شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لسن مجرمات"... عن حقّ النساء بإجهاض الحمل غير المرغوب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 14 ديسمبر 201904:26 م

رغم مناداة الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة بتنظيم النسل، من خلال مشروع "عيلين كفاية" الذي تطبقه وزارة التضامن الاجتماعي للحد من الكثافة السكانية، والذي روّج له الممثل أكرم حسني من خلال إعلان تلفزيوني يشجع فيه على الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلين، إلا أن الحكومة المصرية لا تمكن المرأة من حرية التصرف في جسدها وفي صحتها الإنجابية بالمرة.

تتحدث مؤخراً بعض النساء عن رفض بعض الصيادلة في مصر تداول حبوب منع الحمل الطارئة "الكونترابلان"، بسبب "السمعة السيئة" التي أثيرت حول هذه الحبوب، عن أنها تُستخدم من قبل الذين يمارسون علاقات جنسية خارج إطار الزواج.

لمس البعض غياب واختفاء "الكونترابلان"، وعندما تسأل عنه يخلق الصيادلة مبررات مختلفة: هناك من سيقول إن هذه الحبوب أصبحت غير موجودة بالسوق، أو إنها نفذت من الصيدلية، أو سيطالب بوجود روشتة رغم أن هذه الحبوب لا يستلزم شراؤها وجود روشتة طبيب، خاصة أنها تستخدم في حالات الطوارئ… هذا يعني أن هذه الحالة لن تنتظر الذهاب إلى طبيب، فتكون النتيجة هي حمل غير مرغوب في دولة تجرم الإجهاض.

وللأسف،لن تستطيعين إجهاض حمل غير مرغوب حتى لا يراك المجتمع مجرمة، لن تستطيعين اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتك حتى لا يراك المجتمع مذنبة.

أصبح بعض الصيادلة يمارسون وظيفة الواعظ الديني والأخلاقي، خاصة أن حبوب منع الحمل العادية مرتبطة في أذهاننا بالعلاقات الزوجية أو العلاقات الشرعية، أما حبوب منع الحمل الطارئة فمرتبطة في أذهاننا بالعلاقات العابرة أو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وبالنسبة لهم هذه علاقة غير شرعية ومحرمة، فيرفض البعض منح هذه الحبوب للنساء من منطلق أخلاقي، فيريد البعض تلقين النساء درساً في الأخلاق، عن طريق تركهن للحمل غير المرغوب!

الحقوق الإنجابية للمرأة في مصر

الحقوق الإنجابية للمرأة في مصر تكاد تكون منعدمة، سواء الحق في اتخاذ قرار الإنجاب ورغبتها بالاحتفاظ بالطفل أم لا، الحق في توفر وسائل منع الحمل وسهولة الوصول إليها، حقها في تنظيم النسل، حقها في الإجهاض القانوني والآمن، الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتها الجنسية والإنجابية، وحتى الحق في التوعية والتثقيف الجنسي.

والحقيقة أن المرأة المصرية لا تتمتع بأي من هذه الحقوق، ولن أبالغ إذا قلت إن المرأة المصرية لا تمتلك جسدها من الأساس، جسدها ليس فقط ملك لعائلتها ومن ثم زوجها ولكن ملك للسلطة أيضاً، السلطة التي تسلب منها حقها في السيطرة والتحكم في القرارات المتعلقة بحياتها الجنسية والإنجابية، عن طريق الإكراه المجتمعي والقانوني.

حظر وتجريم الإجهاض وصعوبة الوصول إلى حبوب منع الحمل، تعتبر من الانتهاكات التي تحدث من الدولة ضد حقوق الإنجاب، ولذا، وكما جاء في التقرير الصحي العالمي لعام 2008، لا بد من التعامل بجديةٍ مع السياسات والقوانين التي تشكل عائقاً أمام توفّر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وإتاحتها وقبولها.

يُعد الإجهاض من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة في القانون المصري، وتجريم الإجهاض يعرض صحة المرأة لمخاطر شديدة، حيث أنها تضطر إلى اللجوء للإجهاض غير الآمن، سواء عن طريق الذهاب لعيادات "تحت بير السلم"، والتي لا يتوفّر فيها الحد الأدنى من المواصفات الطبية، وتجري في الغالب في شقق سكنية أو في أماكن شعبية، ومن أطباء يستغلون حالة المرأة ويتعاملون مع عمليات الإجهاض كـ "بيزنس" لكسب المال ومضاعفة سعر العملية.

حبوب منع الحمل الطارئة فمرتبطة في أذهاننا بالعلاقات العابرة أو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وبالنسبة لكثيرين، هذه علاقة غير شرعية ومحرمة، فيرفض بعض الصيادلة منح هذه الحبوب للنساء من منطلق أخلاقي، فيريد البعض تلقين النساء درساً في الأخلاق، عن طريق تركهن للحمل غير المرغوب

متى سنتخلص من نظرة المجتمع الدونية للجنس، وأن الإنجاب هو الغاية الكبرى من ممارسته، فيُنظر لمن تقرر الإجهاض على أنها تقترف ذنباً كبيراً، فتبدأ معاناة المرأة، بداية من الوصول إلى وسائل منع الحمل بشكل آمن والذي هو مرتبط بشكل أساسي بعدم حدوث حمل غير مرغوب، ووصولاً إلى الإجهاض غير الآمن وتبعاته

الإجهاض غير الآمن هو أحد الأسباب الرئيسية لوفيات الحوامل في العالم، حيث أنه يتم سواء عن طريق العمليات التي تفتقر إلى المعايير والمواصفات الطبية، والذي من الممكن أن ينجم عنه مشاكل صحية كبيرة للمرأة، كالنزيف أو التسمم وغيره، أو عن طريق شراء أدوية الإجهاض المنزلي كالـ "الميزوتاك" و"السيتوتاك"، والتي تكون في الغالب أدوية مجهولة الجودة، أو بسبب عدم حصول المرأة على المعلومات الكافية والجرعة الصحيحة وما إلى ذلك، أو عن طريق اللجوء إلى الوصفات العشبية أو إدخال اجسام غريبة في المهبل.

الإجهاض في جميع البلدان موجود بكثرة، سواء مع وجود قيود قانونية أو بدون قيود قانونية، ولكن الفارق الوحيد هو أن عدم وجود قيود قانونية يجعل الخطر على المرأة أقل بكثير ويجعل معدلات وفيات الحوامل أقل، والدول التي تسمح بالإجهاض الآمن والقانوني تحدث فيها عمليات الإجهاض بشكل أقل، نظراً لسهولة الوصول لموانع الحمل ووجود التوعية والتثقيف الجنسي، وبالتأكيد سنقلل من الظاهرة التي سمعنا عنها كثيراً في مصر، وهي الأطفال حديثو الولادة المرميون في النفايات، أو أطفال الشوارع مجهولو النسب وغيرها من الظواهر.

متى سنتخلص من نظرة المجتمع الدونية للجنس، وأن الإنجاب هو الغاية الكبرى من ممارسته، فيُنظر لمن تقرر الإجهاض على أنها تقترف ذنباً كبيراً، فتبدأ معاناة المرأة، بداية من الوصول إلى وسائل منع الحمل بشكل آمن والذي هو مرتبط بشكل أساسي بعدم حدوث حمل غير مرغوب، ووصولاً إلى الإجهاض غير الآمن وتبعاته!

وللأسف، لن تستطيعين تأمين جسدك إذا قمت بعلاقة جنسية غير محمية حتى لا يراك المجتمع عاهرة، لن تستطيعين إجهاض حمل غير مرغوب حتى لا يراك المجتمع مجرمة، لن تستطيعين اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتك حتى لا يراك المجتمع مذنبة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard