شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"زوجي مهووس بإنجاب المزيد من الذكور"... معاناة زوجات وأمهات مصريات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 12 يناير 202001:05 م

"نحن أرحام تمشي على قدمين"، جملة جاءت على لسان إحدى بطلات مسلسل "the handmaids tale"، أو "حكاية خادمة"، قفزت إلى ذهني بعدما روت لي إحدى صديقاتي أنها على شفا الانفصال عن زوجها، بسبب رغبته في إنجاب المزيد من الأطفال، رغم أنهما رزقا بالفعل بطفلين، ولم أفهم الداعي للمزيد من الإنجاب، فوجدت صديقتي تقول إن زوجها لا ينفك عن ترديد جملته: "وما أهميتنا إذن في الحياة؟".

ثم اكتشفت أنه ليس زوج صديقتي فقط من لا يرى نفعاً من الحياة والإناث سوى الإنجاب، والمزيد من الإنجاب، ثم المزيد والمزيد، حتى وإن كان هذا يعني عدم القدرة على التربية، والعطاء، ورعاية الأطفال بشكل كامل، فهنالك من الأزواج من يستمرّ بالإلحاح، وأحياناً يتعدى على زوجته بالضرب والإهانة، والتهديد بالزواج من فتاة أخرى، وتصل الأمور إلى الطلاق.

"انفصلنا لهوسه بالإنجاب"

"حتى رحمي لم يعد ملكي"، هكذا تختزل منال أحمد (45 عاماً) أم لثلاث أطفال، مطلقة وربة منزل، تجربتها مع الضغط المتزايد من زوجها لإنجاب المزيد من الأطفال، والذي انتهى بالطلاق.

تروي منال لرصيف22: "تزوجت، ومرت أول سنة من الزواج بهدوء، خاصة أنني حملت بعد الزواج بشهور، ثم بعد الولادة وجدته يرغب في أن أنجب ثانية، رغم أنني كنت صحياً غير مستعدة، والطفل الوليد يحتاج رعاية وانتباه شديدين، فرفضت، فبدأت الخلافات، تارة يتهمني أنني كسولة ولا أرغب في تحمل المسؤولية، وتارة أخرى أنني لا أحبه، مع العلم أنه لم يساعدني أبداً في رعاية الطفل، وكانت المسؤولية ملقاة على عاتقي وحدي".

"تارة يتهمني أنني كسولة ولا أرغب في تحمل المسؤولية، وتارة أخرى أنني لا أحبه".

قررت منال أن تنجب طفلا آخر حتى يهدأ زوجها، وبالفعل عادت الأمور لطبيعتها، فحملت بفتاة، وفور معرفتنا بجنس الجنين، أي بداية من الشهر السادس، بدأ يحدثني عن الإنجاب للمرة الثالثة فور ولادتي، بحجة إنجاب أخ لطفلنا الأول، كنت أشعر بضغط وإرهاق كبيرين فوافقته، وفي قرارة نفسي كنت أحسبه يمزح معي، أو أنه سيراجع نفسه، ولكن بعد الولادة بدأ يتحدث بجدية عن الإنجاب الثالث".

تكمل منال روايتها: "حملت للمرة الثالثة بعد عام واحد من الحمل الثاني، بسبب الإلحاح والمشادات التي خلقت أجواء متوترة في المنزل، بعدها عرفنا أن الطفل الثالث أنثى كذلك، كنت قررت في قرارة نفسي أنني لن أحمل مرة رابعة مهما كلف الأمر ومهما كانت الضغوطات، وبالفعل بدأت المشادات للمرة الثالثة، وتطورت لإهانة وضرب، بعدما وجدني مصرة على عدم الإنجاب، ولم يجد المنطق ولا العقل سبيلهما معه، في النهاية وجدته يهددني بالزواج من ثانية، أدركت أن الأمر تحول لهوس بالإنجاب وكثرة الأطفال، ولما وجد مني إصراراً على موقفي، ذهب لخطبة فتاة بالفعل، فتطلقت منه".

تتحدث منال عن تأثير التجربة نفسيا عليها قائلة: "طوال تلك التجربة المريرة التي أثرت على حياتي كلها فيما بعد، كنت أشعر أنه لا يحق لي اتخاذ القرار في أهم الأمور، وكأن رحمي نفسه لم يعد ملكي، ولا يحق لي أن أرفض أو أقبل ما يتعلق به من قرارات".

ترجع المعالجة النفسية دعاء عبد الرحمن الرغبة في إنجاب عدد كبير، إلى أسباب عدة أبرزها غريزة البقاء، "والتي تكون متمثلة في الرغبة في توريث الجينات لأكبر عدد ممكن من الأولاد والأحفاد، وكلما ازداد العدد كلما كانت القدرة أكبر على الاستمرار، وطبعاً يصحب تلك الأفكار ميل لإنجاب الذكور، على اعتبار أنها ستحمل اسم الأب والعائلة".

أما منى مجدي (27 عاماً)، زوجة وأم لطفلة واحدة، محامية متدربة، فتروي لرصيف22 تجربتها، وصفتها بـ"الطويلة، والمريرة"، ولكنها لم تنته بالانفصال، كما حدث مع منال.

"المجتمع يربي المرأة كزوجة وأم"

تقول منى: "خضت مع زوجي تجربة طويلة مريرة كادت تهدد بإنهاء زواجنا، نحن متزوجان منذ 4 سنوات، وكنا متفقين على إنجاب طفل واحد نظراً لظروفنا المادية التي لا تسمح بأكثر، فرزقنا الله بطفلة بعد عام ونصف، بعدما أتمت العام الأول من عمرها، وجدته يطلب مني الإنجاب ثانية، فذكّرته باتفاقنا، وجدته يقول لي كنت أحسب أننا سننجب ذكراً، كان رده هذا صدمة لي في عقليته وطريقة تفكيره ونظرته للحياة عامة وللإناث خاصة".

تتابع منى: "رفضت من الأساس الدخول في أي نقاش آخر، وتركت له حرية الاختيار، إما البقاء على الاتفاق الأول واستمرار الحياة بيننا كما رتبنا لها نحن الاثنان، وإما الانفصال، لأنني لن أقبل أن يتعامل معي كدمية يحركها وفقاً لأهوائه، وانتقلت لمنزل عائلتي لشهرين تقريباً لأترك له مساحة للتفكير، بعد فترة من التواصل معي ومع أهلي ومع تدخل والدته التي كانت رافضة لما قاله، عدنا لحياتنا الطبيعية منذ شهر تقريباً، ولكنني لازلت أشعر أن هناك جزءاً من الشعور بعدم الثقة فيه أو افتقاد الأمان معه".

تعلق عبد الرحمن، في تصريحات لرصيف22، بأن المرأة نتيجة لموقف كثير من الأزواج بالإصرار على إنجاب المزيد من الذكور، حتى لو رفضت الانصياع، "تشعر من داخلها بأنها "معيوبة"، وهنا تصبح مشكلتها ليست فقط أن زوجها يهددها أو يريد الانفصال عنها، لكن مشكلتها الأساسية أنها تشعر دائماً أنها ليست امرأة كاملة، وتقحم نفسها في مقارنات مع قرينتها التي أنجبت 4 أو 5 ذكور مثلاً، وتلقائياً تشعر أن مكانتها تراجعت في العائلة".

"كنت أشعر أنه لا يحق لي اتخاذ القرار في أهم الأمور، وكأن رحمي نفسه لم يعد ملكي، ولا يحق لي أن أرفض أو أقبل ما يتعلق به من قرارات"
"مشكلة الزوجة في مصر ليست فقط أن زوجها يهددها أو يريد الانفصال عنها، لكن مشكلتها الأساسية أنها تشعر دائماً أنها ليست امرأة كاملة، وتقحم نفسها في مقارنات مع قرينتها التي أنجبت 4 أو 5 ذكور مثلاً، فتشعر أن مكانتها تراجعت في العائلة"

وترجع عبد الرحمن ذلك بأن هناك طبقات اجتماعية عريضة جداً، تربي الفتاة على أنها زوجة وأم فقط، فيتم تعليمها طهي الطعام، والتنظيف، والاهتمام بمظهرها طوال الوقت، ثم تنجب الولد الذي سيمثل لها دعامة الأمان، بالتالي إذا أنجبت ذكوراً فقد نجحت في مهمتها، وأن حدث العكس فقد فشلت، بالتالي، المرأة هنا مشاركة في استمرار تلك الثقافة بقبولها ورضوخها لها، ولا يمكن أبداً القول إنها مسلوبة الإرادة تماماً.

أما فرح فريد، 32 عاماً، طالبة بالجامعة المفتوحة، مثل منى، أصرت على موقفها بعدم إنجاب طفل ثالث رغم إلحاح زوجها، تروي لرصيف22: "أنا أم لطفلين أنجبتهما في بداية زواجي، وأنا عمري 20 عاماً، وبسبب الزواج تخلفت عن الجامعة، بعد إنجاب الطفلين ودخولهما المدرسة، بدأت أفكر في العودة للدراسة من خلال الالتحاق بالجامعة المفتوحة، فوجدت زوجي يحاول إحباطي وأخذ يقول أنني لو أشعر بالفراغ فيمكن أن نعمل على إنجاب طفل ثالث، فرفضت رفضاً تاماً، وأغلقت أمامه كافة محاولات الإقناع، خاصة وأنني كنت أحلم باستكمال دراستي".

"الاهتمام بتعليم الأبناء أفضل"

"الواقع يخدم تلك الموروثات"، هكذا وصفت المعالجة النفسية ما يحدث لكثير من الزوجات المصريات، قائلة: "الواقع يخدم تلك الأفكار، ويبرّرها، على سبيل المثال أن يكون وجود الذكر مقترناً بالأمان المادي، خاصة وأنه لم تتح الفرصة لتلقي التعليم، وبالتالي تصبح فرص العمل محصورة، إما في الخدمة بالمنازل أو التسول أو العمل كبائعة جائلة، ما يعرضها لمضايقات وتحرش أو ابتزاز واعتداءات، في حين أن الذكر لن يتعرض لنفس الأخطار، بالتالي من الطبيعي جداً أن يصبح وجود الذكر مقروناً بالأمان، ويتم تفضيله والسعي وراء إنجاب الذكور أكثر من الإناث".

تنهي دعاء عبد الرحمن حديثها مع رصيف22، قائلة: "هنا نقف أمام عوامل تاريخية وبيئية واجتماعية وثقافية، بالتوازي مع الأسباب النفسية، كلها تتضافر لينتج عنها حالة هوس بالإنجاب، ولكن تلك الأسباب تختلف من مجتمع لآخر، فكل البشر عندهم غريزة البقاء".

وتوصي عبد الرحمن الأزواج المصريين بالاهتمام أكثر بتعليم أبنائهم وبناتهم، وتأهيلهم لوظائف أفضل، مثلما يحدث في مجتمعات أخرى، وعدم الاعتماد على عدد الأولاد الذكور في الأسرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard