انشغل فيه البعض بلعن الكلاب والحمير والخنازير، واستخدموهم كوصف مهين للبشر، اهتم البعض الآخر بتربية هذه الحيوانات، لا بل درس بعض العلماء علاقة الإنسان بها واستخدموها في علاج الصحة العقلية.

ففي أوروبا وأمريكا، ومؤخراً في بعض البلاد العربية، ينتشر علاج الصحة النفسية مع الكلاب، حيث وجد علماء أن علاقة الصداقة بين الكلب والإنسان تساعد على تخفيف القلق والتوتر لدى الفرد، وتقلل مستويات الضغط والكآبة.

كما استخدموا الكلاب لتهدئة الأفراد الناجين من الصدمات والحروب، لأن الكلاب لديها قدرة على تكوين صور ذهنية مجردة واستشعار أحاسيس الإنسان، كما يشعر الكلب بالسعادة والحزن والخوف والغضب.

يذكر مارك توين، الكاتب الأمريكي المعروف، في إحدى كتاباته: "وضعت كلباً مُدرّباً مع هرّة في قفص واحد، سرعان ما أصبحا صديقين... ثم أضفت ثعلباً وانتظرت قليلاً، فوجدت أن كل الحيوانات في القفص تلعب مع بعضها وتتآلف بكل محبة.

في قفص آخر، وضعت رجلاً كاثوليكياً من إيرلندا مع مسلم من تركيا، ثم أضفت إليهما أورثوذوكسياً من اليونان وغادرت لمدّة يومين.

عندما عدت، وجدت أن القفص الذي فيه حيوانات مُدرّبة لا زال على حاله، تآلف ومحبة.. أما قفص البشر فيملؤه الضجيج والفوضى والصراخ، إذ بدأوا يتجادلون حول من معه حق ومن إلهه هو الإله الحق".

طبعاً هو لم يقم بتجربة علمية، بل ذكر هذه القصة على سبيل الموعظة، ليلقننا درساً عن الحيوانات الأليفة التي تتعايش معنا منذ آلاف السنين، كالكلاب والقطط، والأخرى "النجسة"، التي تتقاتل من آلاف السنين، كالبشر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard