شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رضا الديكي...

رضا الديكي... "غرّد خارج سرب الراكعين على عتبات صنّاع القرار ومات مُهمَلاً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 14 يناير 202002:13 م

انتظمت قبل أيام قليلة، أربعينية الفنان التونسي رضا الحاج خليفة المعروف برضا ديكي، نسبة إلى أغنيته "ديكي ديكي أنت صديقي" (هو ملحنها ومؤديها) والذي غيبه الموت بعد صراع مع المرض وإهمال السلطة في تونس، شأنه في ذلك شأن الكثير من المبدعين في البلاد.

واحتضن المركز الثقافي "الطاهر الحداد" في العاصمة، فعاليات الأربعينية التي تضمنت بعض الفقرات، بينها معرض للرسوم الكاريكاتورية للفنان رضا الحاج التي كانت محملة بهواجسه ورؤيته للواقع على مدار عقود.

وقد كانت الأربعينية فرصة، ولو متأخرة، لتسليط الضوء على مسيرة الفنان الذي اختار أن يغرد خارج سرب الجالسين على عتبات أصحاب القرار في البلاد، ليرحل بصمت، دون أن ينال ولو القليل من الاعتراف من سلطة الإشراف في تونس، التي باتت تتقن دور تجاهل المبدعين في محنهم الاجتماعية والصحية خاصة.

انطلقت مسيرة رضا بن الحاج خليفة، أو كما يسمى "الفنان الساخر"، في أواخر السبعينيات، وطيلة الرحلة حافظ على طابعه التهكمي الغنائي وجديته اللحنية.

وأدلى رفاق رضا ديكي بالكثير من الشهادات التي أثنت على مسيرته التي سلكها بثبات وبالكثير من الزهد الذي وصل حد الترفع عن المطالبة بأبسط حقوقه، رغم المصاعب التي واجهها. ولكن شهادة شقيقه جمال الحاج خليفة كان لها وقع آخر، بعد أن كشفت النقاب عن المعاناة التي واجهها الرجل في أيامه الأخيرة بسبب الإهمال وعدم تكفل الدولة بعلاجه.

يقول شقيق الفنان التونسي إن الفنان رضا، الذي واجه في السنوات الأخيرة الحاجة والوحدة، قد أنهت حياته حادثة اعتداء تعرّض لها في أحد أيام رمضان العام الماضي، بنهج بن خلدون بالعاصمة، بينما كان متجهاً لجلب إفطاره من أحد المطاعم من طرف كبش أقرن.


وقد أصيب بهذا الاعتداء بكسور في فخذه وأضرار بليغة تطلبت نقله إلى المستشفى، بعد أن بقي لمدة ساعة ملقى في الطريق دون أن يسعفه أحد. وحين حل بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس، بقي ثمانية أيام يتوجع من دون تدخل طبي لإجراء عملية جراحية، حتى جاء أخيه من فرنسا ليجده في وضعية مزرية، على حد وصفه، ما اضطره لنقله لمشفى آخر، وأطلق نداء عاجلاً لسلطة الإشراف، لتعلن وزارة الصحة متأخراً أنها ستتكفل بعلاجه، ولكنه رحل بالكثير من اليأس والشعور بالخذلان من بلد عاش في ذاكرة أجياله ولكنه لم ينصفه.

وانطلقت مسيرة رضا بن الحاج خليفة، أو كما يسمى "الفنان الساخر"، في أواخر السبعينيات، وطيلة الرحلة حافظ على طابعه التهكمي الغنائي وجديته اللحنية.


وبقي الفنان رضا الديكي على مدار مسيرته عصياً على التصنيف، فمن جهة يصنّفه بعض النقاد على أنه فنان شعبي، باعتبار أنه نجح في الوصول إلى كافة الشرائح في تونس، بأعمال فنية ذات طابع مغاير للسائد، ومن جهة أخرى يعتبره آخرون فناناً ملتزماً، لقرب مضامين أعماله من الأغاني الملتزمة ولتزامن شهرته مع فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أي الحقبة التي انتعشت فيها الأغنية الملتزمة، خاصة في الأوساط الطلابية والعمالية.

عاش الفنان الذي كانت أعماله مبعث فرح وأمل بعيداً عن الأضواء وصخب الإعلام، حتى أن صورته غير معروفة لدى الكثيرين من محبي أغانيه.

عاش الفنان الذي كانت أعماله مبعث فرح وأمل بعيداً عن الأضواء وصخب الإعلام، حتى أن صورته غير معروفة لدى الكثيرين من محبي أغانيه.

وربما تدارك هذا الأمر في السنوات الأخيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي استغلها رضا لاستعادة بعض من إشعاعه الذي فقده لسنوات طويلة بسبب التهميش، ومن خلال صفحة فيسبوكية وقناة على يوتيوب، أعاد الرجل الحياة لأغانيه التي قام بإحداث بعض اللمسات الجديدة عليها، دون أن يفقدها روحها القديمة، وأشرع المجال لرسومه الكاريكاتورية التي كانت ترجماناً لمحطات سياسية في تونس.

وساهمت هذه الخطوة في عودة الفنان الراحل للنشاط وأحيته مجدداً، خاصة لدى الأجيال التي تحفظ أغانيه وتجهل صورته، حتى أن مشاركته في الدورة الثالثة لأيام قرطاج الموسيقية بعرض في شارع الحبيب بورقيبة، قد شهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وعاد بعدة أجيال إلى زمن الطفولة التي كانت بطعم أغانيه.

وتقول الناقدة الفنية راضية العوني في حديث لرصيف22: "لقد كان رضا الديكي رفيق الطفولة لأجيال عديدة في تونس، واستطاع أن يعيش لعقود في المخيال والذاكرة الجماعية رغم تهميشه وعدم الاكتراث لوضعه الاجتماعي والصحي".

وانتقدت العوني السياسة المتبعة في البلاد في التعاطي مع الفنانين الذين يمضون سنوات طويلة في الإنتاج والعمل الدؤوب من أجل إثراء المشهد الثقافي، في حين تتنكر لهم الدولة عند أول سقوط أو أزمة صحية أو اجتماعية، بل وتتركهم في الغالب يواجهون مصيراً صعباً يجعلهم يرحلون وهم مثقلون بالخيبات، وربما الندم على سنوات قدموها للفن.



وفي رصيد الفنان الراحل عدة أغان أبرزها، فضلاً عن "ديكي ديكي"، أغنية "أنا عندي رونديفو" (عندي موعد)، الأغنية الأكثر استماعاً لدى الجمهور، والتي قاومت الرقابة والإقصاء ولازالت تعيش منذ عقود طويلة وتتجدد مع مختلف الأجيال، وقد قام الفنان بإضفاء تعديلات طفيفة عليها ليجعلها تتواءم مع المتغيرات السياسية.

"كالزربوط"، وفيها يتغنى رضا ديكي بيوميات شاب كسول يعيش نفس التفاصيل ونفس العادات الصباحية، ويسلك نفس الطريق يومياً ويلامس نفس الحيطان، أحداث تتواتر بشكل روتيني عبثي، حتى أن هناك من يصفها بأنها أغنية العبثيين الكسالى "كالزربوط اللي يدور بلاش خيوط".


كما في رصيده أغان أخرى عديدة تميزت دائماً بطابعها الساخر، وهي "الكورة" و"لالاني" وغيرها، والتي تميزت جميعها بالتلميح الذكي لقضايا سياسية واجتماعية في خطوة تحسب له، لأنها وردت في حقبة تعد فيها مثل هذه الأعمال مجازفة حقيقية.


تم الاعتداء عليه في رمضان الماضي، حيث أصيب بكسور في فخذه وأضرار بليغة تطلبت نقله إلى المستشفى، بعد أن بقي لمدة ساعة ملقى في الطريق دون أن يسعفه أحد، حسب حديث أخيه
من الحقائق الخفية في حياة الفنان التونسي والتي ترفع عن الحديث عنها، هي حادثة اعتقاله وتعذيبه من طرف رجال الأمن بأحد المراكز الأمنية، إبان حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي

من الحقائق الخفية في حياة الفنان التونسي والتي ترفع عن الحديث عنها، هي حادثة اعتقاله وتعذيبه من طرف رجال الأمن بأحد المراكز الأمنية، إبان حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

إذ تم ضربه وتعنيفه بسبب السكيتش الشهير المعروف "يامي حلي الباب" (أمي افتحي الباب)، الذي يتعلق بحوار يجري بين أم خرجت من البيت ونسيت المفتاح بداخله مع ابنها الصغير الذي لم يقدر أن يفتح لها الباب، لأن قفل الباب كان عالياً، ما اضطره لترصيص الكراسي حتى يصل إلى قفل الباب.

بسبب هذا السكيتش اعتقل رضا ديكي وتم تعنيفه والتحقيق معه واتهامه بأنه ينتقد النظام بطريقة ساخرة، وأنه يريد تمرير رسالة مفادها أن باب الحرية في تونس موصد وليس من السهل فتحه.

كان هذا معطى رواه شقيقه في أحد الحوارات الصحفية، وكشف عن وجه آخر لرضا الديكي الفنان الذي ترفّع دائماً عن لعب دور الضحية وركوب موجة المناضلين التي سلكها الكثيرون في تونس بعد الـ14 من يناير، عن غير وجه حق.

لقد رحل رضا ديكي في ظروف لا تليق أبداً بفنان كان جزءاً من تاريخ تونس الفني، رحل وهو ما زال مبدعاً وفياً لما قدم، فيما تنكرت له الدولة كما فعلتها مع غيره من الفنانين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard